إذا مرضت الدول الكبرى يشعر العالم بالحمى، هذا ما يجرى دائما فى الأزمات الاقتصادية، التى تنعكس على الدول الفقيرة والنامية، ومنذ شهور هناك إشارات إلى أزمة عالمية تهدد الاقتصادات الكبرى، ارتفاعات فى أسعار الغذاء والوقود بنسب قياسية، ثم إن الصين والولايات المتحدة تواجهان تهديدات بأزمة مالية كبيرة تؤثر على الاقتصاد العالمى، وتتسبب فى ارتفاعات جديدة بالأسعار، فى الصين بدأت الأزمة منذ سبتمبر الماضى، عندما تعرضت شركة «إيفرجراند»، ثانى أكبر مطور عقارى فى الصين لأزمة، وعجزت عن سداد 300 مليار دولار للبنوك وحاملى السندات والموظفين والموردين، وضخ البنك المركزى الصينى «90 مليار يوان» فى النظام المصرفى لدعم الأسواق، لكن الخطر قائم، وشبح إفلاس بنك ليمان براذرز نتيجة لأزمة الرهن العقارى فى الولايات المتحدة، أدت إلى الأزمة المالية العالمية 2008.
الولايات المتحدة أيضا تواجه أزمة، حال فشل الكونجرس فى رفع حد ديون الحكومة الفيدرالية، حتى لا تتخلف البلاد عن سداد ديونها، بحسب تقرير «نيويورك تايمز».. و«التخلف عن السداد له آثار مالية واقتصادية خطيرة قد تخفض التصنيف الائتمانى للولايات المتحدة وترتفع أسعار الفائدة».
وقال الرئيس الأمريكى جو بايدن، إن أزمة الديون بمثابة «نيزك» سيضرب الاقتصاد الأمريكى، أوروبا وباقى دول العالم ليست بعيدة عن أزمة تضخم وتباطؤ، بعد كورونا، بسبب ارتفاعات أسعار النقل والوقود وبالتالى الغذاء.
لكن الأمر بالنسبة لبعض الدول النامية والفقيرة وضعيفة الاقتصاد أكثر خطرا، فهذه الدول تتأثر بأى ارتباكات فى اقتصاد العالم، بل وتدفع ثمنا مضاعفا لأزمات الدول الكبرى.
الارتفاع المفاجئ فى أسعار الطاقة جاء بعد رفع القيود، وما زالت تداعيات فيروس كورونا تضرب العالم وترتفع الإصابات والوفيات، والعالم يكاد يفكر فى فتح أبوابه، بينما تبدأ أعراض أزمة اقتصادية تتردد أصداؤها فى العالم كله، وهذه المرة يطل شبح الأزمة الاقتصادية فى صورة تضخم مصحوب بمخاوف من قفزات فى أسعار الغذاء والوقود، كأنما طفرة اقتصادية تشبه طفرات الفيروس، لكنها طفرة متوقعة، والمفارقة أنه بينما المنافسة الاقتصادية تدور على مدى سنوات بين الولايات المتحدة والصين، فإن كلا البلدين الكبيرين باقتصاداتهما الضخمة تواجه كل منهما أزمة بطريقة ما.
500 % ارتفاعا فى أسعار الغاز بأوروبا، وارتفاع أسعار الغذاء من 15 إلى 30 % وربما أكثر مع توقع بحدوث الركود التضخمى، الذى يغلق مصانع ويضاعف بطالة ضمن دائرة تتقاطع مع غيرها من الدوائر لتصنع ضجيجا مؤثرا، فالأزمات فى الولايات المتحدة 2008 ألقت بظلالها على دول العالم، واليوم يبدو الأمر شديد التأثير، ولا ينتظر أن تنجو دولة من هذه التأثيرات، وإن كان الأمر بدرجات تتوازى مع مدى ارتباط الاقتصاد بالاقتصاد العالمى.
فى يونيو الماضى، حذر صندوق النقد الدولى من ارتفاع وشيك فى أسعار السلع والمواد الغذائية مع ظهور بعض مؤشرات تؤكد ارتفاع معدلات التضخم، وحسب توقعات صندوق النقد العربى، فإن التخفيف التدريجى للقيود والانتعاش للنشاط الاقتصادى يرفع الطلب ومعه التضخم، وبشكل عام فإن الدول النامية تبدو أكثر تأثرا بالأزمة الاقتصادية، خاصة أن تقارير صدرت من دول كبرى حول تخفيض الصادرات من القمح، مثلما فعلت روسيا، أو تقارير عن اتجاه بعض مواطنى الدول لتخزين الطعام.
وبالطبع، فإننا فى مصر سوف نتأثر بالأزمة، التى تعبر عن عدوى عالمية بسبب عولمة الاقتصاد، ومثلما جرى مع فيروس كورونا يبدو أن الأمر فى الاقتصاد سيكون أكثر شدة مع بدايات فتح الأسواق والمصانع، وإن كان فيروس كورونا له لقاح، لكن الأزمة الاقتصادية لا يتوقع لها أن تتراجع قبل منتصف 2022 وربما بعد ذلك، وهكذا تنعكس منافسات العالم وأمراضه ومشكلاته على العالم، خاصة الدول النامية والفقيرة.
p