إحدى عشر ألف قاض خلف منصات القضاء، وأجهزة أمنية متعددة تنتشر فى شرق البلاد وغربها، 175ألف محام يرتدون أروابهم السوداء يحاولون الدفاع عن موكليهم، كل هؤلاء البشر وتلك المؤسسات مهمتها تثبيت دعائم الدولة وتوفير الأمن والعدل، يتركها المواطنون بحثا عن العدل فى مجالس الصلح ومكاتب التحكيم العرفية، والسبب بطىء التقاضى وأيضا أن الدولة نفسها ومؤسساتها والحكومة تتجاهل الطرق الرسمية وتلجأ إلى الطرق العرفية، حدث ذلك ومازال فى أبوفانا حيث وقعت أزمة أطرافها مسلمون ومسيحيون، ووجهت الأجهزة الرسمية الخلاف بعيداً عن النيابة والقضاء.
بين وقت وآخر تظهر بذور الفتنة الطائفية على الساحة المصرية، الدولة تقف عاجزة دوما عن وأدها والحيلولة دون تحولها إلى ألسنة لهب فلا تجد سبيلا أمامها سوى اللجوء إلى القضاء العرفى مثلما حدث فى دير أبو فانا بالمنيا الذى لن يكون آخر مسلسلات الفتنة الطائفية التى أكدت عجز الدولة أمام قوة القضاء العرفى وغلبته، فى مشهد هزلى ينتقل بالحكومة من مقاعد القيادة إلى مجرد المشاهدة.
ممدوح نخلة المحامى القبطى يرى أن لجوء الدولة إلى المجالس العرفية يعد تنازلا منها عن هيبتها مضيفاً: «الأفراد يشعرون مع تلك الجلسات بالراحة والعدالة المفقودة»، وإقبال المواطنين على تلك الجلسات اعتراف بفشل الدولة، مستشهدا باستدعاء مأمور قسم شرطة أبو تيج له فى عام 2005 لحضور جلسة صلح بين عائلتى النجار وعلام.
القمص بولا أنور وكيل مطرانية ملوى للمجالس العرفية الذى شارك فى جلسة القضاء العرفى لأبو فانا يرفض هذه المجالس لأنها كما يرى تعتمد على الأهواء ويقول: «الأقباط يتم إرغامهم على دخول المجالس العرفية التى تظلمهم بشدة.. لكن فى ظل عدم تفعيل القوانين وتباطؤ إجراءات التقاضى، تصبح المجالس العرفية الأفضل لقدرتها على إنهاء الخلافات فى وقت قصير».
على الجانب الآخر يفسر على النجادى المتحدث باسم العرب فى أزمة أبو فانا أسباب اللجوء إلى المجلس العرفى قائلا: «هناك 10 محاضر ضد الدير منذ عام 1997 لم تأت بنتيجة»، لكن اللجان العرفية عند العرب لها حجية وقوة، ولا يقدر أحد على التراجع عن شرط واحد تم إقراره فى جلسة عرفية مؤكداً: «البدوى لا يتخلى عن أى عقد عرفى لأنه لو فعل يعتبر عارا فى الثقافة البدوية ».ويرفض اتهام المجالس العرفية بتعطيل القانون، مؤكدا أن العرف أحد مصادر التشريع قائلا: «البدوى لا يلجأ للمحكمة إلا فى حالة فشل القضاء العرفى ونادرا ما يفشل».
«نحن الآن نشهد السنوات الأخيرة لنظام ضعيف تنهار جميع أركانه» بهذه العبارة بدأ جورج إسحاق الناشط الحقوقى بحركة كفاية حديثه ، مشيرا إلى أن عدم شعور المواطن بالأمان فى ظل غياب دولة القانون دفعه للجوء إلى جلسات المصاطب والتى ترجع إلى العصور الوسطى لحل مشاكله.
إسحاق وصف «العرفى» بالفضيحة قائلا: «الاستعانة بالقضاء العرفى أكبر دليل على ابتعاد الشعب بإرادته عن سطوة الدولة، وعدم ثقة المواطنين فى مؤسسات الدولة التى عجزت عن توفير الأمان لرعاياها».
الحاج على متولى أو كما يعرفه أهالى الشرقية بشيخ المصلحين، أرجع استعانة الأهالى بالقضاء العرفى إلى سرعته فى الفصل بين المتنازعين، وقوته فى فرض الحلول والجزاءات والعقاب، قائلا :« القاضى العرفى ينحاز للحق فقط، وقد أصبحت له قوانينه المعروفة والتى يتم الاستعانة بها عند اللجوء للمحاكم الرسمية».
«محمد كمال تقادم» عضو مجلس الشورى، والقاضى العرفى بمحافظة أسوان يصف القاضى العرفى بأنه فوق مستوى الشبهات ولا تتم صناعته فى مدارس أو جامعات، بل هو نتاج بيئة تحترمه وتقدره.
«تقادم» يرى أن قاضى المحكمة ترهقه كثرة القضايا المعروضة أمامه، وضيق الوقت، وهنا تظهر أهمية المجالس العرفية فى التخفيف عن القضاة فى المحاكم.
«إسهام المواطن فى إقامة العدالة» يعتبره المستشار محمد حامد الجمل رئيس مجلس الدولة الأسبق نصا معطلا فى الدستور ولم يرق إلى حيز التنفيذ لأنه يتطلب توافر الديمقراطية الحقيقية، رغم ذلك يلجأ البسطاء إلى المحاكم العرفية التى تجد صدى وقبولا واسعا فى المجتمع، وهى أكثر تفهما للواقع، وقراراتها تحظى بتأييد الأمن العام وأحيانا يشارك فيها ممثلون لجهات أمنية، سواء كان مدير الأمن أو المأمور لإعطائها طابع الأهمية والاحترام، لكنه يتخذ من ارتفاع معدل اعتماد الأهالى على القضاء العرفى فى فض النزاعات مدخلا لانتقاد الحكومة التى تتعلل دوما بنقص عدد القضاة، وتكدس القضايا فى المحاكم ،وتوسعها فى نفس الوقت فى إنشاء محاكم للصفوة، المتمثلة فى المحاكم الاقتصادية بدعوى سرعتها فى الفصل بين المتنازعين.
شيخ القبيلة والقاضى العرفى ظهر فى شكل آخر عرفته الأنشطة التجارية فى القاهرة باسم «مراكز التحكيم» التى تختص بالفصل بين المستثمرين الأجانب والمصريين عند مخالفة أحد الطرفين للعقد المبرم بينهما؛ لتنافس بذلك المحاكم التجارية، والتى تم تطوير عملها لتعرف بالمحاكم الاقتصادية.
«عدم تنفيذ الأحكام القضائية أدى إلى التقليل من هيبة القضاء فى نفوس المواطنين، وهو ما يتسبب فى انتشار الفوضى» كما يقول الدكتور حمدى عبدالرحمن - أستاذ القانون المدنى والعميد السابق لحقوق عين شمس - منتقدا طول مدة إجراءات التقاضى داخل المحاكم المصرية قائلا: «لا توجد دولة متقدمة تستغرق إجراءات التقاضى فيها 25 عاما».
لمعلوماتك:
◄شهر ديسمبر 1999 شهد أحداث الكشح التى تعتبر من أشهر قضايا الفتنة الطائفية وتم حلها عن طريق جلسات الصلح العرفية.
◄2006العام الذى تبنت فيه الحكومة مشروع قانون المحاكم الاقتصادية.
◄276عدد محاكم الأسرة فى محافظات مصر المختلفة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة