غادة عطا تكتب: الثورة ما بين حلم التغيير وظلال المؤامرة "6"

الأحد، 28 أبريل 2013 11:16 م
غادة عطا تكتب: الثورة ما بين حلم التغيير وظلال المؤامرة "6" صورة أرشيفيه

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تحدثنا فى حلقات سابقة عن الأحوال المتردية، التى عاناها المواطن المصرى المطحون فى الصحة والتعليم والزراعة والصناعة، والمنظومة الاقتصادية والحكومة الفاشلة، التى دفعت بجموع الشعب إلى الميادين، يطالبون بإسقاط النظام الذى وصل الحال بشعبه، إلى أن أقدم الكثير من المواطنين على الانتحار فى نهايات عهده وأصبحت الجرائم المروعة مشهدا متكررا مع تفشى الجهل والفقر والمرض، وتحدثنا عن استغلال الشباب لوسائل التواصل الاجتماعى الحديثة فى تحريك الناس فى احتجاجات واسعة، وصلت لمشهد التنحى ثم محاكمات رموز النظام السابق.
إلا أننا فى سياق متصل، لا نستطيع حصر أحداث الثورة المصرية فى الحدود المحلية منفصلة عن المشهد السياسى العام فى العالم العربى، والمناخ العالمى الذى يسعى لشرق أوسط جديد، يتم فيه تحييد قوة العرب، وفصل دولة إلى أقاليم وكردونات ضيقة متصارعة بينها حدود ملتهبة.

فمنذ عدة سنوات تردد على أسماعنا مصطلحات، مثل الفوضى الخلاقة والشرق الأوسط الجديد، وهو حديث لم يظهر على السطح فجأة، ولكن كان له جذوره، حيث سعت الإدارة الأمريكية لتحريك حرب جديدة فى الخليج، وإحداث انقسامات بين العرب، بهدف إضعاف قوتهم، وخاصة مع صعود القوة العسكرية العراقية والتحالفات الإستراتيجية بينها وبين مصر وسوريا واليمن، وكذلك إنشاء مجلس التعاون العربى، وسعت مصر الدءوبة لإنشاء السوق العربية المشتركة تجمع كل العرب.

وبضرب العراق للكويت وقيام حرب الخليج الثانية، بدأت تتهاوى العراق ودخلت أمريكا المنطقة العربية، وتصاعدت وتيرة الطائفية والحروب الأهلية فى تلك الدولة الشامخة، حتى أوشكنا على تقسيمها لثلاث دول ، بينما وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة تتفاخر بنجاح أمريكا فى نشر ديمقراطيتها، من خلال الفوضى الخلاقة فى الأراضى العراقية.
كان سقوط العراق هو أول حبة تنفرط من عقد الوطن العربى مستغلين ديكتاتورية، وقمع صدام حسين للشعب الذى خرج يهلل لسقوطه، ولم يفق إلا وقد اكتست العراق بلون الدم الذى يجرى أنهارا، ولم يجف حتى الآن، مضت الإدارة الأمريكية فى الفوضى الخلاقة، وأشعلت العديد من البؤر الملتهبة فى الوطن العربى حتى كانت السودان، هى الحبة الغالية الأخرى التى انفرطت من العقد.
مع تطوير وسائل الاتصال الإلكترونية، وتنشيط حركات الاحتجاج فى العالم العربى، وقيام الثورات فى عدة دول عربية، سعت أمريكا لبسط نفوذها فى ليبيا، وأمدت الثوار بالسلاح، وهو ما جعل الشعب فى مواجهة الشعب، بما ينذر بحرب أهلية الآن مع وجود السلاح فى أيدى القبائل التى تطالب بالحكم الذاتى، والانفصال دخل حلف الناتو بقيادة أمريكا إلى ليبيا، لتحرير الشعب الليبى من رئيسه، ومساندة الثورة الليبية، وسقط آلاف الأبرياء فى تلك المعارك، وسقط بالفعل النظام الليبى الذى هلل الشعب لسقوطه بعدما تخلصوا من ديكتاتور جثم على صدورهم أربعين عاما، لكنهم استيقظوا على قواعد أمريكية على أرضهم وجنود أمريكان لم يرحلوا عن أرضهم وأصبحت شرارة الحروب الأهلية متناثرة هنا وهناك، تهدد بانقسام ليبيا الموحدة لأقاليم صغيرة مفتتة، ومتصارعة مع بعضها البعض.
أما اليمن السعيد الذى عانى أهله شظف العيش، وتردى كل أحوال الدولة طيلة سنوات قبض فيها على عبدالله صالح على ناصية الحكم، فأحال وطنه لخراب وحروب أهلية حتى تنازل عن الحكم، فهو الآخر مهدد الآن بانقسامه لشمال وجنوب، فضلا عن تهديدات تنظيم القاعدة وتواجدها بقوة على أرضه.
أما النظام السورى الذى اغتصب حكم سوريا بالتوريث فقد تكفل بإبادة شعبه، وكافة إمكانات ومقدرات تلك البقعة الغالية من أرض الوطن العربى الكبير، يعاونه فى ذلك معارضة طامحة للسلطة، ولو على جثث ما تبقى من شعب، وهم ينقلون ساحات مواجهاتهم ومعاركهم فى كل شبر من أرض سوريا، ولا يبالى كلا الطرفين بمن سقط أو سيسقط من هذا الشعب العظيم حتى تتحقق له أطماعه، ويستحوذ على السلطة كاملة، والحقيقة أن الحديث الجانبى الآن عند كل الأطراف، هو ما هى الحدود الجديدة للدول السورية المقسمة بعد نهاية تلك الحروب الأهلية التى عادت بسوريا لعشرات السنوات للوراء.

كانت مصر وتونس هى أفضل الدول حظا من الأعراض السلبية للثورات العربية، خاصة مع سرعة استجابة رؤساء كلتا الدولتين لمطالب الشعب التخلى عن السلطة، ووجود جيش ومقومات دولة بعيدة عن القبلية والطائفية التى ظهرت بوضوح فى كل الدول السالف ذكرها، إلا أن ذلك لا ينفى بعدها عن دائرة الفوضى الخلاقة المطلوبة فى الوطن العربى.
طالبت كونداليزا رايس الإدارة الأمريكية بتيسير وصول الإسلاميين للحكم فى الدول العربية المراد تقسيمها، كخطوة على طريق الفوضى الخلاقة، وإعادة ترسيم حدود الشرق الأوسط، وراهنت على أن الإسلاميين، ما إن يصلوا للحكم حتى يختلفوا ويتصارعوا، فضلا عن أن ذلك سيؤجج الفتن الطائفية فى دول متعددة المذاهب، والديانات السماوية، وبالفعل سعت أمريكا لقنوات اتصال مع الإسلاميين، والمعارضة فى كل الدول العربية ما قبل قيام الثورات، وأعلنت تأييدها ودعمها فى البداية على استحياء، ثم ما لبثت أن أعلنت كامل دعمها وتأييدها، بل دعمت المنظمات الحقوقية ومنظمات المجتمع المدنى ذات التوجهات السياسية لدعم الديمقراطية الأمريكية ورعاية الثورات العربية، وتحقيق الحلم الأمريكى بشرق أوسط جديد يعاد ترسيم حدوده، بما يتوافق مع المصالح الأمريكية والإسرائيلية فى المنطقة، وبما يضمن نهاية الوطن العربى الكبير، وتحييد كافة الجيوش والقوى العربية التى ستأخذ نصيبها تباعا من الديمقراطية الأمريكية بعد تفريغ الثورات من محتواها وأهدافها، وللحديث بقية إن شاء الله.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة