سعيد شعيب

مخبر أمن دولة

الخميس، 20 مارس 2008 10:41 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
كان يتكوم على الرصيف الملاصق لمبنى الجريدة المتهالك ساعات وساعات، رجل أربعينى، ثيابه مهلهلة، وجهه ممصوص وعيناه زائغتان، لكن فيهما مذلة الكون.
أيام وأيام لا يتغير أى شئ فى جلسته، هو على ذات الوضع، تصورنا أنه شحاذ، لكنه لم يطلب أبداً أى "شىء لله"، تصور أحدنا أنه مخبر غبى أرسله أمن الدولة لمراقبة "العاملين فى الصحيفة المناضلة المعارضة".. لكن كيف يفعلون؟، ولماذا يفعلون؟، ولهم واحد وربما اثنان من بين الصحفيين، يرسلون لهم على الهواء، بفضل الموبايل والنت، كل همسة ولمسة، فما حاجتهم لأن يكلفوا هذا الرجل لكى يقول "فلان خرج وفلان دخل"؟
هذا الرأى من أحد زملائنا بدا منطقياً، ولكنه لم ينف شكوكنا حول الرجل، ماذا يفعل هنا كل يوم؟
منتصف الحكاية كان كالتالى:
بعد فترة أظنها طويلة وجدت فوطة متسخة فى يده، يقترب بها متردداً من زجاج سيارتى، استغل انشغالى بتدوير الموتور، وتنزيل الفرامل، وبدأ فى مسح الزجاج بهمة، ومنه إلى جسم السيارة. أعطيته "اللى فيه النصيب"، ومن بعدها وجدته يفعل ذات الشىء مع سيارات أخرى. لكن ظل التساؤل: لماذا اختار شارعاً صغيراً جداً وليس حيوياً، معظم من فيه، سكان، أى ليسوا بحاجة لأن ينظف أحد سياراتهم؟
بعد المنتصف:
زادت حركة الرجل الذى كان مكوماً فى أول الحكاية، وارتفع صوته تدريجيا"آه يمين، شمال شويه، بس .. بس".. ليركن سيارات الجميع، ومع الفوطة المتسخة، أصبح هناك "جردل" به ماء وصابون وغيرهما من المستلزمات، كان ينظف بنشاط وهمة السيارات، بما فيها سيارة زميلنا الذى اعتبره مخبر أمن الدولة.
بعد فترة وجدت معه شاباً، أقل منه فى السن، وأقل منه حتى الحجم، وبالطبع ارتفع صوته أكثر، وزال تردده، وأصبح مكانة طمأنينة ما واستقرار ما، يركن سيارتين معا، ويجرى هنا وهناك. وتوقف من كانوا يعتبرونه مخبراً غبياً لأمن الدولة، وخفتت الشكوك تقريباً .. لقد أصبح وجوده طبيعى.
ما بعد منتصف الحكاية:
هل هى الطريقة الجهنمية لاختراع طريقة لأكل العيش، الطريقة الجهنمية لاختراع الشئ من اللاشئ؟ .. مؤكد.









مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة