- حقيقة التساؤلات والشائعات المثارة عن أبرز تحالفات الانتخابات البرلمانية 2020 وتأثيرها على السياسة والحياة الحزبية فى مصر
- 12 حزبا مع التنسيقية ضمن القائمة الوطنية و3128 مرشحا مستقلا على المقاعد الفردية مقابل 285 فقط لـ"مستقبل وطن"
- القائمة متنوعة ومتوازنة بين الكفاءة وتجديد الدماء.. وتضم 95 نائبا سابقا و189 وجها جديدا بينهم 142 امرأة و82 شابا وعدد من زوجات الشهداء
- أحزاب القائمة تتحمّل نفقات الدعاية من الاشتراكات والتبرعات لتسهيل المشاركة على الشباب والكفاءات غير القادرين على الأعباء المالية
- نظام القائمة التزام دستورى وقانونى وآلية عمليّة لدعم النساء والشباب وتنظيم العمل السياسى فى مواجهة التيارات الإرهابية والأموال الخارجية
- القائمة خيار مطروح للمواطنين من خلال آلية الانتخابات.. والمعترضون كان بإمكانهم تشكيل تحالفات بديلة أو التصويت لـ3 قوائم منافسة
- كوادر حزبية وشعبية بارزة ونواب سابقون من الميسورين ورجال الأعمال خارج "القائمة الوطنية من أجل مصر" ويخضون السباق على المقاعد الفردية
- القائمة المغلقة المُطلقة ضرورة ظرفيّة للوفاء بالشرط الدستورى بـ25% للمرأة وتمثيل الشباب والأقباط والعمال والفلاحين والمصريين بالخارج وذوى الاحتياجات الخاصة
- الساحة مفتوحة للأحزاب والتحالفات السياسية وعجز المنتقدين عن خوض المنافسة لا يمكن تبريره بالمواقف السطحية والاتهامات العشوائية
- 36 حزبا سياسيا فقط تقدمت بمرشحين لمجلس النواب ثُلثُها بالقائمة الوطنية وذلك من إجمالى 104 أحزاب مسجلة فى مصر
- 4006 مرشحين على الفردى و1136 بالقوائم الأربع بمتوسط 9 متنافسين على المقعد الواحد والمستقلون فى المقدمة بأكثر من 68%
- 6 أحزاب كبرى تنافس بـ71% من الحزبيين المرشحين للمقاعد الفردية و30 حزبا منها النور انحسرت مشاركتها فى 253 مرشحا فقط
- 65% من الأحزاب السياسية غابت عن المنافسة على المقاعد الفردية أو التوافق وتشكيل تحالفات وقوائم انتخابية مُجمّعة
- تمويل "القائمة الوطنية" من الأحزاب المشاركة وتبرعات المرشحين وفق الضوابط القانونية وكما هو شائع ومعتمد فى كل دول العالم
- الديمقراطية الحقيقية والسياسة الناضجة تتجاوز الاعتبارات الشخصية والقبلية وتنتصر للمبادئ والأفكار والبرامج وخطط العمل
- الأحزاب والسياسيون أحرار فى تحالفاتهم وحملاتهم ودعايتهم وفق القانون.. والحكومة لا تمول أحدا حتى تفرض عليه رؤية أو موقفا
- ثلث القائمة من الشباب وزوجات الشهداء غير القادرين على تحمل أية أعباء مالية.. والتبرعات والتمويل التضامنى والدعم الحزبى آلية عالمية وليست بدعة محلية
- أعضاء الأحزاب المقتدرون يشاركون فى تمويل المبادرات الاجتماعية والخيرية ومن المنطقى أن يُسهموا فى دعم القوائم والمرشحين ويساعدوا زملاءهم غير القادرين
- الناصريون رحبوا بالقوائم وتحالفوا مع الإخوان فى برلمان 2011 واليسار والليبراليون احتضنوا عناصر الجماعة فى انتخابات الثمانينيات والتسعينيات
القائمة الوطنية من أجل مصر
خيط رفيع للغاية بين النقد والنقض، وبين المعارضة المُستندة إلى مفاهيم سياسية ومواقف عملية ناضجة، والرفض المُطلق انحيازًا لأفكار جامدة ومصالح خاصة. ربما تبدو تلك الرؤية من بديهيَّات لعبة السياسة وتقييم أداء المُنخرطين فيها، لكن يحدث أحيانًا أن يدفع البعض فى اتجاه تحويل تلك البديهيَّات إلى أمور مُختلَفٍ عليها، وقابلة للأخذ والردّ وتعدُّد الرؤى، وأن يتغلَّب الذاتى على الموضوعى، وتُزاح الحقائق جانبًا لصالح التأويلات ووجهات النظر، وهذا بالضبط ما يبدو أنه يحدث مع ملف انتخابات مجلس النواب 2020 إجمالًا، ومع «القائمة الوطنية من أجل مصر» على نحوٍ خاص.
بدأ الأمر مع إعلان فتح باب الترشُّح لانتخابات مجلس الشيوخ خلال يوليو الماضى، وإجرائها فى أغسطس وسبتمبر التاليين. وقتها كانت التجربة الأولى لتدشين تحالف انتخابى من أحزاب وتيّارات سياسية مُتنوّعة، وهو الأمر الذى واجه انتقادات وهجومًا لا حدَّ لهما منذ لحظته الأولى، تغاضى الرافضون للتجربة عن أنها محاولة للتوافق وتنظيم القوى، أو أنها تحالف انتخابى ينقضى بانقضاء الانتخابات؛ ليعود كل حزب إلى أفكاره وانحيازاته السياسية داخل البرلمان، وانطلق آخرون من رفض عام لثورة 30 يونيو والنظام المنبثق عنها، أو إمعان فى الصِّدام والكيد السياسى، أو تورُّط فى رؤى اليمين الدينى وتياراته المُضادّة للدولة نفسها، أو تغليب للمصلحة الشخصية الخالصة على اعتبارات السياسة الرشيدة والتوافق الإيجابى على إدارة الشأن العام. تعدَّدت الأسباب، وكان سوء الفهم العارض، أو المُتعمَّد، واحدًا، وهو ما تكرَّر مع تكرار التجربة للمرة الثانية، استعدادا لانتخابات مجلس النواب التى انطلقت إجراءاتُها أواخر سبتمبر، وتُعقد مرحلتها الأولى خلال الشهر الجارى! وكأن الاستحقاقات الانتخابية باتت موسما تقليديا لبعض الأطراف، تهاجر فيه من المنطق إلى العاطفة المصنوعة، ومن الأرقام والحقائق إلى الاعتباط والشائعات!
القائمة الوطنية من أجل مصر
هل يحتكر مستقبل وطن القائمة؟
يقول بعض المُعترضين على نظام الانتخاب بالقوائم إجمالًا، أو على «القائمة الوطنية» بالتحديد، إن هناك احتكارًا سياسيًّا مارسته القائمة، عبر واحد أو أكثر من أحزابها. فى التفاصيل والأرقام يضمّ التحالف الذى انبثقت عنه تلك القائمة 12 حزبًا سياسيًّا: مستقبل وطن، والوفد، وحماة الوطن، والشعب الجمهورى، والمصرى الديمقراطى، والتجمع، والمؤتمر، والعدل، ومصر الحديثة، والإصلاح والتنمية، والحرية، وإرادة جيل، إضافة إلى 15 حزبًا غيرها من خلال تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين التى تضم 27 حزبًا وعددًا كبيرًا من المُستقلِّين.
منطقيًّا لا يُمكن أن تكتسب تهمة الاحتكار جسدًا صلبًا ووجودًا مُقنعًا مع كل هذا العدد من الأحزاب والمُستقلّين، فضلاً عن أننا إزاء سباق انتخابى معروض للمواطنين، أصحاب الحق الأول فى حسم الأمر وتقرير نسب الوجود تحت قبّة البرلمان، وافتراض الهيمنة المُسبقة يطعن فى الجمعية العمومية للدولة المصرية وقوامها يقارب 60 مليونًا، والأخطر أنه يُدين الأحزاب والقوى السياسية نفسها، لا سيَّما المُعارضة منها، وبعضها مُمثَّل ضمن «القائمة الوطنية من أجل مصر» محلّ النقد والاعتراض!
ما تحسمه الأرقام أن القوائم تُشكِّل نصف مقاعد البرلمان فقط، تتنافس عليها 4 قوى مُمثّلة من عشرات الأحزاب والأطياف السياسيّة والأيديولوجيّة، بواقع 568 مُرشّحًا أساسيًّا، وبإضافة الاحتياطيين يقفز العدد إلى 1136. فى المُقابل فإن 50% من المجلس مطروحة عبر السباق الفردى، بنحو 4 آلاف و6 مُرشَّحين، بينهم 3 آلاف و128 مُستقلاًّ بنسبة 68%، و878 يُمثّلون 36 حزبًا، منها 6 أحزاب كبرى تستأثر بـ625 مُرشَّحًا يُمثّلون 71% من الحزبيين و15% فقط من إجمالى المتنافسين على المقاعد الفردية، تلك الإحصاءات تُعنى أننا إزاء مُعدّلات تنافس بواقع 4 أفراد على كل مقعد بالقائمة و14 بالفردى، وبمتوسط عام 9 متنافسين على كل مقعد بالمجلس، وهى مستويات تتجاوز كثيرًا من المجالس النيابية السابقة طوال نصف القرن الأخير.
الأخطر أن 68 حزبًا تمثل 65% من الساحة غابت بإرادتها عن المشهد، و23 حزبًا من المشاركين انحسر حضورها الفردى فى 253 مُرشَّحًا، وهو أمر معناه أننا إزاء ساحة سياسية هشّة، وأحزاب كرتونية لا يتوافر الحد الأدنى من مبرّرات وجودها، ومن غير المنطقى أن يُعتبر انسحابها إدانة لغيرها، أو أن يطالب سياسى عاقل بإضعاف بقيّة الأحزاب حتى تتساوى مع تلك الكيانات! فإذا أردنا قدرًا من العقل فى تقييم الأمور، لا يُمكن أن نلوم الساعين إلى إثبات حضورهم وتقوية مراكزهم، كما لا يصح الحديث عن الاحتكار انتصارا للافتات سياسية لا وجود لها فى مقابل أحزاب ذات هياكل حقيقية، حتى لو اختلف معها البعض سياسيًّا أو فكريًّا! ومقابل ذلك يُتّهم حزب مستقبل وطن باحتكار القائمة، بينما يُشاركه فيها 11 حزبًا والتنسيقية، كما يُتَّهم بالسيطرة على الانتخابات بينما يخوض سباق الفردى بـ285 مُرشَّحًا من إجمالى 4 آلاف و6 بينهم 3 آلاف و128 مُرشَّحًا من المُستقلّين!
الهيئة الوطنية للانتخابات
هل باعوا مقاعد القائمة؟
أبرز ما يُروّجه فريق من مُنتقدى «القائمة الوطنية من أجل مصر» أنها باعت فرص الترشُّح، ثمّ يستكملون الأمر بالحديث عن التمويل، مُعتبرين تجاور السؤالين قرينةً على اختلال معايير الائتلاف. وللأسف فإن تلك الرواية الهشّة لا تصمد طويلاً أمام المُساءلة والتفنيد العاقلين! البديهى أن الائتلافات الانتخابية تُموَّل من أعضائها: أوّلاً القوى السياسية المُمثَّلة فيها، وثانيًا المُرشَّحون وأعضاؤها وداعموها. وبالتبعية فإن «القائمة الوطنية» يُموّلها 12 حزبًا سياسيًّا، وداخل تلك الكيانات منظومة مُتكاملة من إدارة الموارد، عبر الاشتراكات والتبرُّعات وحصص بعض المُرشَّحين.
يعرف العالم كلّه آليات مُتشابهة لتمويل الأنشطة السياسية، ويُسمح للأحزاب والمُرشَّحين بجمع التبرُّعات والمساهمات الشعبية وفق أُطر قانونية واضحة، وهو ما يحدث فى مصر أيضًا، ليس خلال مواسم الانتخابات فقط، ومثالاً فقد نظمّ حزب مستقبل وطن، أحد أحزاب القائمة، قوافل طبية وخيرية، وحملات اجتماعية وتنموية، وافتتح منافذ ثابتة ومُتحرّكة للسلع الغذائية، وتكفّل بقيمة التصالح على مخالفات البناء بـ27 ألف حالة بالمحافظات، وكل تلك الملايين لا يحصل عليها الحزب من الدولة ضعيفة الموارد، ولا يملك أنشطة اقتصادية وتجارية تُدرّ عليه أرباحًا، إنما يُوفّرها من تبرُّعات الأعضاء، وكما أن أغلبهم لا يحصلون على أغذية أو أدوية أو «مُصالحات» من تلك الأموال التى يدفعونها، فليس شرطًا أن يُرشِّح الحزب كل من يُسهم فى تمويل حملاته الانتخابية! والمدهش أن عشرات من الميسورين والنواب السابقين ورجال الأعمال المُنضمين لأحزاب القائمة يخوضون السباق على المقاعد الفردية، وإذا صحّت شبهة بيع الفرص أو اختيار من يدفع مُقابل الترشُّح، لكان أولى أن تضمّ القائمة الأغنياء فقط، بدلاً من الفقراء والمهنيِّين والشباب وزوجات الشهداء!
نقطة أخرى مُهمّة جدًّا. بحسب ما أعلنته الهيئة الوطنية للانتخابات تبلغ مُخصَّصات الدعاية للقوائم بالمرحلتين 17 مليونًا و200 ألف جنيه للقائمة ذات 100 مقعد، و9 ملايين و800 ألف جنيه لـ42 مقعدًا، بمُتوسّط عام يتجاوز 200 ألف جنيه للفرد. وبالنظر إلى أن القائمة تضم 82 شابًا، و142 امرأة بينهن عدد من زوجات الشهداء وبعض الكوادر وأساتذة الجامعات مُتوسِّطى الحال، فإن ثُلث المُرشّحين ممّن يبدؤون حياتهم العملية أو يعيشون عيشةً بسيطة، ولا يستطيعون تكبُّد أعباء الانتخابات، وإمَّا أن تدعمهم الأحزاب، أو يغيبون عن التمثيل والعمل السياسى، وهنا تحضر الهياكل والآليّات المُؤسَّسية بالقوى السياسية؛ لتُدبّر نفقات تلك الفئات من مواردها ومساهمات أعضائها، وعبر التضامن والإنفاق التكافلى بين المُرشَّحين، بمعنى أن يتحمَّل القادر كُلفةً أكبر لقاء التخفيف عن غير القادر، وهو أمر قائم عالميًّا أيضًا وليس بدعةً محليّة، كما أن اعتبار ذلك شراءً للفرص والمقاعد ينطوى على تبسيط مُخلٍّ، وعلى قصد واضح للتشويه، قفزًا على حقائق السياسة وما تُمارسه كل الأحزاب والتيارات فى أنشطتها اليوميّة وبرامجها وندواتها، وحتى فى لقاءات أعضائها وجلساتهم على المقاهى!
القائمة الوطنية من أجل مصر
هل تُعبّر القائمة عن الحياة الحزبية؟
لا يُمكن القول إن القائمة الوطنية من أجل مصر تُعبّر عن الحياة الحزبية والسياسية المصرية بشكل كامل، لكنها بالتأكيد تُعبّر عن جزء كبير منها، أو بالأحرى عن الجزء الأكثر قوّة وفاعليّة. اجتمع 6 أحزاب من المعارضة مع 6 تُحسب على الموالاة، تجاورهم تنسيقية شبابية تضم 27 حزبًا وأطيافًا متنوّعة من شباب المُستقلّين، ومن رحم هذا التوافق الذى أرادت عناصره أن يكون انتخابيًّا فقط، وأن ينقضى بانتهاء السباق ليعود كل تيار إلى انحيازاته تحت القبّة، ضمّ الائتلاف 95 نائبًا سابقًا بنسبة 33% من إجمالى المُرشَّحين، مقابل 189 وجهًا جديدًا أغلبهم من النساء والشباب!
ربّما يسأل البعض: لماذا اقتصر الائتلاف على تلك الأحزاب؟ أو لماذا لم يتوسَّع ليضم أحزابًا أخرى ذات مرجعيات محافظة؟ المؤكَّد أن الإجابة النهائية لدى القائمة الوطنية والتيارات المُنخرطة فيها، لكن مُقاربة الأمر بالمنطق ومفاهيم السياسة تنسف تلك التساؤلات من بابها، إذ يحقّ لكل حزب أو تيار أن يختار شُركاءه ومن يتوافق معهم دون تبرير أو إعلان أسباب، وأن يرفض أيضًا من يصطدم بهم فكريًّا دون أسباب، ومن غير المنطقى أصلاً أن نسأل عن غياب التيارات الدينية مثلاً ونحن إزاء تحالف يضمّ التجمع والمصرى الديمقراطى من أرضية اليسار، والوفد والإصلاح والتنمية من التيار الليبرالى المدنى، وكلها أحزاب مُعارضة رفضت الشراكة مع أية تيارات أو قوى دينية، أمّا إلى جانب ذلك فإن هناك آخرين يرون أن الدولة كان عليها أن تتدخّل لمساندة بقية الأحزاب أو دمج عدد أكبر منها بالقائمة، وبعيدًا من غرابة المنطق الذى يطلب من الجهة التنفيذية التدخّل فى عمل السياسيين، فإنه من غير المُستساغ أن تفرض الحكومة أمرًا على حزب أو ائتلاف، أولاً لأنه لا ولاية لها على تلك القوى، وثانيًا لأنها لا تُموّلها أو تدعمها ماليًّا أو عمليًّا، ومن ثمّ فإنها لا تملك أيّة أوراق ضغط عليها. باختصار يمكن القول إنه لا توجد دولة بالعالم تنفق على الأحزاب، والأمر نفسه فى مصر، وبالتبعية فكل حزب حُرّ فى موارده وقراراته ولا وصاية عليه، بل إن من واجب السياسيين الدفاع عن استقلالهم بدلاً من اتهام زملائهم بالتبعية، أو محاولة شحن مُؤسَّسات الدولة ضدهم!
الغريب أن المُعترضين على الائتلاف الذى انبثقت عنه القائمة الوطنية، لا يرفضون فكرة الائتلافات السياسية، ولا آلية القوائم الانتخابية أصلا. على سبيل المثال تحالف الناصريون مع جماعة الإخوان وحزبها المنحل «الحرية والعدالة» فى انتخابات مجلس الشعب 2011، وفازوا على قوائمها، وقبلها شهدت الساحة السياسية توافقات بين أحزاب ليبرالية وذات مرجعيات يسارية مع الجماعة خلال عقدى الثمانينيات والتسعينيات، مثل الوفد والأحرار والعمل. وفى كل تلك التجارب طُرح الأمر باعتباره تعبيرًا عن جانب من الساحة السياسية والحياة الحزبية، وخيارًا حرًّا لأطرافه وفق ضوابط الدستور والقانون، لكن المفارقة أن أصحاب تلك التبريرات القديمة يخرجون عليها الآن، فى تناقض سياسى ومبدئى غير مفهوم!
الهيئة الوطنية للانتخابات
أين التعدُّدية والتنافس السياسى؟
عاصفة الهجوم وإثارة الشُّبهات حول قائمة أحزاب المُعارضة والمُوالاة، تتضمَّن تساؤلات من أفراد وتيارات عن مفاهيم التعدُّدية والمنافسة. يبدو الأمر وكأن هناك مُحاولةً حثيثةً لإعادة صياغة قواعد اللعبة السياسية خارج الأعراف المُستقرّة تاريخيًّا، أو بعيدًا من حيِّز العقل والمنطق. هيكليًّا تتحقَّق التعدُّدية من خلال تعدُّد الأحزاب، وحرّية العمل السياسى والجماهيرى وتكوين الائتلافات والتحالفات. إجرائيًّا يتّصل الأمر بعدالة الوصول إلى فرص المنافسة والعرض على الناخبين، وعمليًّا يتطلَّب كفاءة وفاعليَّة حزبية، عبر هياكل صُلبة ومُؤسَّسات رشيدة، وكوادر سياسية قادرة على الحركة والإقناع والتأثير!
إذا فحصنا الخريطة السياسية سنجد نحو 104 أحزاب تقريبًا، ومئات من مُؤسَّسات المجتمع المدنى والجمعيات والروابط والحركات ذات الطبيعة السياسية. فى الشقّ البنيوى والتنظيمى والحركى لا تملك أغلب تلك القوى وجودًا فعليًّا، فلا مقرَّات مُنتشرة بالمدن وعواصم المحافظات، ولا هياكل عضوية قوية ومُتنوّعة، وبطبيعة الحال لا أنشطة أو فعاليات وبرامج تثقيف وتدريب وجذب للأعضاء وإعداد للكوادر. النتيجة المُباشرة لهذا الجُمود الاختيارى، أو الوجود الكارتونى، أن نحو ثُلثى الأحزاب الشرعية تقريبًا تغيب عن كل انتخابات، حدث الأمر قبل ثورة 25 يناير وتكرَّر بعدها، والآن يخوض 36 حزبًا فقط سباق مجلس النواب، ويُقدّم المُستقلّون قرابة ثُلثى العدد الإجمالى للمُرشَّحين على القوائم والمقاعد الفردية. إذن تتحقّق التعدّدية داخل النظام السياسى، لكن تظلّ أغلب الأحزاب عاجزة عن تحقيقها عمليًّا، سواء داخل مقرَّاتها، أو من خلال الشارع!
فيما يخصّ «القائمة الوطنية»، فإنها حتى رغم قوّة مكوّناتها وتفوّقها على باقى الأحزاب والمُنافسين، لا تنفرد بالساحة أصلاً، إذ تُنافسها ثلاث قوائم: «تحالف المُستقلّين» بقطاع القاهرة وجنوب ووسط الدلتا، و«نداء مصر» بقطاعى غرب الدلتا وشمال ووسط وجنوب الصعيد، و»أبناء مصر» بقطاع شرق الدلتا. التعدُّدية ليست غائبة كما يُروّج البعض، والساحة وقواها النشطة غير مسؤولين عن ضعف بقيّة الأطراف، ومجال المنافسة مفتوح من خلال ثلاثة بدائل. أى أن «القائمة الوطنية» خيار مطروح لأصحاب الحق الوحيد فى اختيار أعضاء البرلمان، من خلال صناديق الاقتراع المصونة بضمانة قضائية. يُمكن للناقدين أو الناقمين على القائمة أن يُصوّتوا لمنافسيها، وكان بإمكانهم أصلاً وابتداءً التوافق وتشكيل تحالفات مُضادّة لها، أما تقاعسهم عن الخيارين فربّما يكون إدانةً لهم، أكثر من كونه تدليلاً على غياب التعدُّدية والمنافسة، كما يُحاولون الإيحاء!
القائمة الوطنية من أجل مصر
هل مواقف كل المنتقدين مُغرضة؟
المُبرّر الذى يلجأ إليه البعض لتمرير مواقفهم من الائتلاف الأقوى فى سباق مجلس النواب 2020، أن هناك انتقادات كثيفة من اتجاهات عدّة، والحقيقة أن المواقف تُقيّم بصلابتها منطقة وصلاحيتها للصمود فى وجه الأسئلة المنطقية، لا بكثافتها وتعدُّد أطرافها. لذا من غير المفهوم أن يتجاهل فريق من السياسيين أو عوام الناس أن العداء أمر واقع داخل حلبة السياسة، وأن تفاوت الانحيازات والرؤى السياسية وحسابات المصالح، يُنتج بالضرورة تفاوتًا فى النظر إلى الأمور ومُحاكمتها!
ربما تنطوى بعض الانتقادات على بواعث منطقيّة، وربما أيضًا لا يكون كل المُنتقدين مُغرضين، لكن المؤكَّد أن أى ائتلاف سياسى عُرضة منذ نشأته لضربات مُنظّمة أو عشوائية. وإذا كان الائتلاف مُؤسَّسًا على أرضية وطنية تُعلن انحيازها لمؤسسات الدولة ونظامها الدستورى الناشئ عن ثورة 30 يونيو، فبالضرورة ستكون عدوًّا أساسيًّا لجماعة الإخوان والفصائل الحليفة لها على سبيل المثال، وبطبيعة الحال سينالها جانب من سهام تلك التيارات!
بالمنطق نفسه، فإن العاجزين عن الانخراط فى الصراع السياسى الشرعى وفق ضوابط الدستور والقانون لن يكونوا راضين عن الأمر، والنواب السابقين الذين تخيّلوا أن القائمة تحمل لهم فوزًا سهلاً سيغضبون إن لم يحصلوا على تلك الفرصة، والأحزاب التى سارت فى مواكب الإخوان، أو توافقت معها سابقًا وتتصل بها حتى الآن، ستشنّ هجومًا اضطراريًّا كاسحًا على أية تحالفات مُضادّة لتلك الدائرة، وبالمثل فرُبّما هناك شخص أو أكثر حصلوا على وعود وضمانات من آخرين، أو من أحزابهم، بالتمثيل ضمن القائمة الانتخابية الأقوى، وبمجرّد اكتشاف أن آليّة عمل الائتلاف كانت أقوى من تلك الوعود المُضّللة، فمن الطبيعى أن يطعنوا فى القائمة ومسارات تشكيلها. ورغم كل تلك الصور التى لا يغيب عنها الوجه الشخصى أو النفعى، فإن افتراض حُسن النوايا يدفع فى اتجاه حسابها على اختلافات السياسة الطبيعية، لا على الهوى والغرض، لكن من غير المنطقى أن تُتّخذ وحدها ذريعة لتشويه ائتلاف انتخابى ارتضته أحزاب وتيارات شرعية، أو يتجاهل الناظرون فيها حقيقة ما يكمن وراءها من أسباب وبواعث تخصّ أصحابها، بأكثر ما تخصّ خصومهم!
القائمة الوطنية من أجل مصر
أين اختفت العائلات الكبرى؟
أغرب الانتقادات الموجهة للقائمة جاءت تحت عنوان القبلية والعشائرية، إذ رأى بعض المعترضون أن التحالف الراعى لها تجاهل التكتلات والقوى العائلية البارزة على امتداد الجغرافيا المصرية، ولم يتبع التقاليد العصبية التى حكمت الانتخابات المصرية عقودًا طويلة. للأسف لم تكن تلك الرؤية حكرًا على رموز العائلات وحدهم، وإنما تورّط فيها حزبيّون وسياسيون وشعبيون، مُتجاهلين أن الديمقراطية الحقيقية والسياسة الناضجة تتجاوز الاعتبارات الشخصية، والأنصبة العائلية والقبائلية، وتنتصر للتنظيمات السياسية والأفكار والبرامج وخطط العمل الموضوعية المُجرّدة.
يصعب الحديث عن ممارسة سياسية حقيقة وناضجة، خارج المؤسسات والتنظيمات الحزبية، لذا فإن أية عودة إلى اعتبارات القبيلة أو العائلة أو العصبية الجغرافية تُمثّل ارتدادًا عن قيم الديمقراطية والحداثة، وانتصارًا للحصص الجغرافية والعشائرية وتوريث السياسة. وخروجًا من تلك الآفة يتطلب الأمر عملا دائما لتجديد الدماء، واكتشاف وإعداد كوادر شابة، وتدوير الوجوه والأسماء لتحقيق أكبر قدر من الكفاءة وفاعلية الأداء، لهذا رأينا رموزا حزبية وشعبية ونوابًا سابقين خارج القائمة، بعضهم يخوضون السباق على المقاعد الفردية وآخرون يعودون إلى بيوتهم الحزبية أو أنشطتهم الاجتماعية والأهلية، ومن بين 284 فرصة مُتاحة على القوائم حازت الوجوه الجديدة 189 بنسبة 66.5%، أغلبهم من الشباب والأكاديميين والمهنيّين وأصحاب الكفاءة والخبرات النوعية. والأكيد أن هذا الانحياز لم يمنع رموز العائلات والمناطق الجغرافية المختلفة من خوض السباق على المقاعد الفردية بصفة «مُستقل»، وهو حق دستورى وقانونى لا شكّ فيه، لكن ليس مُفترضًا أن تكون الأحزاب السياسية منصّات داعمة لتضييق دوائر الانتماء، وترسيخ أفكار القبيلة والعائلة، فى الوقت الذى يتعيّن عليها أن تُعلى من قيم الجدارة والتنوّع وتوظيف كل الطاقات، سعيًا إلى بناء سياق سياسى وتنفيذى أكثر نضجًا وتجرُّدًا!
القائمة الوطنية من أجل مصر
لماذا نظام القائمة من الأساس؟
أولى النقاط المُثارة فى ملف الانتخابات وائتلافاتها المُعلنة، تصطدم بفكرة اعتماد نظام القوائم من الأساس، وتخصيص 50% من مقاعد المجلس لها، والحقيقة أن القائمة مسار وجوبى فى إطار الالتزام بالقانون والوفاء بالاستحقاقات الدستورية. بحسب المادة 102 من دستور 2014 المُعدّلة باستفتاء شعبى خلال العام الماضى «يُشكَّل مجلس النواب من عدد لا يقل عن أربعمائة وخمسين عضوا يُنتخبون بالاقتراع العام السرى المباشر، على أن يُخصَّص للمرأة ما لا يقل عن رُبع إجمالى عدد المقاعد...» وهو ما حقّقه القانون 141 لسنة 2020 بتعديل بعض أحكام قوانين مجلس النواب ومباشرة الحقوق السياسية والهيئة الوطنية للانتخابات، بالنص فى مادته الأولى على حدٍّ أدنى للمرأة بـ25% من المقاعد البالغة 568، وفى المادة الثالثة أن «يكون انتخاب مجلس النواب بواقع 284 مقعدًا بالنظام الفردى، و284 مقعدًا بنظام القوائم المُغلقة المُطلقة» مع حقّ الأحزاب والمُستقلّين فى الترشُّح وفق النظامين. إلى ذلك، تتجاور مع حصّة المرأة التزامات أخرى بتمثيل الشباب والأقباط والعمال والفلاحين والمصريين بالخارج وذوى الاحتياجات الخاصة، ما كان يصعب تحقّقه عمليًّا من خلال النظام الفردى وحده، أو حتى من خلال أشكال القوائم الأخرى، مثل النسبية المُغلقة أو المفتوحة، وعليه فقد مثّلت صيغة القائمة المُغلقة المُطلقة مخرجًا أقل إشكالاً من تعقيدات الوفاء بالالتزامات الدستورية والقانونية، وضرورة ظرفيّة تسمح بحضور كل الفئات وفق أنصبتها المُحددة تحديدًا وجوبيًّا، بعيدًا من مُشكلات الترتيب وحسابات الأصوات والنِّسَب، أو الاضطرار مُستقبلاً لاستبعاد أصحاب الأصوات الأعلى لصالح أصحاب الحصص الدستورية، حال الاكتفاء بالنظام الفردى أو الاعتماد على القوائم المفتوحة أو النسبية. والأهم أن تلك الصيغة تسمح بتنظيم القوى السياسية، وتقوية الأحزاب، ودعم الفئات المُهمّشة أو الأقل قدرة على خوض صراعات الانتخابات التقليدية، وحشد الساحة على أرضية صُلبة فى مواجهة التيارات الأصولية واستهداف جماعات العنف الدينى، لا سيّما مع ما يتوافر لتلك القوى من وسائل قوّة وتأثير، سواء عبر الإعلام الدعائى المدعوم من دول وقوى إقليمية، أو تدفُّقات الأموال الخارجية الكثيفة لصالح تمويل أنشطتها وتعزيز موقفها فى مواجهة الدولة ومؤسساتها الرسمية والمدنية، ومُكوّنات أجهزتها وظهيرها السياسى! وفى ضوء تلك الضرورات القانونية والسياسية اعتُمدت آليّة القوائم، والتقت بعض الأحزاب على توافقات انتخابية مُحدَّدة، وتشكَّلت عدة قوائم منها القائمة الوطنية من أجل مصر.
القائمة الوطنية من أجل مصر
لسنا فى مجال الدفاع عن القائمة الوطنية من أجل مصر، إذ من المؤكّد أن الأحزاب والكوادر المُمثّلة فيها أحقّ بذلك وأقدر عليه من غيرها، وإنما نرى الأمر فُرصة لإثارة نقاش موضوعى فيما يخص السياسة وتحالفاتها، فى ضوء الدستور والقانون والمنطق والأرقام وحقائق الواقع، وإن كان أغلب ما ينطوى عليه الأمر من قبيل البديهيات الراسخة، والممارسات التى مرّت على كل التيارات السياسية، ومارسها أغلبهم مرّة أو مرّات. ولا شكّ فى أننا نحتاج سياقًا سياسيًّا ناضجًا، وساحة مُتنوّعة وذات هياكل صُلبة، دون افتقاد المرونة وقدرات المناورة والاستجابة للمتغيرات والتفاعل منها، ولا يُمكن ونحن نطالب بتقوية العمل الحزبى أن ننتقد أحزابًا ارتأت طريقًا عملية لذلك، ولا أن نُحمّل القوى نتيجة ضعف الآخرين، أو نقفز على حقيقة لعبة السياسة ومسارات التوافق وآليات الاختيار والانتقاء والعرض على الناخب، أو الضوابط والأطر القانونية والتنظيمية لتدبير الموارد، أو اختيارات أطراف وقوى شرعية وناضجة لانحيازاتها وشركائها، أو محاولة فطام الساحة من موروث الأصولية والتشدد الدينى والقبلية، وغير ذلك من المفاهيم والرواسب التى أضرت بالسياسة طويلاً، وانتقدها الجميع عقودًا، لكنهم ينحازون إليها فجأة مع اكتشاف أن المشهد الجديد لا يصب فى صالحهم، بدلا من العمل الجاد على أن يكونوا جزءا من الصورة، عوضًا عن الاكتفاء بانتقادها، لذا فإن هذا النقاش والعرض الذى تجرّدنا فيه إلى أقصى الحدود، محاولة لاستعادة آليات الحوار الناضج، وفرز الأمور وفهمها على أرضية عقلانية، وهو بالتأكيد دفاع عن المنطق والنضج السياسى، وليس دفاعا عن القائمة الوطنية من أجل مصر أو غيرها!