رحيل مثير للجدل كما كانت الحياة، توفى كرم محمد زهدى، رئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية الأسبق، صباح الأربعاء، فى مستشفى الإسكندرية الجامعى عن عمر يناهز 69 عاما، وما يزال الاختلاف حوله قائما، بين فريق يعتبره بطلا لأنه اعتذر عن العنف وقاد مسيرة المراجعات، وآخر يُدينه بجرائمه الفادحة ولا يغفر له الدم وعمليات الإرهاب التى كان مشاركا فيها وقائدا لكثير منها.
تورط كرم زهدى فى اغتيال الرئيس السادات أوائل أكتوبر من العام 1981، وبعدها كان قائدا لواحدة من أفدح العمليات الإرهابية فى تاريخ مصر، بمهاجمة مديرية أمن أسيوط صبيحة يوم عيد الأضحى، ما أودى بحياة عشرات من الجنود والمواطنين، ثم تراجع بعد سنوات من داخل محبسه، وقاد مسيرة الندم والبراءة وإعلان التوبة عن العنف والإرهاب، وبين الأمرين تظل الحيرة والاختلاف قائمين فى النظر إليه، بين من يسامح ويترحم، ومن يُدين ويلعن!
خبر الرحيل لاقى رواجا واسعا منذ إعلانه عبر بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى. وقال الدكتور ناجح إبراهيم أمير الجماعة الإسلامية الأسبق، فى تصريحات لـ"اليوم السابع": "سيتم دفن الشيخ كرم زهدى بمدافن عائلته فى المنيا"، مشيرا إلى أنه يجرى الآن تغسيل الجثمان استعدادا لنقله من الإسكندرية إلى المنيا.
ونعى أفراد من الجماعة الإسلامية، كرم زهدى، عبر صفحاتهم على موقع التواصل الاجتماعى. لكن فى الجانب المقابل تذكر آخرون مسيرة رئيس مجلس شورى الجماعة، وقالوا إن له تاريخا طويلا فى العمل المسلح وإراقة الدماء.
وتراوحت الآراء بين الإدانة والتقدير، فقال فريق إن له فضلا فى السيطرة على موجات الإرهاب التى شهدتها مصر خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضى، لا سيما أنه صاحب مبادرة وقف العنف التى أطلقتها الجماعة الإسلامية، كما قرر مع ناجح إبراهيم، حل مجلس شورى الجماعة، والاستقالة من إدارتها مع التفرغ للعمل الدعوى، وذلك بعد خلافات حادة بين قيادات الجماعة فى كل المحافظات عقب الإفراج عن عبود الزمر ومطالبته بإجراء انتخابات لاختيار مجلس شورى جديد.
قائد اقتحام مديرية أمن أسيوط
فى أكتوبر من العام 1981، قاد كرم زهدى أحداث أسيوط الشهيرة، إذ عقد ما يُعرف بـ"مجلس شورى الوجه القبلى للجماعة" اجتماعا فى أحد أحياء أسيوط بزعامة كرم، حسبما يذكر الباحث ماهر فرغلى فى كتابه "الخروج من بوابات الجحيم.. الجماعة الإسلامية فى مصر من العنف إلى المراجعات"، الذى يحكى فيه تجربته كأحد كوادر الجماعة وقضائه 13 عاما فى السجن بسبب ذلك.
ويكشف "فرغلى" فى كتابه أن اجتماع مجلس شورى الوجه القبلى أسفر عن الاتفاق على استهداف خمسة أماكن للأمن فى أسيوط، هى: مديرية الأمن، وقسم ثانٍ، والدورية اللاسلكية، ومباحث أمن الدولة، والمباحث الجنائية ونقطة شرطة إبراهيم، ثم الزحف بعد ذلك إلى محافظات الوجه البحرى.
بدأ تنفيذ العملية حسب رواية "فرغلى"، بخروج مجموعة من تسعة أفراد بقيادة ناجح عبد الله، توجهوا مترجلين إلى مباحث التموين وأطلقوا النيران على كل من فى المبنى، ثم توجهوا إلى قسم أول أسيوط واستولوا على ما فيه من ذخائر، وهناك أصيب "عبد الله" وبعض زملائه، وعندما رأى أنهم لا يستطيعون المقاومة هرب بواسطة دراجة بخارية أحضرها له أحمد السيد رجب، وفى التوقيت نفسه استقل كرم زهدى وعصام دربالة وآخرون سيارة "فيات 125" يقودها خالد حنفى، وانضموا لزملائهم فى منطقة الجمعية الشرعية، وحاول "دربالة" إلقاء قنبلة فانفجرت وتناثرت شظاياها فى جسده، فنُقل إلى السيارة وتوجهوا إلى طريق الغنايم قاصدين الجبل، وشعرت الشرطة بوجودهم فقبض النقيب أحمد جابر مكارم على كرم زهدى وعصام دربالة، وجرى ترحيلهما إلى القاهرة.
وكانت مذبحة مديرية أمن أسيوط فى عيد الأضحى دموية للغاية، وبلغ عدد ضحايا المذبحة التى ارتكبها كرم زهدى ورفاقه من إرهابيى الجماعة الإسلامية 118 شخصا من جنود وضباط الشرطة والمواطنين، إضافة إلى عشرات الإصابات بينهم أطفال.
كرم زهدى.. واغتيال السادات
شارك كرم زهدى أيضا فى عملية اغتيال الرئيس الراحل أنور السادات، واعترف بذلك مرارا وتكرارا، ثم تراجع عن موقفه بعد مرحلة المراجعات حتى أنه اعتبر فى أحد اللقاءات الإعلامية أن الرئيس السادات "مات شهيدا"، لأن كل من قُتل فى فتنة بين مسلمين شهيد، مضيفا: "أحتسب السادات شهيدا عند الله".
كما اعترف كرم زهدى فى مرات أخرى عديدة بأنه أخطا عندما شارك فى عملية اغتيال الرئيس الراحل، قائلا: "أخطأت فى قرار قتل السادات، ولو أننى استقبلت من أمرى ما استدبرت، ما شاركت فى قتله، بل ونهيت عن ذلك الأمر".
منسق العلاقات بين الجماعات المسلحة
كان كرم زهدى الرجل الأول فى الجماعة الإسلامية، وفق ما يؤكده الباحث فى شؤون الحركات الإرهابية منير أديب، مضيفا: "جمعته جلسات كثيرة مع محمد عبد السلام فرج، صاحب كتاب الفريضة الغائبة، واستطاع زهدى أن يكون منسقا بين تنظيم الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد".
ويضيف أديب: "استطاع أن يصنع علاقات قوية بين المجموعات المسلحة فى الصعيد ومجموعات الدلتا، وكان بمثابة الطائر المتحرك، واستطاع أن يربط هياكل التنظيمات طوال الوقت، ويعمل نقاط الالتقاط بينهما، وأن يكون حلقة الوصل بين أفراد الجماعات المسلحة، وكان يحلم بأن يصنع تحالفا يضم كل التنظيمات المسلحة فى جماعة واحدة، إلا أنه فشل فى ذلك رغم عقدهم مجموعة كبيرة من الاجتماعات".
ويشير الباحث منير أديب إلى أن كرم زهدى ومن معه دشنوا العمل المسلح فى مصر، من خلال ميثاق العمل المسلح، وهو عبارة عن دستور برروا من خلاله أعمال العنف والإرهاب، انطلاقا من اعتبار أنهم "العصبة المؤمنة"، فكانوا يلفقون المبررات الشرعية لتسويغ العنف وإراقة الدماء. ويختتم أديب حديثه عن كرم زهدى بالقول: "رغم قيادته لأعمال العنف إلا أنه قاد المراجعات أيضا، وتمسك بها وأصر عليها، ولم ينقلب كغيره من قيادات الجماعة الإسلامية الذى عادوا للإرهاب مجددا".
دخل كرم زهدى السجن عقب اغتيال الرئيس أنور السادات، وأُفرج عنه فى 27 سبتمبر 2003 بعد قضائه 22 عاما، وظل منطويا بعدما قاد عملية المراجعات الفكرية للجماعة الإسلامية من محبسه للتخلى عن العنف وحمل السلاح ورفض الصراع مع الدولة. وبعد ثورة 30 يونيو دعا لمشاركة المصريين فى الانتخابات، واعتبر مقاطعتها شيئا خطيرا، كما هاجم جماعة الإخوان الإرهابية وأكد أنها تعمل على هدم المؤسسات الصلبة للدولة المصرية.
واليوم يُسدل الستار على حياة كرم زهدى عن عمر يناهز 69 عاما، بعد رحلة طويلة بين إراقة الدماء وإعلان الندم، وتفاوت كبير فى استقبال خبر الرحيل، بين إشادة بجهده فى وقف مسيرة الإرهاب، وإدانة قائمة لا تغفر جرائمه ولا تنسى ضحاياه!