الشيكل والعملاء والانقسام الداخلى عوامل ضياع «دولة» فلسطين

الخميس، 12 فبراير 2009 08:37 م
الشيكل والعملاء والانقسام الداخلى عوامل ضياع «دولة» فلسطين بعد رفح.. مصريون وفلسطينيون فى الانتظار
جمال الشناوى يكتب من غزة:

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
◄غضب شعبى على حماس وفتح.. والمعونات تباع للتجار وبعضها يتم توزيعه ليلاً على أنصار الحركة
ما بين مقر «اليوم السابع» وحتى مدينة غزة أكثر قليلا من 400 كيلومتر، هى أقرب إلى القاهرة من مدن مصرية كثيرة، مثل أسيوط وشرم الشيخ، لكن الطريق إليها والعيش فيها يكون دائما محفوفا بالمخاطر، غزة «هاشم» الاسم القديم للمدينة التى كانت مقرا لراحة التجار أثناء رحلات الشتاء والصيف بين الشام واليمن مرورا بالحجاز، وفى إحداها مات جد الرسول هاشم بن عبد مناف، وتم دفنه هنا وأطلق عليها العرب غزة هاشم، تلك المدينة التى كانت معبرا للتجارة بين مصر والشام والجزيرة العربية، تبحث اليوم عن معبر يصلها بالعالم الخارجى.

الطريق إلى منفذ رفح كان ميسرا، عكس الاقتراب من بواباته، الصحفيون والأطباء من كل بلاد الدنيا عليهم الانتظار طويلا حتى تعبر المساعدات وسيارات الإسعاف والأدوية، وبعدهم يأتى المرور للفلسطينيين العائدين إلى القطاع، ثم فتحوا لنا الأبواب، بعد قليل كان الأتوبيس الفلسطينى ينقلنا إلى الجانب الثانى من المعبر، وفيه كانت الصدمة الأولى مع «الكمسرى» وهو يقول 10 «شيكل»، وعندما لاحظ اندهاشى رد سريعا أنت ليك خصم 50 % لأنك صحفى، وأخيرا فهم أننى أتعجب من استخدام عملة عدوهم الذى يصوب فوهات نيرانه إلى الغزاوية حتى الآن رغم مرور 15 عاما على قيام سلطة دولة فلسطين، رغم أن حركة حماس تسيطر على القطاع بعد «انقلاب يونيو» قبل عامين، وأعادت تشكيل الأجهزة الأمنية والإدارية من رجالها، لكنها لم تفكر يوما فى فك الارتباط بين اقتصاد غزة واقتصاد الصهاينة، سوق استهلاكى ضخم للاقتصاد الإسرائيلى، قرابة المليونى فلسطينى يستخدمون الشيكل «هو فى حد ذاته دعم للاقتصاد الاسرائيلى» كما قالت لى الصحفية الفلسطينية علا مدهون، ولا يخلصها من التبعية أخيرا نحن على أرض دولة فلسطين. «المرضى العاديون بيرجعوهم من المنفذ المصرى، ماذا فعلنا حتى تتعامل معنا مصر بهذه الطريقة، أحيانا يرفضون حتى دخول الجرحى» بهذه الكلمات قابلنى المتحدث الرسمى لقوات الحدود والمعابر التابعة لحماس عادل زعرب، المساعدات التى تمر إلينا كلها طبية، حتى أننا لم نعد فى حاجة إلى كثير من الأنواع من الأدوية التى تتكدس بها مخازن المستشفيات، فى حين أن المساعدات الغذائية قليلة للغاية ولا تكفى، وعندما قلت له إن مئات الشاحنات تقف على الطريق من العريش إلى الشيخ زويد انتظارا لإشارة العبور، قال هى تدخل عبر منفذ كرم أبو سالم وهو تابع لإسرائيل، ويتم تخزينها هناك ولا تصل إلينا، واتهم زعرب السلطة الفلسطينية فى رام الله «محمود عباس» بالتنسيق مع إسرائيل لحرمان سكان غزة من المساعدات الغذائية لإضعاف حماس على الأرض، «هم يستخدمون معاناة الشعب، لأهداف سياسية» وما لا يعرفه أحد، يقول زعرب، إن إسرائيل تفرض رسوما على المساعدات بواقع 200 دولار للطن الواحد، أى أن إسرائيل تستفيد أيضا من المساعدات.

وصلنا رفح الفلسطينية والليل يستقبلنا، نحن آخر من عبر، إيطاليون وعشرة أطباء من الأردن واليوم السابع، وإن كان المعبر قد سمح بعبور حارس مرمى النادى الأهلى رمزى صالح بعد إغلاقه بقليل، محمد إدريس الفرع شاب عمره لا يتجاوز العشرين عاما كان يتحدث إلى القوات الحمساوية المسيطرة على المعبر يطلب منهم السماح بالمرور إلى مصر فأبوه فى انتظاره لرؤيته بعد 12 عاما من الفراق، فالأب الذى يعمل فى السعودية يقضى إجازاته فى مصر، محمد لم يكن يحمل معه سوى كيس من البلاستيك به بعض ملابسه وقليل من الخبز تكفيه طوال الرحلة إلى القاهرة، وهم يردون عليه المعبر مغلق من الجانب المصرى، الناطق باسم قوات المعابر والحدود قال لى: سلطات المعبر المصرى لا تقبل سوى التقارير الطبية المعتمدة، وهناك من يستخرج تقارير طيبة حتى يستطيع الخروج فقط لأسباب إنسانية، محمد قال أريد أن أرى أبى الذى ينتظرنى فى القاهرة وأوشكت إجازته على الانتهاء، ونصحنى البعض بالحصول على تقارير طبية حتى أستطيع السفر، لكن يبدو أنها أيضا لن تقربنى من أبى، «فكرت كثيرا فى المرور عبر الأنفاق، لكن إسرائيل ضربتها وربما تم القبض على وأنا فى مصر، هو دخول غير قانونى يعرضنى للمحاكمة»، وكانت المعلومات التى سمعناها أثناء عبورنا أن الشرطة فى مصر تبحث فى سيناء عن سبعة فلسطينيين تمكنوا من المرور عبر الأنفاق فى الليلة السابقة على دخولنا.

كان علينا أن نسير بضعة كيلومترات حتى نصل إلى قلب مدينة رفح، فى ظلام إلا من مصابيح متناثرة، تستطيع أن تشم رائحة الحياة الصعبة التى تحاصر أبناء رفح فى منازلهم الغارقة فى الظلام، مرافقى الحمساوى قال إن الكهرباء غير منتظمة، ومصر لا تغذى القطاع سوى بـ5 % من الكهرباء، نعيش تحت رحمة إسرائيل ومازالت محطات الكهرباء لا تعمل بكامل طاقتها لنقص الوقود. أبراج إنارة عالية ترسل إشارات إلى السماء عرفت أنه المطار، دمرته إسرائيل وبقيت فقط الأبراج ترسل إشاراتها لطائرات لن تأتى أبدا فكل الممرات تم تدميرها منذ وقت طويل، وبمناسبة الطاقة قال محمد عليان أحد أبناء رفح: أحيانا تأتى بعض إمدادات البترول عبر أنابيب فى الأنفاق، كانت تساهم معنا فى مقاومة الظلام والشلل الذى يصيب حركة السيارات.

فى كثير من سيارات الركوب فى القطاع أكثر ما يلفت الانتباه هو ذلك الصوت القادم من إذاعة الأقصى صوت أحد قادة حماس، يشبه إلى حد كبير صوت الداعية الراحل الشيخ كشك، نفس سخونة الكلمات وذات نبرة الانتقاد الحاد، لهؤلاء القابعين فى المقاطعة السوداء، يقصد مقر السلطة الفلسطينية برئاسة محمود عباس.

وقبل أن نغادر رفح ذات الغالبية الفتحاوية إلى غزة استوقف شاب مرافقى الحمساوى وسأله إذا ما كان أنهى له مسألة سفر أخته إلى القاهرة لتلحق بالدراسة التى قاربت على الانتهاء, فهى تدرس فى كلية الطب بجامعة عين شمس، «فكرنا بنقلها إلى مصر عبر الأنفاق، لكنها خافت» هكذا قال الشاب، ولا يستطيع فلسطينى من القطاع المغادرة إلا بوساطة من أحد قيادات حماس.

«لسنا إيرانيين نحن عرب أقرب إلى مصر عنها من غيرها، ولا أحد يستطيع أن ينكر دور مصر لكن لابد من الوصول إلى تفاهم، هذا ماقاله لى سائق السيارة الجولف «الإسرائيلية» التى أقلتنى من رفح إلى غزة تحت جنح الليل، وفيها جاءنا نفس الصوت الغاضب الذى يتحدث عن «نصر» غزة وصمودها، رغم أنف فريق المقاطعة أيضا، عرفت بعدها أنه صوت خليل الحية القيادى الحمساوى.

أخيرا، ها هى غزة المدينة التى تعرضت للقصف والعدوان الإسرائيلى، الظلام المسيطر على الأجواء يجعل الرؤية لا تتخطى بضعة أمتار.

حركة السيارات قليلة لا تعانى المدينة الأم للقطاع من أى زحام ليلا، أجواء الحرب مازالت تسيطر عليها رغم انسحاب الدبابات الإسرائيلية من شوارع غزة، حتى توقفت بالقرب من قلب المدينة وتحديدا بالقرب من بيت محمود الزهار وزير خارجية حكومة حماس، لكنها لا تزال ترابط على حدود القطاع، وغير الدبابات، فهناك طائرات الاستطلاع التى تحلق فى الأجواء وتستطيع أن تميز عن بعد البوارج الحربية الإسرائيلية وهى تجوب شواطئ بحر غزة.

فى غزة، الشيكل هو العملة المعترف بها حتى لدى جنود القوة التنفيذية والأمن الداخلى التابعة لحماس، هم يتعاملون به، آثار الدمار عالقة على واجهات عشرات المبانى الرسمية وغيرها من المنازل، حكايات الحرب كثيرة ومتشابهة كلها تحمل المآسى وتعكس الوحشية التى مارستها الحملة الإسرائيلية على القطاع، ولكن الحديث الأكثر إيلاما هنا هو روايات العملاء والجواسيس الذين ساعدوا إسرائيل على استهداف شخص مثل سعيد صيام وزير داخلية غزة، الرجل الذى كان يتحرك بسيارة مع ابنه وقريب لهما، قصفته الطائرات الإسرائيلية فى أحد الشوارع، الحديث عن الجواسيس هنا تسمعه همسا، لكن إيهاب الغصين المتحدث الرسمى لوزارة الداخلية قال إن هناك من كان يريد ضرب المقاومة فى الظهر، وكان تأمينها ضروريا، ويرد الغصين على اتهامات لقوات الأمن التابعة لحماس باعتداءات على فلسطينيين خلال الحرب.

لكن قصة استهداف سيارة سعيد صيام كشفت عن توغل العملاء فى غزة، وزير الداخلية الذى لم يكن فى منزله بل كان حسب روايات شهود عيان كان فى طريقه إلى مكان غير معلوم بالقرب من منزل أحد أبناء عائلته، وبعد قليل قصفته طائرة إسرائيلية ليلقى مصرعه فورا، كيف يعمل الجواسيس، هنا روايات عديدة، حسب ما نسمعه هنا عن استخدام العملاء وسائل اتصال، لإرشاد جيش الاحتلال إلى المطلوبين.

لمعلوماتك...
22 يوما زمن العدوان على غزة
200 دولار رسوما على كل طن مساعدات









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة