وائل السمرى يكتب : أنغام.. وكفى بها نعمة.. أحيانا يشطح بى الخيال فأتخيل أن آلة الزمن أتت بها عن طريق الخطأ فبدلا من أن تهبط فى عصر «الكبار» هبطت فى عصر «الأصاغر»

الخميس، 16 أكتوبر 2014 05:28 م
وائل السمرى يكتب : أنغام.. وكفى بها نعمة..  أحيانا يشطح بى الخيال فأتخيل أن آلة الزمن أتت بها عن طريق الخطأ فبدلا من أن تهبط فى عصر «الكبار» هبطت فى عصر «الأصاغر» انغام

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من نعم الله على مصر أنه لم يحرمها أبدا من تجدد دمائها واستمرار شبابها ونمو مكانتها فى العالم، وذلك ليس بفضل موقعها الجغرافى ولا بسبب ثرواتها ولا بسبب جريان النيل فى أرضها الواسعة، لكن بسبب بريق مواهب أبنائها الذى ما أن يشع حتى يملأ النفوس بالبهجة ويعمر القلوب بالطمأنينة، ويزرع فى العيون أملا متجددا بأن مصر ستحيا إلى أبد الدهر عامرة متألقة، ولهذا كلما رأى الواحد موهبة وثابة تنمو وتنضج متخطية الكثير من العوائق والمصاعب والسدود حمد الله على ما أنعم به على مصر، وإلى تلك الفئة تنتمى «أنغام».

أكثر من 25 عاما وأنغام تصدح فى سماء الفن مبهرة فى كل حين، الفن بالنسبة لها ليس «أكل عيش» ولا ترفيه ولا شهرة وأضواء، لكنه غاية فى حد ذاته، أكثر من 25 عاما وهى تخطو بخطى واثقة من نجاح إلى نجاح، حاول الكثيرون أن يقفوا أمامها لكنها أبت أن تستسلم، وظلت مؤمنة بما تقدمه، واثقة من موهبتها العريضة، مستعدة للغوص فى أعماق الفن الأصيل حتى تتغلب على آليات «السوق» الذى أصاب مصر بتصلب الشرايين وترك فى وجوهنا ندوبا غائرة.

أحيانا أتخيل أن «أنغام» أتت إلينا كمنحة ربانية، فنادرا ما نجد شيئا جميلا فى بيئة طاردة لكل جميل، وأحيانا يشطح بى الخيال فأتخيل أن آلة الزمن أتت بها عن طريق الخطأ، فبدلا من أن تهبط فى عصر «الكبار» هبطت فى عصر الأصاغر، فوجدت نفسها مضطرة إلى العيش فى الكثير من الركام الذى لا يهدأ حتى تصبح مثله، لكنها ظلت تقاوم بفنها المبهر وأصالتها التى لا يختلف عليها اثنان، فأصبحت كقطعة الذهب التى لا يؤثر فيها هذا الصدأ المنتشر حولها ولا يخفى بريقها غبار زائل.

أزمتها أنها استطاعت أن تدخل إلى القلوب دون تأشيرة دخول، فظن كل واحد منا أنه يمتلكها وأنها جزء من حياته ويومه وطقسه المعتاد، ونسينا أنها كائن حى مستقل بذاته عن الآخرين، وفى الحقيقة فقد عبرت أنغام كل عثراتها برشاقة لافتة، لتثبت فى كل مرة أنها كالجواد العربى الأصيل يضىء فى ليل الصحراء برغم ما يثار من غبار كثيف حوله. شىء ما فيها يجعلك منجذبا إلى غنائها وسكوتها وحركتها وسكونها، شىء ما خفى، لا تستطيع أن تحدده، تشعر بأن روحها الشفافة تنساب إليك فتسكنك على حين غرة، وهى الكبيرة برغم شبابها الناصع، والطفلة برغم نضوجها المشهود، القادرة على أن تنقلك من زمن إلى زمن فى لمح البصر، دون عناء أن استعدادات، فجأة تجد نفسك محاطا بصوت يعرف طريقه إلى الجزء الدافئ فيك، يتسرب إليك فلا تجد سبيلا للفكاك منه، يأسرك بحريريته الأنثوية المتدفقة، مثل المطر الصيفى المباغت، يملأ الأجواء من حولك بعبير موسمى نادر.

كيف استطاعت أنغام أن تصل إلى ما وصلت إليه من مكانة متميزة فى قلوب المصريين والعرب؟ كيف استطاعت أن تحافظ على بريقها خاطفا طوال هذه السنوات الطوال؟ كيف تربعت على قمة الغناء المصرى وصارت أحد أجمل أيقوناته؟ فى مصر آلاف المواهب الكبيرة ومن الممكن أن تجد عشرات الفنانات المتميزات اللاتى من الممكن أن تكون موهبتهن أكبر من أنغام أو أن يكون صوت إحداهن أجمل من صوت أنغام، فلماذا لم نملك إلا «أنغام» واحدة برغم تعدد المواهب؟

فى اعتقادى أن ما يميز أنغام عن مثيلاتها هو الصدق، والصدق فحسب، هى تميل إلى أن تكون صادقة مع نفسها فحسب، لا تحب أن تلبس قناعا لا يليق بها، بها أنفة وعزة واعتداد كبير بالذات يجعلها تترفع عن إرهاق نفسها بالتخفى وراء ستائر الرياء، تفضل أن تقف وحدها فى العالم على أن تنساق وراء قانون التعامل العام الذى قد يجبرها على التخلى عن جزء من كينونتها المتفردة، تعشق الحرية التى لا تجد للحياة معنى بدونها، تبذل كل ما فى وسعها من أجل التمتع بنور الحرية الأخاذ.

صدقها هو ما يجبرك على تحين الفرصة لمشاهدتها وهى تغنى، فما أن تعزف الفرقة مقدمة الأغنية حتى تجد «أنغام» منصهرة تماما مع اللحن والكلمات، وكأنهم أهلها وعشيرتها، هى تسكن فى الغناء وفيها تسكن الموسيقى «كابن حلال» ترى فى ملامحه صورة مصغرة من أهله، وتعرفه بالشبه والدم والضحكة والصرخة والانفعال، تتملكها الأنغام فتصبح «أنغام» أسما وفعلا وشكلا وملمسا، فتشعر أنها من «ريحة الحبايب» وتجد فيها ما اجتهدت فى أن تبحث عنه طويلا.

صدقها أيضا هو ما يجعل صورتها وهى تغنى لا تقل جمالا عن حنجرتها وهى تشدو، تراها فتحسب أنها توحدت مع ما حولها فينسجم الجميع فى حضور واحد، كآلة موسيقية طيعة فى يد أمهر العازفين وأقدرهم. لا تبذل عناء فى الغناء وكأن الموسيقى فطرتها التى فطرت عليها وما دونها استثناء، تنطق الكلمات فتشعر بأنك تسمعها لأول مرة، ترى المعنى فيها كاملا وقد انسجم من الإحساس بكل حرف فى الكلمة فترى الكلمات مصورة والانفعالات مصورة والشحنات العاطفية بارزة وكأنك تلمسها بيدك.

بسلاسة تعبر عن أعقد المعانى الدينية والإنسانية، تشعر وهى تغنى لله وتخاطب المشاعر الإيمانية أنها قريبة من تلك المعانى المقدسة السامية بقدر قربها لصوتها النابع من داخلها، فى أغنيتها «الدنيا حلوة» كلمات محمد عاطف وألحان محمد يحيى، قدمت صياغة مخالفة تماما للأغنية الدينية، وشقت بذلك طريقا نحو التحرر من الصياغات القديمة البالية والطرائق التقليدية لترغب فى الإيمان والسعى نحو الخير والتقرب إلى الله بمفهوم إنسانى نبيل، لا يفترض أن الإنسان «ملاكا» فيجبره على الحياة دون أخطاء، ولا يفترض أن الإنسان شيطان فيجلده بذنوبه المحتمة، وتلخص رسالتها فى القول: «نملى حياتنا حب وفرحة.. ونكتر أعمالنا الصالحة.. دى الدنيا حلو والله حلوة.. مش أيام بتعدى ورايحة».

«خد قلبى وهات قلبك هاته، يا ابو قلب حياتى بدقاته، الحب ده عقد من الياسمين وقلوب العشاق حباته» هكذا غنت للأب فصورت العلاقة بين الابن والأب فى أغنيتها مع أبيها ولأبيها «يا طيب» وهنا يجب أن نذكر أنه - للأسف – لم تحظ علاقة الأبوة بالكثير من الأعمال الفنية التى تصفها وتكتشفها وترسخ معانيها، لكن برغم ذلك حينما انتوت أنغام أن تغنى للأب قدمت مفهومها عن هذه العلاقة السامية، فى «يا طيب» لتؤكد أن العلاقات الإنسانية على تعددها وكثرة من تناولها، ما زالت بكرا وما زالت قادرة على إلهام الشعراء والملحنين والمطربين لتوسيع فضاء الإبداع والإنسانية حتى يصبح العالم أجمل.

تتقلب بين الموضوعات الغنائية وتحرص فى كل وقت على أن تطرق أبواب جميع أنواع المشاعر الإنسانية، لتعطى لنفسها مساحة أوسع فى التقلب بين المشاعر لتثرى موهبتها وتغنى سامعيها عمن سواها، وترى فى اختياراتها مثالا للنضج الفنى الواعى الكبير، فحينما غنت للابن بعد أن غنت للأب فى أغنية «عمرى معاك» قدمت مفهوما خاصا لعشق الأبناء وتلهف الآباء للحديث مع أبنائهم واللعب معهم وتجديد حياتهم وتخصيبها، وهو ما كان يعجز عن وصفه الآباء من شوق ولهفة لوقت اللقاء، فكل الآباء يقولون: إن ساعة لقاء الأبناء أهم ما فى الدنيا وأروعها، ويقولون «ضحكة عيون ابنى بالدنيا» ووراء هذا الكلام فيض من المشاعر المكبوتة والتى لم تستطع لغاتهم أن تجسدها كما لم يستطع خيالهم أن يتصورها، فقدمتها أنغام كأروع ما يكون، وحينما اختارت أغنية «بوسة على الخد ده» وصفت بإحساسها الراقى ما يمكن أن نطلق عليه «جوع العين» إلى رؤية الابن كما وصفت لذة اللقاء به التى لا تعادلها لذة.

سنة بعد سنة استطاعت أنغام أن تحفر لقدميها مكانا فى تاريخ الغناء العربى، وشقت لنفسها طريقا خاصا يعرفه كل من يهتم بالموسيقى وعالمها وأبطالها، فصوتها اللين دون ميوعة والحاد دون إزعاج والناعم دون انزلاق والحالم دون تغريب، يجبرك على أن تقف متأملا ما تتمتع به هذه الفنانة المتكاملة من ذكاء إبداعى نادر، فقد استطاعت أن تطوع موهبتها وتطورها لتحجز لنفسها مكانا خاصا بين مئات الأصوات العربية، وسنة بعد سنة بالعمل الجاد والصدق الفنى المخلص تربعت على عرش الأغنية المصرية والعربية بلا منازع.

وعلى الرغم من حضورها الطاغى وشهرتها اللامعة، لكن هذا لا يمنع من أن نقول: إن عصرها ظلمها كثيرا، فلو جاءتنا أنغام فى «زمن الفن الجميل» لكانت الآن أيقونة لافتة من أيقوناته البراقة، لكنها تحاول أن تستعيض عن هذا الوضع المحتوم بأن تضع يدها على كل ما تراه جميلا فى تراث الغناء العربى، فتغنى لأم كلثوم ووردة ونجاة وعبدالحليم حافظ وعبدالوهاب وغيرهم الكثير، وكلما همت بالغناء لأحدهم تراها يعتريها الخجل ويملأها الحياء، وكأن «تلميذ» صغيرا يقف أمام أساتذته الكبار، لكن ما أن تبدأ فى غناء إحدى الأغنيات التراثية المهيبة حتى تشعر بأنك تستمع لتلك الأغانى التى تربيت عليها، وكأنها عملت فى الأصل لأنغام، فتضيف إلى هذا التراث المهيب عظمة على عظمته، من دون أن تنقص من عظمة أصحابه الأصليين شيئا. «شجاعة» فى زمن الجبن، ولا تنفصل شجاعتها الفنية الصارخة عن شجاعتها السياسية المتفردة، ففى زمن الغناء الرث كانت تنتقى كلماتها وموضوعاتها بجسارة تحسد عليها، وهذه الشجاعة هى ما جعلتها تحسم مواقفها السياسية سريعا وبعيدا عن الغرق فى الحسابات والتربيطات والتوازنات والسجالات، لذلك كانت من أوائل الفنانين المصريين الذين أعلنوا انتماءهم لثورة يناير، مؤكدة هذا الانتماء بأغنية من أروع الأغانى الوطنية المصرية، ووفقا لطبيعتها الهادئة المترفعة أبت أن تتاجر بمواقفها كما أبت أن تقف فى طابور المزايدين على الوطن، فكانت «مواطنة» مصرية عبرت عن انفعالها بالثورة فكان تعبيرها صادقا متميزا بارزا.

كانت صغيرة حينما كنا صغارا، فحسبناها واحدة «مننا» وحينما كبرنا أكدت على ما ظنناه فيها، وصارت صاحبتنا وأيقونتنا وملهمتنا التى تؤكد على أن الإنسان الحقيقى هو الذى يستطيع أن يتخطى كل العوائق المقيتة دون أن يلوث روحه بموبقاتها، كما أكدت على أن الجمال قيمة عليا لا يصل إليها الأصاغر، وأن الاستمرار فى التألق فرض عين على كل من حباه الله بموهبة خلاقة، أما نحن فلا نملك إلا أن نحمد الله على أن «أنغام» هنا فى عصرنا تشدو وتتألق كل يوم، وكفى بها نعمة.








مشاركة

التعليقات 9

عدد الردود 0

بواسطة:

mohamed

أنغامـ ..

هى للرونق مثال .. و للرقى عنوان .

عدد الردود 0

بواسطة:

ليبرالي

كثير جداً عليها

عدد الردود 0

بواسطة:

ابوحسين

مين هى دى

عدد الردود 0

بواسطة:

القمور

..

هي مش اد كده

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء

فنانة تشرف

عدد الردود 0

بواسطة:

علاء

فنانة تشرف

عدد الردود 0

بواسطة:

مشعل

سيده الإحساس

عدد الردود 0

بواسطة:

كريم صفوت

احلى انغام ??

عدد الردود 0

بواسطة:

Aya Scandar

مطربه مصر الاولى

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة