وكأنه وطن يبتسم بالحب والرضا، يعبق بالدفئ والأصالة، تحتفظ أركانه ببقايا زمان مضى، فبحكاوى وقصص زمان، استطاعت هبة أبو عيد، ابنة قرية طنامل الشرقى بمحافظة الدقهلية أن تحيى الماضى وتعيد ذكريات الزمن الجميل ببساطته وأصالته التى ارتبطت بالأرض والخضرة والفرن القش والكانون والضحكات الصافية.
احترفت هبة أبو عيد طهى الطعام الشرقى الفلاحى وتعلمت أصوله من والدتها وأجدادها فى الريف منذ طفولتها، واهتدت لتصوير فيديوهات تعليمية لتعليم الفتيات الطهى بكل أصنافه الشرقى منه والحديث، معتمدة على الفرن الغاز والكانون.
وقالت هبة أبو عيد صاحبة الـ40 عاما، لـ"اليوم السابع"، إنها تعلمت أصول الأكل الفلاحى من والدتها، التى كانت تهتم بتعليمها أساسيات الطهى أمام الفرن القش والكانون بجانب دراستها فى دبلوم الصناعة، وعملها فى مجال صناعة التريكو، وعملها باليومية فى الأراضى الزراعية، مشيرة إلى أنها كافحت منذ طفولتها بالعمل فى أكثر من مجال؛ لتثبت ذاتها وتوفر ما تحتاجه من مستلزمات تعينها على الزواج.
وأضافت أنها منذ المرحلة الإعدادية وهى تعمل باليومية مع صديقاتها فى الأراضى الزراعية، بهدف شراء ملابس المدرسة، حيث كانت تمر يوميا فى القرية سيارة نقل كبيرة منذ ساعات الصباح الباكر تصحب الفتيات للحقول والأراضى الزراعية لجمع المحاصيل الزراعية حتى المساء، مشيرة إلى أنها ظلت تعمل فى الحقول بجانب دراستها الإعدادية حتى التحقت بدبلوم الصناعة، وحينها كانت صناعة التريكو بدأت تلقى إزدهارها بطنامل، فاتجهت لذلك المجال تاركة تعليمها لظروف الحياة الصعبة ورغبة منها فى تحسين مستواها المعيشى وادخار ما يعينها على تجهيزات الزواج، حيث كان لحظة تركها للتعليم أكثر اللحظات حزنا وألما بالنسبة لها والتى تلاشت معها أحلاما وآمالا كانت تطمح فى تحقيقها كباقى زميلاتها اللواتى أكملن تعليمهن، مضيفة أنها قررت منذ اللحظة الأولى لدخولها عالم الصناعات اليدوية أن تتميز وتحترف فيه؛ ليصبح لها اسما لامعا، فتعلمت كل ما يتعلق بصناعة الملابس من قص وخياطة وتجهيز على مدار خمس سنوات احترفت فيهم فن صناعة التريكو.
وتابعت أنها تعشق العمل والكفاح، فبعد أن تزوجت رفضت أن تترك عملها وظلت به حتى تساند زوجها وتدعمه، وافتتحت مشروعا خاصا بها للمفروشات والملابس الجاهزة لاقت فيه نجاحا باهرا على مدار ست سنوات، حتى اضطرت لغلقه بعد جائحة كورونا، وبعدها اهتدت لعمل قناة تعليمية على الإنترنت تشرح فيها طريقة طهى الأطعمة بكل أنواعها، تعلم من خلالها الفتيات الطهي، مشيرة إلى أنها واجهت رفضا مجتمعيا فى بداية تنفيذها للفكرة ولكن بدعم أبنائها وزوجها تخطت كل الحواجز واستطاعت أن تنجح فى تعليم عدد كبير من الفتيات أصول الطهى بطريقة سهلة ومميزة، تجعلهم يطهون كل ما يشتهونه من مأكولات فى المنزل دون الاعتماد على الوجبات السريعة ومأكولات المطاعم.
وأشارت إلى أن الحياة الريفية هى عنوان الأصالة والبساطة، حيث كانوا ينعمون براحة بال، يعيشون بحب ومودة وألفة، يجتمعون على الخير، ويشقون ويكافحون فى حياتهم بالعمل فى الأراضى الزراعية وصناعة التريكو والمشغولات اليدوية، ويتقاسمون أفراحهم وحكاياتهم أمام الفرن القش والكانون الذى كان بمثابة ملتقى يجمع كل أهالى القرية ويقربهم من بعضهم البعض، مؤكدة أن يوم الخبيز كان يوم عيد، يطهون فيه الفطير المشلتت والرقاق والقرص والكوماك والرز المعمر والعيش الفلاحى والمحشى بالسمن البلدى، حيث كان يجتمع أهالى القرية بصغارهم وكبارهم فى جو يسوده الحب والألفة أمام الفرن القش ينتظرون بلهفة لحظة خروج العيش من الفرن لتناول الجبنة والعسل مع السريس، مضيفة أن سيدات الريف منذ طفولتهن وهن يتعلمن الطهى بجانب دراستهن ويعملن ويكافحن معتمدين على ذاتهن بجانب الرجال فى الأراضى الزراعية والحقول وصناعة المشغولات اليدوية وغيرها من الأعمال، فكانوا يعيشون بمحبة ورضا وراحة بال، يذهبوا للحقول لزراعة الأرض، ورعاية المواشي، مؤكدة أنهم اعتادوا على العمل والكفاح والرضا بالمقسوم.
وأوضحت أنها أرادت أن تحيى الزمن الجميل من خلال تعليم الفتيات أصول الأكل الشرقى بكل أنواعه بالطريقة التقليدية والحديثة من خلال نشر فيديوهات تعليمية توضح طريقة طهى الأكلات الشعبية والسريعة والحلويات بكل أنواعها على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنها نجحت فى تعليم عدد كبير من السيدات والرجال أصول الطهى الشرقي، معتمدة على البوتاجاز والفرن الغاز والكانون، والتى ابتكرت له تصميما جديدا على الطراز الحديث.
وقالت إنها تقوم بإعداد الفطير المشلتت، بتحضير مكونات العجين، بخلط الدقيق والسكر والملح والماء الدافئ مع بعضهما البعض، حيث يعمل الماء الدافئ على تسهيل عملية الفرد خاصة فى فصل الشتاء وبرودة الطقس، ثم تقوم بخلط جميع المكونات سويا حتى تصبح جيدة التشكيل، حيث تعد مرحلة خلط مكونات الفطير أهم مراحل تحضير الفطير المشلتت، فكلما اختلطت المكونات جيدا كلما كان الفطير ناجحا ومقرمشا وهنا يكمن سر الخلطة، ثم يتم ترك العجينة نصف ساعة لترتاح، ومن ثم يتم تقطيع العجين لقطع صغيرة يتم تركها بضع دقائق حتى ترتاح ومن ثم يتم فردها وترقيقها يدويا أو بالنشابة لتكون ناعمة ومطاطة حتى تصبح على شكل دائرة كبيرة، وبعدها يتم إضافة خليط السمنة البلدى والزيت والقشطة عليها، وتطبيقها لعدة ثنيات، يتخللها قطرات الزيت والسمن البلدى، وبعد ذلك تترك العجينة بضع دقائق لترتاح قبل إدخالها للفرن، وبعد مرور عدة دقائق يتم تجهيز صوانى الفرن ودهنهما بقليل من السمن ومن ثم فرد الفطائر فيها، مع مراعاة أن يكون الفرن ساخنا جيدا على أعلى درجة حرارة قبل إدخال الصينية، ثم يتم إدخال الصينية به ومراقبة وجهها ودرجة احمراره، وبعد مرور ما يقرب من ربع ساعة يصبح الفطير المشلتت جاهزا للأكل برائحة السمن البلدى النفاذة التى تملأ المكان، مؤكدة أنها تعد دوما الفطير المشلتت السادة غير مرحبة بما طرأ من حداثة فى طريقة تحضيره كإضافة حشو المكسرات أو العجوة أو اللحوم والأجبان، فتعتمد على الطريقة الاعتيادية الأصلية فى إعداد الفطير المشلتت السادة الفلاحي، خاصة وأن والدتها هى من علمتها تحضير الفطير المشلتت على الطريقة القديمة.
وتابعت أنها تعشق المحشى الذى يطهى على الكانون، حيث يمنحه نكهة شهية ومميزة ورائحة ذكية، غير معترفة بالمحشى الذى يطهى بالطريقة الحديثة على البوتاجازات، حيث يفقده المعنى الحقيقى للأصالة والمذاق الشهى الذى اعتاد عليه الناس منذ الماضي، مضيفة أنها قامت بعمل كانون يشبه الكانون التقليدى المجهز من قوالب الطوب والقش، الذى لا يزال يعتمد عليه الفلاحون فى الريف المصرى ولكن بالطريقة الحديثة، حيث قامت بإحضار صفيحة صاج كبيرة وقامت بعمل فتحة لها لإدخال الواح الخشب بها، وبهذه الطريقة البسيطة أصبح لديها كانون حديث متنقل يشبه الكانون التقليدى فى وظيفته، يتيح لها الفرصة بطهى المحشى والأرز على أصوله بمجرد إشعال النيران فى ألواح الخشب، مضيفة أن الأهالى قديما بأقل الإمكانيات معتمدين على الكانون والفرن القش كانوا يطهون جميع المأكولات بأشهى مذاق، بالرغم من عدم وجود أفران الغاز أو البوتاجازات الحديثة، مشيرة إلى أن البساطة والأصالة هما سر جمال الحياة الريفية، وأسلوب حياة حاولت أن تحييه فى منزلها مع أسرتها حتى تنشئهم على البساطة والأصالة.