تحت رعاية جامعة القاهرة أقيمت احتفالية فى قاعة الاحتفالات الكبرى بجامعة القاهرة الشهر الماضى لإطلاق مشروع "المدن الآمنة " التى تعنى أن تكون القاهرة آمنة للجميع. وقد قام بالتنسيق صندوق الأمم المتحدة الإنمائى للمرأة (يونيفَم) بمشاركة عدد كبير من الوزارات والهيئات الحكومية ومنظمات المجتمع المدنى، وجامعة القاهرة العريقة فى المشاركة المجتمعية، بالإضافة على عرض فنى لفرقتى وسط البلد وأنا مصرى.
وكان اختيار جامعة القاهرة كأحد أقدم الجامعات المدنية فى الشرق الأوسط ولكونها لها الريادة فى تعليم المرأة، وبالتالى خروجها إلى سوق العمل لتصبح مستقلة ماليا، فلا تضطر إلى الزواج المبكر مثلما نرى فى بعض الأحيان وما يطرأ عليه من مشكلات للبنت الطفلة التى تتزوج كهلا مقابل بضعة آلاف من الجنيهات ويتركها بعد أشهر بلا أى عائل، ونتيجة عدم أخذها الحق الكافى فى التعليم والرعاية، فإننا نجدها سيدة لا حول لها ولا قوة، وتضطر آسفة أن تعمل فى أعمال دنيوية تسد بها فقط متطلبات الحياة اليومية.
إن هذه الاحتفالية هى نقطة انطلاق لحملة طويلة المدى هدفها جعل القاهرة مدينة آمنة ضد العنف تجاه المرآة والفتيات. والحقيقة بحكم عملى أشاهد بعضا من مظاهر هذا العنف من الضرب الذى يفضى أحيانا للموت، ويترك أثره على وجه المرأة ونفسيتها ونفسية أطفالها، ولكنها مع ذلك ولقلة تعليمها وعدم استقلاها ماديا بعمل مناسب خارج المنزل يجعلها فى النهاية ترضخ للظلم كى تربى أطفالها، فعلى مدى أكثر من عشرين عاما فى هذه المهنة لم أجد إلا القليل من الزوجات التى تريد أن تنال حقها القانونى، وأن ينال معنفها جزاء ما فعل، وذلك لقلة تعليمها وعدم اكتسابها أى خبرات تؤهلها إلى سوق العمل، فتضطر إلى التنازل عن حقها لتربى أطفالها.
وأمام هذا المشهد الدرامى يكون فى النهاية دورى بعد علاج هذه المعنفة جسديا أن أتحدث مع الزوج فى كيفية الحياة بلا عنف، وبناء عائلة سعيدة حتى لو بأقل الماديات، وأن دورة فى تربية الأبناء لا يقل عن دورها وأسأله إن كان يرضى أن يرى ابنته فى هذا المشهد الذى أحدثه فى وجه زوجته أم لا وأثير فيه روح الشفقة والإنسانية بأن هذه الزوجة هى الأقرب إليه من أى شخص فى العالم، فقليل من الحب سيقابله منها بكثير من العطاء.
إن العنف ضد الأطفال وخاصة البنات مسألة ذات أهمية كبيرة يجب أن يوجه الانتباه إليها، بل وتسهيل وضع الإستراتيجيات على كافة مستويات المجتمع. ووضع الأطر القانونية للقضاء على العنف ضد الفتيات ثم يجب أن يتبعها التنفيذ والوقاية. والتحدى الذى يواجهه المجتمع الآن هو كيفية تهيئة ظروف اجتماعية ومادية وهيكلية تتيح للمرأة والفتاة تحقيق إمكاناتهما بالكامل، ويجب ألا تقتصر تهيئة هذه الظروف على الإصلاحات القانونية والمؤسسية، بل إلى تغييرات عميقة لإيجاد ثقافة يتغلب فيها العدل والمساواة على طغيان الهيمنة والقوة الجسدية.
ويجب أن يتم التعليم والتدريب بطريقة تسمح للأطفال بالنمو عقليا وخُلقيا، وتُنمى لديهم الشعور بالكرامة، وكذلك المسئولية عن رفاه أسرهم ومجتمعهم. ومع العلم بأن أعمق البيئات أثرا على الطفلة هى أسرتها، لذا لابد من تشجيع القيم والمواقف التى تدعم الأسرة وتسمح للمرأة والرجل بالعمل معا كشريكين متكافئين فى جميع مجالات النشاط الإنسانى.
لذا نتمنى من المؤسسات التعليمية أن تطور وتدمج النمو الأخلاقى فى مناهجها الدراسية الذى يساهم فى تنمية الأطفال وتحقيق التكامل بين الجوانب الروحية والمادية، والنظرية والعملية، والشعور بالتقدم الفردى فى خدمة الصالح العام. والتوعية بمساواة الجنسين ليصبح جزءاً لا يتجزأ من تربية الطفل، بُغية وضع حد لاستمرار التمييز والأدوار النمطية للجنسين.
وتدعو الحاجة إلى إقامة آليات تشاورية للتنسيق والتنفيذ والرصد على الصعيد الوطنى، من أجل تعزيز فهم مسئوليات المجتمع المدنى والحكومة فى التنفيذ الفعال لاتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة واتفاقية حقوق الطفل، والسعى من أجل تهيئة بيئة داعمة ومواتية تحظى فيها الفتاة والمرأة بالاعتبار والاحترام باعتبارهما شريكين على قدم المساواة مع الرجل.
أتمنى أن يأتى اليوم الذى أرى فيه القاهرة بلا تحرشات بالفتيات وإن تحقق المؤسسات المشاركة فى الحملة أهدافها والتى ترنو إلى تهيئة القاهرة، لتصبح مدينة آمنة تماما للنساء والفتيات تتسم بخمس صفات هى "أنها مدينة لا تشعر النساء والفتيات فيها بالخوف من الاعتداء عليهن فى الأماكن العامة، ولا يتم ممارسة العنف ضدهن فى البيوت والشوارع، وتضمن لهن ممارسة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، وتشارك فتياتها فى اتخاذ القرارات التى تهم المجتمع، وتتكاتف جهود الدولة والمسئولين للعمل على منع العنف ضد النساء والفتيات ومعاقبة المتسببين فيه".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة