نجوي عبد العزيز

رحلة داخل القطار

الثلاثاء، 19 مايو 2009 07:45 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كل يوم يدلوا لنا المسئولون بتصريحات عن استقدام خبراء جدد كان آخرهم من إيطاليا لتدريب السائقين بهيئة سكك حديد مصر ورفع مستوى كفاءة القطارات وصيانتها وغيرها.. ومنذ أن كنت صغيرة كان أبى رحمه الله وغيره يردد عبارة "كان زمان القطار يسير أمام منزل عائلتنا بإحدى قرى الدقهلية، وكنا نضبط ذهابنا للعمل بالقاهرة على سرينته المعتادة، وكان وقته بالثانية قبل الدقيقة والساعة.

حينما كبرت وبحكم تخصصى فى رصد الحوادث والكوارث خاصة الكبرى بحكم تعاملى فى تغطية أخبار مكتب النائب العام.. قمت بتغطية حادث احتراق قطار الصعيد قبيل عيد الفطر بساعات قليلة على مقربة بمدينة العياط. وكذلك الحادث الإرهابى الذى وقع لأتوبيس السائحين الألمان أمام المتحف المصرى الذى وقع فى التسعينيات من حيث احتراق الجثث وانحشارها بين المقاعد.. على الرغم من أن حادث القطار لم تحدد أسبابه حتى الآن، رغم محاكمة بعض المسئولين والعاملين فقد جاء انحشار الجثث لضيق المقاعد وغلق النوافذ على طريقة السجون بأسياخ حديدية.. حتى وصفته إحدى الوكالات الإخبارية حينئذ "بسجن من جحيم".

أما انحشار جثث الألمان التسعة فى الأتوبيس جاء لطول وضخامة أجسامهم.. وبعيداً عن القرب والبعد بين الحادثتين والعودة بالذاكرة إليهما.. فقد قادنى قدرى الجميل أن أكون ضمن كوكبة من الزملاء الأفاضل فى رحلة إلى أسوان.. تلك المحافظة الجميلة المسماة "بوابة أفريقيا" كنا جميعاً من مختلف الصحف المعارضة والمستقلة والقومية.. كان يقودها الزميل والصديق العزيز على القماش.. ورغم اختلاف صحفنا وأفكارنا، لكننا كنا فى غاية الائتلاف حمداً لله... رغم إصابتى بالرعب من ركوب القطارات من جراء ما أراه من حوادث، من ترك فرامل قطار المنصورة قبل دخوله المحطة بعشرات الأمتار، وغير ذلك واصطدامه بآخر فى قليوب، إلا أننى جازفت وانتاب أسرتى أيضاً الفزع.. فكل ساعة يرن محمولى لتطمئن أمى وإخوتى علينا إحنا بقينا فين.. حتى جاءت الساعات الأولى من صباح اليوم التالى فى القطار قمت بأداء صلاة الفجر فى الخامسة.. ثم وصلنا إلى أسيوط.. بدأ الجميع بعد ذلك فى الذهاب للبوفيه لاحتساء المشروبات أو تناول "ساندويتش" خفيف لحين الوصول.

كان عددنا 31 صحفيا وصحفية، كانت مقاعدنا تجاور بعضها بعضا، ولكن على مقربة من بعض الجيران فى القطار.. إخواننا الصعايدة، أصابنا جميعاً الضيق والضجر.. من هذه المقاعد الضيقة الصلبة.. بدأوا ينتفضون وينفضون ما يضعونه على أجسادهم من أغطية تبين اعتيادهم على ذلك لتكرار سفرهم، ولكن اللافت للنظر أن هناك أسرة صعيدية ظلت ساهرة مثلنا، لكن ليس خوفاً مثلما انتابنا أو فرحة بالراحة مثلما كان حالنا أيضاً، فقد انتابتنا مشاعر متباينة طوال رحلة القطار.

هذه الأسرة التى كانت ربتها حامل وعلى وشك الوضع، وكانت دائمة الصراخ والبكاء من خشية الآلام فقد ظل بنا القطار واقفاً أمام محطة أسيوط منذ الخامسة حتى التاسعة والنصف، وكل من يتصل بنا نقول له نحن ما زلنا فى أسيوط.. الكل غير مصدق فقد أمتلأ القطار بصراخ الأطفال وبكاء البعض من الألم، وكادت هذه السيدة التى ظل بعض زملائى القريبة مقاعدهم منها فى تهدئتها منذ القدوم لأسيوط حتى وصولها إلى محطة كوم أمبو بلدها وكان ذلك قرب صلاة العصر.

تخيلوا.. استقلينا القطار فى الحادى عشر والنصف ليلاً من رمسيس لنصل فى اليوم الثانى فى الثانية عصراً.. وكان مقرراً وصولنا إلى حيث نسكن أيام قليلة فى التاسعة صباحاً.. تخيلوا ماذا حدث داخل القطار فى هذه الرحلة.. التى تعطل أمامه قطار آخر انقلبت عربته الأخيرة وتسبب فى ذلك.. فحمداً لله على هذا الحادث الخفيف بدلاً من أن أصبح صحفية حوادث ضمن ضحايا قطار القاهرة أسوان.









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة