هند سليمان تكتب: المصرى اللى على حق يقول للغلط "لأ"

الخميس، 17 سبتمبر 2009 12:53 ص
هند سليمان تكتب: المصرى اللى على حق يقول للغلط "لأ"

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
رفع الستار عن مسرح الماريونت الذى تأقلمت عرائسه على أدوارها التى رسمها لها المخرج، فرقصتها تخط تجاعيد اليوم على كل جبهة مثلما تحرث البقرة خطوطا عميقة دون أن تتعدى الأرض المحددة لها، إلى أن أذهلها إعلامنا المبجل بدور جديد يتناقض مع دورها التى اعتادت عليه ويعصف بكل ما تأقلمت عليه طوال سنين من الرقص على السلم.

فبين إعلانات السمنة ومنتجات الألبان وبرامج أشهى الأكالات التى أصبحت ملمحا أصيلا من ملامح شاشات التليفزيون المصرى وأحيانا الفضائيات العربية فى هذا الشهر الكريم، إعلان للهيئة القومية لسكك حديد مصر يبدو أنه تسلل فى غفلة من المسئولين عن هذه القنوات التى اختارت لنفسها دور التفاوض مع السماء فى أشخاص اعتبروا أنفسهم أنساب الآلهة الجدد، فمنهجهم فى الحياة أسمى من الانتقاد، وعرائس ملتوية تحاول تقويمها.

والغريب أن الهيئة التى تطالب الماريونت بقول "لا" هى نفسها التى أغلقت أبوابها فى وجه عمالها حينما لفظوا هذه الكلمة للمطالبة بأجورهم ومستحقاتهم المتأخرة، وسط تأكيد من الهيئة أن "حق الحكومة مفيهوش فصال" أما حق العامل فى الأجر فهذا أمر نسبى متروك لكرم أخلاقها.

الإعلان، بغض النظر عن كونه إعلانا عن وصول جرارات جديدة بعد سنوات طويلة حكمت على الجرارات القديمة بالإعدام لأنها تستحق الراحة، يطالب الماريونت بإضافة جملة جديدة إلى السيناريو المكتوب لها وهى "المصرى اللى على حق يقول للغلط لأ"، تاركا الماريونت فى صراع عصيب بين كلمة لا يوجد لها مكان فى وعيها، وعرائس قضت سنوات عمرها فى قمة القاع مزقت خيوط الـ"لا" عندها.

وكلما أذيع هذا الإعلان، يحتدم الصراع بداخل الماريونت التى اعتادت الامتثال بل الخنوع لأوامر المخرج الرئيسى ومئات من المخرجين المساعدين، فالأمر لا يمثل لها أى فارق انطلاقا من "أنا عبد المأمور" و"اربط الحمار مطرح مايقول صاحبه"، فالماريونت المصرية تتبع القدر فتمشى فى أى الطرق لأن أى الطرق هو طريقها الصحيح، فتقابل كل التعديات على خيوطها برضا منقطع النظير حتى لا تحيد عن الدور المحدد لها.

وبذلك، فإن الإعلان يطالب الماريونت بابتداع كلمة "لا" إلا أن خيوط الإبداع عندها مزقت عن عمد بفعل نظام التعليم ظنا منه أن "التلقين فى الصغر كالنقش على الحجر" إلى أن مسح النقش ملامح الحجر ووعيه ما يتجلى فى كل إخفاق من إخفاقاته فى كافة المجالات، فتعليم هذه العرائس تعمد أن تظل حجرا بلا وعى أو حركة.

والماريونت، التى لم تعترض أبدا على سيناريو رقصتها لولعها بالاستقرار، غير متأهبة لترك مسرحها لزيارة أحد المنتجعات الأمنية خوفا على هيكلها الخشبى وخيوطها المتبقية انطلاقا من مبدأ "من خاف سلم"، إلا أن خيوطها الممزقة والمتهرئة تثبت لها أن هذا المبدأ بات غير مجدٍ ويجدر استبداله بـ"من خاف ندم، كما أن "مشيها جنب الحيط" لم يعزز خيوطها ولم يجلب لها إلا مسرحية هزلية جديدة تحت عنوان "غواص فى بحر الألم".

ويسدل الستار على الماريونت وهى تعدد كم "لا" تحتاج لإنقاذ ما تبقى من مسرح العرائس، والتمرد على دور لم يكن ليليق بها ونغمات النشاز التى يعزفها مايسترو واحد طيلة سنين عمرها قطع خلالها عزفه كل خيوط التمرد والإصلاح.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة