تحت إشراف مركز دراسات الشرق الأوسط بالأردن، صدرت أول ترجمة للتلمود البابلى باللغة العربية فى عشرين مجلدًا من القطع الكبير، وجاء ذلك بعد سنوات متواصلة من العمل الدؤوب قام بها عشرات المختصين.
وأوضحت شبكة الجزيرة، أن ترجمة التلمود البابلى تمثل خطوة نوعية فى سبيل الكشف عن أهم مصدر من مصادر الروايات الدينية الإسرائيلية التى اخترقت مساحة غير يسيرة من تراثنا الإسلامى، خاصة كتب التفسير وقصص الأنبياء، كما تقدم هذه الترجمة خدمة عظيمة لدارسى السنة النبوية المهتمين بتنقية كتبها من شوائب الإسرائيليات.
وتساهم هذه الترجمة أيضاً فى التعرف على ملامح الشخصية اليهودية التى امتزجت فيها ملامح الاستعلاء العنصرى بتعاليم الشريعة "الموسوية" حسب زعمهم، وأيضا فى تأسيس علم يهوديات عربى، خاصة أن دراسة الأديان فى جامعاتنا العربية لا تزال ضعيفة ومقتصرة فى أغلب الأحيان على ما كتبه السابقون.
كما تمثل متطلباً علمياً واقعيا، فالتلمود يشكل قاعدة معرفية لفهم العقل اليهودى واستيعاب ملامح الشخصية اليهودية والتعامل مع "المشروع الصهيونى الذى نجح فى اختطاف الديانة اليهودية" وسعى إلى تسويغ سلوكه السياسى تجاه الآخر من خلال تراثها الدينى.
وتتوجه الترجمة فى الأساس للأكاديميين والباحثين المختصين فى الدراسات الدينية المقارنة، والمهتمين بالبحث فى مصادر الفكر الصهيونى، وللباحثين فى الروايات الإسرائيلية فى كتب التفسير والرواية وكذلك علماء التاريخ القديم والوسيط وعلماء الآثار.
والتلمود هو المكون الأساسى لليهودية التاريخية التى امتزجت فيها التعاليم الدينية النظرية بالحياة العملية، فهو يتجاوز المعتقدات الدينية الغيبية والطقوس الدينية لليهود ليشتمل إلى جانب ذلك على الهوية القومية والمنطلقات السياسية والمرتكزات الثقافية التى تشكل العقل والفكر والشخصية اليهودية.
وهذا التلمود -بشقيه "المشنا" و"الجمارا"- عمل موسوعى ضخم قام به العديد من العلماء والشراح والرواة اليهود خلال فترة تقارب 700 عام (200 ق.م–500م)، وعلى هذا الأساس فقد تأثر بمؤثرات ثقافية ودينية مختلفة كالثقافة اليونانية والرومانية، كما أن البحث فى الأصول التشريعية والأسطورية للروايات التى جاءت فى التلمود يشير إلى مؤثرات بابلية وفارسية ومصرية.
وقد أطلق على الشروحات التى تمت فى العراق اسم "التلمود البابلى"، وأما التلمود الفلسطينى فهو تلك الشروحات التى قام بها علماء اليهود فى فلسطين فى طبرية وقيسارية وصفورية فى فلسطين من عام 219م إلى 359م.
ويقسم التلمود من حيث موضوعاته إلى قسمين رئيسين: "الهالاخا" و"الهاجادا"، وتشتمل "الهاجادا" على الموضوعات المرتبطة بالفكر والمخيلة من الأمثال والعادات والخرافات والحكايات والقصص والمواعظ، وتستحوذ هذه الموضوعات على قرابة ثلث التلمود، فى حين تشتمل "الهالاخا" على الأحكام والطقوس الدينية، إلى جانب الحقوق والواجبات التى ينبغى على اليهودى القيام بها.
وأصبح تلمود بابل بعد اكتماله هو النص الرسمى للتعليم، وانتشر فى سائر المجتمعات اليهودية فى مختلف تجمعات اليهود، وأصبح ملزماً ونهائياً، ولم يختلف جمهور العلماء التلموديين اليهود على وصف غير اليهود، ومنهم المسيحيون، بالوثنيين، وخشيةً من غضب المسيحيين فى أوروبا فقد استأصل اليهود جميع المقاطع التى تنتقص من المسيحيين وعقائدهم فى طبعة التلمود التى ظهرت عام 1578م فى "بازل" فى سويسرا.