وفاء داود

مات الحياء من الألف للياء

الأحد، 03 فبراير 2013 06:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
احترت كثيراً حول عنوان هذا المقال، فتارة أكتبه بعنوان "حجة البليد مسح التختة" لأنه يعبر عن لحظات عشناها جميعاً وهى عندما يُطلب منا المذاكرة نسرع فى كثرة الطلبات من آبائنا معلقين ذلك بنجاحنا، وهنا أتذكر عندما كنت بالثانوية العامة، حيث كان صراع بينى وبين أختى الصغرى التى كانت فى القسم العلمى تريد كلية الطب وأنا فى الأدبى وأريد العلوم السياسية، وكنت أشترى جميع الكتب الخارجية فى المادة الواحدة وطبعاً أسمع من أمى "حجة البليد مسح التختة"، لكن على كل حال قد حققنا أهدافنا.

وأقف هنا وأنتقل من هذه الحالة الخاصة إلى العامة وهو ما شهدناه الأسبوع الماضى من الحوار المشروط ومليونية المبادرات التى بدأت بمبادرة عمرو موسى، وأندهش من توقيت طرح المبادرة يوم ٢٥ يناير، وكأنه يعلم جيداً ما ستشهده محافظات القناة فى اليوم التالى، والتى كان سببها بعيداً عن النظام، تلت هذا مبادرة أبو الفتوح التى هُوجمت لأنها طرحت فكرة تشكيل لجنة لإدارة الأزمة مؤلفة من القوى السياسية، ورغم أنه أفضل حل فى هذه الآونة إلا أنه لم يرق لرغبة القوى السياسية التى لم تقبل بأقل من تشيكل حكومة طوارئ وهو الشرط الذى لم يخل من أية مبادرة طرحت من قبل رموز المعارضة.

إن النقطة التى أود الإشارة إليها هنا هى ماذا بعد كل هذه المباردات؟ وماذا بعد التوقيع على وثيقة نبذ العنف؟ هل تلاشى العنف أم كانت بداية له؟ ولماذا كتب البرادعى وباللغة الإنجليزية، وهى إشارة إلى استهدافه مخاطبة الخارج الأجنبى وليس الداخل، مهدداً بأن العنف قادم وهى نفس الرسالة التى أختتم بها عمرو موسى مبادرته التى طرحت يوم ٢٥ يناير.
كل هذا يتطلب توضيحاً ويستدعى تفسيراً، وهنا لا أستطيع أن أضف أكثر مما قاله الكاتب الرائع فهمى هويدى فى مقاله بعنوان "فى تفسير رفض الحوار" الذى نشر فى جريدة الشروق بتاريخ ٣١-١-٢٠١٣.

وبعد لحظات أغير رأيى وأرغب فى عنوان آخر للمقال كما هو عليه الآن، حيث أستشعر ظاهرة مستحدثة وغريبة على مجتمعنا، لم نكن نشهدها بهذه الدرجة، وهى عدم الخجل من التصرفات المتناقضة التى لا تتناغم مع مبادئنا وأفكارنا، ورغم أننى أشرت إليها فى مقال سابق بعنوان "اللى على راسه بطحة" (نشر فى ٢٣-١-٢٠١٣) إلا أننى لم أستوف التنظير والتحليل فى هذه الظاهرة المنتشرة حالياً.

وهنا أبدأ بشيوع تغليب أهل الثقة على أهل الخبرة، والتى تضع حداً لحاملى المؤهلات والخبرات وتدفع بعناصر ليس لديها أى شىء سوى القرابة أو "الشللية"، لذا أتساءل كم ممن يظهرون على شاشات الفضائيات متخصصون فى العلوم السياسية، إن العلوم السياسية هى علم الدولة وأرقى العلوم ومع ذلك وللأسف تحدث بأسمها من لا صفة له، ودخلها من لا عمل له، وفى ظل هذا فلا غرابة من أن يختفى متخصصوها من الإعلام، كما لاحظت تعمق دور ما نطلق عليه "مقاول أنفار" ففجأة نجد أشخاصاً ليس لديهم أية كفاءة أو مهارة سوى أنهم مستعدون لفعل أى شىء من أجل الشهرة وجلب المال، لا أنكر أن هذه الظاهرة كانت موجودة فى نظام مبارك إلا أنه كان حريصاً على إخفائها من الظهور فى الإعلام، والآن نجدها متفحلة فى العملية السياسية، وأصبح لها دور فاعل ويتم تصعيد رموزها إعلامياً والدفع بهم لأن يكونوا فاعلين جددا فى الممارسة السياسية تحت مسمى النشطاء السياسيون أو شباب كذا وشباب كذا، وهنا أحزن كل الحزن من الزج بهم لتلويث العمل الثورى ولتشويه سمعة النشطاء الشرفاء.

ومن مظاهر عدم الحياء أيضاً، أنه عندما يقول أحد كلمة حق مراعياً ضميره ومبادئه يطلقون عليه إخوانياً أو عميلاً لأمن الدولة لضرب سمعته وفى ذات اللحظة يثنون على من لا قيمة له لسهولة برمجته والدفع به لأدوار معينة وهو ما يشبه دور محمد صبحى فى فيلم "على بيك مظهر"، وكلنا شهدنا العديد ممن تم تصعدهم لمجرد أنهم ذموا وانتقدوا تياراً سياسياً بعينه بصرف النظر عن عقلانية النقد وموضوعيته وهذا ما حول البراجمانية إلى انتهازية سياسية، حيث اتخذ هؤلاء من السياسة مجالاً للمتجارة، وهنا صدقت مقولة د.كمال المنوفى "دخلت التجارة فى السياسة ففسدت التجارة وفسدت السياسة".

وعلى الجانب الآخر، تجب الإشارة إلى ما تقوم به جماعة الحزب الحاكم من فتح مناصب الدولة للمنتميين لهم فقط وكأنهم مواطنين بشرطة والآخرين لم يصلوا إلى هذا المستوى، وفى حالة أن أجبرتهم الظروف على التجمل يستهدفون رموزاً قريبة إلى إيديولوجيتهم وهو ما ظهر فى استقطاب بعض أساتذة العلوم السياسية المتخصصين فى الفكر الإسلامى، إن هذا التصرف سبب حقيقى فيما نشهد الآن من توحد جبهات المعارضة ضدهم فليس من المقبول على الإطلاق أن يقصى أبناء الشعب من اعتلاء أجهز الدولة التى هى ملكاً لهم.

إن مصر ممتلئة بالعديد من أهل الخبرة والحكمة يجب استقطابهم وتوظيفهم فى الأماكن المناسبة، آن الوقت لإعلاء أهل الخبرة واحتواء القوى السياسية بمشاركتها فى صنع القرار، وذلك من خلال استهداف التكنوقراط من مختلف القوى السياسية، فكل حزب لديه العديد من هؤلاء لكنهم ليسوا ممن يرغبون فى الشو الإعلامى أو يكثرون من التصريحات والمبادرات، فمن المستحيل أن تتقدم دولة للأمام معتمدة على أناس لا يعرفون غير التلون والانتهازية، لذا يجب على مؤسسة الرئاسة أن تبحث عن العقلاء والشرفاء لخلق توافق وطنى حقيقى يهدف لنقل مصر إلى بر الأمان، وأن تنأى بعيداً عمن يحاولون الفوز بالمناصب متاجرين بالدم المصرى، وأُذكِر الرئيس مرسى هنا بمقولة معاوية عندما سأله إعرابى كيف حكمت أربعين سنة ولم تحدث فتنة بالشام والدنيا تغلى؟ فقال معاوية إن بينى وبين الناس شعرة، إذا أرخوا شددت وإذا شدوا أرخيت.
• مدرس مساعد بقسم العلوم السياسية .








مشاركة

التعليقات 10

عدد الردود 0

بواسطة:

sherif

مقال جميل ورائع

مقال موضوعى قل ان نقرأ مثله فى هذه الايام

عدد الردود 0

بواسطة:

مصري

الله ينور عليكي ... كلام موزون

فوق

عدد الردود 0

بواسطة:

دكتور/ حمزة أحمد

تحليل رائع لحال مصر الآن

عدد الردود 0

بواسطة:

عبدالباسط

مرض نفسى

عدد الردود 0

بواسطة:

نادر

مصرية بحق

عدد الردود 0

بواسطة:

د. محمد حسين

مقال متميز

عدد الردود 0

بواسطة:

دينا

تحليل للواقع المؤلم في مصر

عدد الردود 0

بواسطة:

د. نادر عكور من سوريا

أكثر من رائع

عدد الردود 0

بواسطة:

أسماء هاشم

تحليل واقعى حقًا

عدد الردود 0

بواسطة:

محمد سمير

مقال رائع جدا

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة