وجه آخر للسلطان حسين كامل.. ما يقوله "صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر"

الأحد، 21 نوفمبر 2021 04:00 م
وجه آخر للسلطان حسين كامل.. ما يقوله "صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر" السلطان حسين كامل
أحمد إبراهيم الشريف

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمر اليوم ذكرى ميلاد السلطان حسين كامل، حيث ولد فى 21 نوفمبر 1853 وتولى حكم مصر فى الفترة من 1914 إلى 1917، ونحن نعرف عن السلطان حسين كامل أنه تولى بعدما رفض الإنجليز عودة الخديوى عباس حلمى الثانى للحكم، لكن هناك صورة أخرى للملك يقدمها كتاب "صفوة العصر فى تاريخ ورسوم مشاهير رجال مصر" لـ زكى فهمى.
 

يقول الكتاب:

ولد المرحوم السلطان حسين كامل بمدينة القاهرة فى 19 صفر سنة 1270ﻫ، الموافق 21 نوفمبر 1853 وهو ابن المرحوم إسماعيل باشا خديوى مصر الأول ابن البطل المغوار إبراهيم باشا والى مصر، ابن ساكن الجنان محمد على باشا رأس هذه الأسرة المالكة.

 
كان مولد السلطان حسين فى مدة ولاية عباس باشا الأول وكان والده إسماعيل باشا رئيسًا لمجلس الأحكام الأعلى فى ولاية المرحوم سعيد باشا، فأنشأ مدرسة بسراى المنيل لأنجاله الثلاثة وهم صاحب الترجمة (الذى كان قد بلغ السنة الثامنة من العمر)، وأخواه المرحوم توفيق باشا والمرحوم حسن باشا، واختار من أبناء أعيان مصر وسراتها سبعين تلميذًا أدخلوا هذه المدرسة مع الأنجال الكرام، فتعلموا القراءة والكتابة ومبادئ اللغات الحية والعلوم النافعة، وفى سنة ١٩٦٣ آلت ولاية مصر إلى والده إسماعيل باشا فجلس على أريكتها، فاهتم بتلك المدرسة ونقلها إلى القلعة فاستمروا فى الدراسة فيها، حتى فتحت المدارس الأميرية، فنقلوا إليها وصحبهم فى الدراسة البرنس طوسن باشا والبرنس إبراهيم أحمد باشا، وظهرت على صاحب الترجمة مخايل النجابة، وبوادر النبوغ، فأمر الخديوى إسماعيل أن ينقلوا إلى سراى نمرة ٣ بإسكندرية، وعين لهم "الميرالاى جابر"، الذى كان من ضباط أركان حرب فرنسا لتهذيبهم وتثقيف عقولهم ونمو أفكارهم ومداركهم، وفى سنة 1872 كان الخديوى إسماعيل قد ذهب إلى الأستانة للمفاوضة فى الشؤون المصرية، فسافر إليها صاحب الترجمة مع أخيه حسين باشا لمقابلة والدهما هناك، واستمرا فيها شهرًا ثم رغب والدهما أن يسافرا معًا إلى باريس.
 
وأمر المرحومين مراد باشا غالب ومحمد زكى باشا التشريفاتى أن يكونا بمعيتهما، ثم سافر البرنس حسين لطلب العلم بجامعة أكسفورد، واستمر السلطان حسين بباريس ومعه الميرالاى أركان الحرب كاستكس للقيام بشؤونه وإرشاده، وكان ذلك فى عهد نابليون الثالث إمبراطور فرنسا الذى كان صديقًا حميمًا للمرحوم إسماعيل باشا، فاهتم الإمبراطور بنجل صديقه، وأنزله فى قصره مع الإعزاز والإكرام حتى جعله عشيرًا لنجله وولى عهده مدة سنتين، وفى سنة ١٨٦٩ حضرت الإمبراطورة أوجينى إلى مصر إجابة لدعوة إسماعيل باشا؛ للاحتفال بفتح قناة السويس، فعاد السلطان حسين إلى مصر، وجعله والده مهمندارا فى معيتها، ومعه المرحوم رياض باشا، وبعد انتهاء الاحتفال سافر بمعيتها إلى الوجه القبلى حتى بلغت كروسكو.
 
ثم عاد إلى باريس وفى أثناء عودته كلفه والده بقضاء مهمة فى فلورنسا عاصمة إيطاليا حينئذ، فنزل ضيفًا على ملكها عمانوئيل وكان بمعيته فى تلك المهمة مصطفى باشا فهمى وتونينو بك وغيرهما من رجال المعية السنية، ثم وصل إلى باريس لإتمام دروسه وأقام بها إلى أن قامت الحرب السبعينية بين فرنسا وألمانيا، فخرج من باريس قبل حصارها بعشرة أيام، وعاد إلى مصر فعينه والده مفتشًا للأقاليم بالوجهين البحرى والقبلى، فاتخذ المرحوم حسن باشا راسم وكيلًا له على الوجه البحرى، والمرحوم محمد سلطان باشا وكيلًا فى الوجه القبلى، وجعل إقامته فى مدينة طنطا فأقام بها مدة عشرين شهرًا مهتمًّا بجميع أعمال الحكومة خصوصًا العمليات التى كانت جارية على قدم وساق؛ لإنشاء الترع الجديدة وتطهير الترع القديمة، وإقامة الجسور وما أشبه ذلك من المنافع العمومية، ثم تعين بعد ذلك ناظرًا لثلاثة دواوين وهى الأوقاف والمعارف والأشغال العمومية، وعين المرحوم عبد الله باشا فكرى وكيلًا له فى نظارة المعارف وعلى باشا مبارك مستشارًا له فيها وحسن باشا المعمار وكيلًا له فى نظارة الأوقاف.
 
وكانت نظارة الأشغال وقتئذ مكلفة بأعمال جسيمة، منها إنشاء الترعة الإسماعيلية وليمانات السويس والإسكندرية وغيرها من الأعمال العظيمة، التى قام بها خير قيام، وفى عهده أنشأت نظارة المعارف مدرسة دار العلوم التى كان عليها المعول فى نشر العلوم والمعارف وتخريج الأساتذة الجهابذة، الذين عم فضلهم سائر البلاد المصرية، وفى عهده أيضًا تأسست أول مدرسة للبنات بالسيوفية، وأقبل التلامذة على التعليم وطلب العلوم خير إقبال بفضل ما بثه فى النفوس من روح الجد والاجتهاد والحمية والغيرة، حتى إنه جعل جوائز عظيمة تعطى للناجحين والمجتهدين، وتقلب فى إدارة تلك النظارات مدة، ثم تعين ناظرًا للداخلية، وكان المرحوم أحمد باشا رشيد مستشارًا لها، ثم تعين ناظرًا للحربية والبحرية والأشغال العمومية، وعين المرحوم على باشا غالب وكيلًا له فى الجهادية، وفى ذلك العهد دخلت الجهادية فى النظام الجديد، وتشكلت الفرق الجديدة من العساكر السودانية، وعم الإصلاح جميع جزئياتها وكلياتها حتى صار للعسكرية شأن عظيم ومجد رفيع، وغير القوانين العسكرية القديمة، ووضع لائحة معاشات الجهادية، ووجه عنايته إلى جميع طرق الإصلاح وأحكام نظام الجندية نظرًا إلى الفتوحات الواسعة التى كانت الحكومة المصرية تفتحها فى ذلك الوقت فى جهات بحيرة فكتوريا نينزا، وبلاد النيام نيام بالسودان، وجهات دارفور وهرر وما يليها وغير ذلك من الفتوحات التى اتسع بها ملك مصر؛ حتى عم بلاد الصومال، وامتد الحكم على شرق أفريقيا وغربها؛ لأن والده المرحوم إسماعيل باشا كان قد رسم خطة لفتح جميع بلاد السودان، قبل أن تسبقه دولة أخرى إليها، وكان عازمًا على فتح بلاد وداى كما فتح دارفور، وأن يصل إلى حدود طرابلس الغرب؛ لتصير مصر دولة عظيمة السلطان باتساع أراضيها وكثرة سكانها فى أفريقيا.
 
فضلًا عن أن نظارة الجهادية المصرية أرسلت فرقًا من جيوشها لمساعدة الدولة العلية فى حربها مع السرب سنة ١٨٧٥، وأرسلت مددًا عظيمًا للدولة أيضًا فى حربها مع الروسيا تحت لواء البرنس حسن باشا أخيه.
 
ومن الأعمال النافعة التى تمت فى عهده إنشاء سكة حديد حلوان من ميدان محمد على إلى مدينة حلوان، وتأسيس مدارس الأحداث العسكرية التى دخلها أكثر من أربعة الآلاف تلميذ من أولاد الضباط، وأنشأ أيضًا طابور الخطرية من أبناء الذوات والأعيان.
 
وفى سنة ١٨٧٣م أقام المرحوم إسماعيل باشا الخديوى لأنجاله الأفراح، التى سارت الركبان بأوصاف بهائها وفخامتها إلى أقاصى البلدان احتفالًا بقران الأمراء الثلاثة، وهم صاحب الترجمة وأخواه الأميران توفيق وحسن، ولا عجب فإن أفراح الملوك ملوك الأفراح، وسمى بعض الشوارع باسم شارع أفراح الأنجال.
 
ومما اتفق فى سنة ١٨٧٤م أنه علا فيضان النيل حتى زاد عن ٢٦ ذراعًا بمقياس الروضة، فكان سمو الأمير حسين فى ذلك الوقت يتجافى عن المضاجع، حرصًا على وقاية البلاد من الغرق ووضع آلات التلغراف فى غرفته الخصوصية، فكان يصدر الأوامر تترى إلى الجهات، وكانت جهات مصر القديمة والقصر العينى والقصر العالى وغيرها على وشك الخطر، لولا عناية الأمير بإقامة الجسور وتقويتها على ضفاف النيل فى كل جهة.
 
وفى سنة ١٨٧٥م لاحت بشائر مولد الأمير كمال الدين حسين، وفى هذه السنة تعين سموه ناظرًا للمالية المصرية، وتعين على نظارة الداخلية أخوه المرحوم توفيق باشا، ثم خرج كلاهما من الوزارة بسقوط وزارة شريف باشا، وفى ٢٥ يونية سنة ١٨٧٩ أقيل الخديوى إسماعيل من خديوية مصر، فسافر معه نجلاه الأميران حسين وحسن إلى نابولى بإيطاليا، وأقام معه صاحب الترجمة أكثر من ثلاث سنوات، ثم عاد إلى مصر بعد انتهاء الثورة العرابية واجتهد فى تسوية الخلاف، الذى كان قائمًا بين الحكومة وأفراد العائلة الخديوية والمشاكل بشأن استبدال مرتباتهم بأطيان من أراضى الدومين، وأدار حركة هذه الأطيان كلها وبذل عنايته فى صلاحها وتوسيع نطاق الزراعة فيها؛ ولكفاءته المعهودة ولشغفه بالزراعة وجه اهتمامه إلى استئجار الأطيان الواسعة من مصلحة الدومين وغيرها، وتولى زرعها وضمها، وفى سنة ١٨٨٩م انتدبه أخوه الخديوى توفيق لمقابلة الملك إدوارد السابع لحين حضر إلى مصر وهو ولى عهد بريطانيا العظمى، كما انتدبه سنة ١٨٩٠ لمقابلة القيصر نيقولا الثانى عند قدومه إلى مصر وهو ولى عهد دولة الروسيا، وكان له رحمه الله اليد الطولى فى إدارة حركة الزراعة، وبث الرغبة فيها وإنمائها، ورأس جملة جمعيات أجنبية ومصرية منها شركة سكة حديد الدلتا والشركة البلجيكية وغيرها، وأفرغ الجهد فى تأسيس الجمعية الزراعية، ومنها تولدت فكرة إنشاء وزارة الزراعة، وهو الذى أنشأ المعارض الزراعية فى القطر المصري، ففتح أول معرض للأزهار بحديقة الأزبكية بمصر وحديقة طوسن بإسكندرية سنة ١٨٩٦، ثم وسع نطاقه فعمم الأزهار فى جميع المزروعات والمحصولات، ثم فى معرض سنة ١٨٩٨ أضاف إليه الحيوانات من مواشٍ ودواب وطيور، وخصص له مكانًا فى الزمالك فصار معرضا زراعيًّا عموميًّا، وبجليل مساعيه بنى له المكان الخاص به فى الجزيرة، وفتح هناك معرض سنة ١٩٠٠ شاملًا لجميع المحصولات على اختلاف أنواعها والمواشى والآلات الزراعية، وأضيفت إليه المصنوعات الوطنية المرتبطة بالزراعة، فصار بذلك معرضًا زراعيًّا صناعيًّا معًا، وكان يرسل فى كل معرض أزهارًا وأشجارًا وغيرها من أجمل وأكمل ما يعرض فيها.
 
ويستثنيها من المعروضات الطالبة للجوائز ترغيبًا للناس فى اتقان زراعتهم ومباراتهم له فى العناية والإتقان، وله الفضل الأكبر فى إنشاء المدرسة الصناعية بدمنهور بالاكتتاب الذى تم تحت رياسته.
 
وبالجملة فقد حصر همته فى ترقية الشؤون الزراعية والاقتصادية، فزاد عدد أعضاء الجمعية من كبار المزارعين زيادة عظيمة، وصار يتنقل فى البلاد الأوربية كإيطاليا وفرنسا وبلجيكا باحثًا عن كل ما يعود على الفلاح المصرى بالخير والإسعاد، ثم وجه عنايته إلى إنشاء النقابات الزراعية للتعاون والتعاضد بين جميع طبقات المزارعين، لإصلاح شؤون زراعتهم حتى لقبه جميع الناس بأبى الفلاح ونصير الخير والفلاح، ثم عينه الخديوى فى سنة ١٩٠٩ رئيسًا لمجلس شورى القوانين والجمعية العمومية، وظل فى رياستهما إلى أن عرضت مسألة إطالة امتياز قناة السويس، وإشراك مصر فى أرباحها، فأبت أكثرية الأعضاء الموافقة على هذا الاقتراح، واشتد النزاع فاستعفى وقتئذ من الرياسة، ولكنه لم يفتر عن خدمة وطنه فالتفت إلى الجمعية الخيرية الإسلامية، وكان قد تقلد رياستها منذ أعوام فبذل عنايته فى ترقية شؤونها، وكذلك جمعية الإسعاف لتخفيف آلام المصابين، وكان لا يكاد يوجد عمل خيرى أو مشروع اجتماعى إلا وله فيه اليد البيضاء والهمة الشماء. 
 
وفى ١٩ ديسمبر ١٩١٤ جلس على أريكة السلطنة المصرية، ودعى بالسلطان حسين كامل الأول خلفًا لابن أخيه عباس حلمى الثانى خديوى مصر؛ لتخلفه فى الأستانة العلية لأمور سياسية تختص بالحرب الأوربية العامة، فقبض السلطان حسين على زمام السلطنة المصرية التى هى تراث جده الأكبر، وأزال الارتباكات المعلومة التى كادت تعود على البلاد بالوبال والخذلان، ونظر فى أمور الرعية بعين الحكمة والسداد، واستبشر الناس فرحًا ومسرة بهذا الجلوس السعيد، وصار الشعراء والبلغاء يتبارون فى صوغ قلائد التهانى ودرر المدائح، وتوافد على سراى عابدين وفود المهنئين أفواجًا وزمرًا من كل صواب، وأقسم بين يديه الوزراء ورجال الحكومة يمين الإخلاص والطاعة والولاء لذاته الكريمة، ثم أخذ ينظر فى شؤون البلاد بكل روية وخبرة ودراية رغمًا عن حوادث الحرب الأوربية الكبرى، التى عمت مصائبها واشتعلت نيرانها فى أرجاء المعمورة، فأصلح شأن التعليم واهتم بتعليم البنات، وأكثر من إنشاء المدارس لتربيتهن وتهذيبهن؛ لأنهن أمهات رجال المستقبل، واعتنى بالأحوال الإدارية المالية والزراعية، وكل ما يعود على المصريين بالخير فى هذه الأوقات العصيبة خصوصًا ما يتعلق بتوطيد الأمن العام، فرفرفت رايات الطمأنينة على البلاد، ورفل أهلها فى حلل الهناء ورتعوا فى ميادين السعادة والمنى.






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة