حنان شومان

هوليوود تحكى عن العبقرى الشاب

الخميس، 11 نوفمبر 2010 07:32 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مقدمة لابد منها فى تاريخ البشر والأمم، رضينا أم أبينا، يعد الفن واحدا من مظاهر تقييم وسائل قياس تمدن وحضارة الشعوب قديما وحديثا، فهل بقاء الفراعنة حتى الآن فى عقول وأذهان أجيال تفصلهم عنهم قرون إلا نتيجة لفنونهم التى استطاعت أن تبقى شامخة تحكى عنهم للاحقين فى صورة صور ورسوم ونقوش ومعابد وأهرامات؟! وهل بقاء كلمة عصر النهضة فى أوروبا فى كتب التاريخ إلا نتيجة لارتباط ذلك العصر بتقدمه العلمى ومخترعاته بفنون مازالت ماثلة أمام أعين البشرية. عشرات بل آلاف من الأمثلة قد تستغرق صفحات إذا رحت أذكرها ولكن كلها فى النهاية تؤكد أن الفن بكل صوره من وسائل قياس تقدم الشعوب أو تدهورها، وإن كنت من الكارهين للمقارنة بآخرين فى حياتى الخاصة لأن المقارنة الدائمة توجد حالة من عدم الرضا عند الأفراد وتزيد من الأحقاد، وهو ما أطلق عليه المقارنة السلبية، ولكن المقارنة الإيجابية هى تلك التى تخص الأمم ولذا فاعذرونى للمقارنة التى قد تكون فى ظاهرها سلبية، ولكنى أتمنى لو أنها أوجدت حالة إيجابية ولو حتى لدى عدد على أصابع لليد.

كثر الحديث هذه الأيام وفيما سبق بقليل عن مسلسلات وأعمال فنية تتناول السير الخاصة لكثير من المشاهير وخناقات الورثة وصناع الأعمال وحتى خناقات الكُتاب والمنتجين فيما بينهم على هذه الأعمال، فمثلاً هناك ثلاث جهات تتعارك حول من يقدم قصة حياة تحية كاريوكا، وهناك آخرون تعاركوا حول قصة حياة الملكة نازلى، ومازالت الأحاديث تتناثر حول قصة حياة صباح ومشاكل مسلسل شادية إلى ما لا نهاية من موضة مسلسلات السير الخاصة، وكان نجاح مسلسلى فاروق وأسمهان قد أغرى منذ عامين صناع الدراما بحكايات السير الخاصة حتى أصبحت موضة، ورغم انهزام حليم وسعاد حسنى وليلى مراد وملكة فى المنفى إلا أن الموضة مازالت تلهث وراء الموضوعات نفسها.. مجرد موضة وسينسونها ويجرون وراء موضة أخرى، هذا ببساطة لأن أغلب مبدعينا إبداعهم يقع فى دائرة التقليد وهو ما يمكن أن نطلق عليه إبداع القرود.

وفى نفس هذا التوقيت والزمن يشاهد العالم فيلما أمريكيا باسم الشبكة الاجتماعية «Social Network»، يحكى عن قصة حياة وتاريخ الفيس بوك أو بالتحديد قصة مارك زاكر برج مبتكر الفيس بوك وحكاية من زاملوه وساعدوه، ثم كيف تحول النجاح إلى طمع وعراك وصل إلى ساحات المحاكم، شاب لم يتجاوز العشرين تحول فى غضون أعوام قليلة إلى أصغر ملياردير فى العالم يمتلك 6.9 بليون دولار. لم يخجل الفيلم من أن يشير إلى أن هذا الابتكار الإنسانى الأمريكى بدأ فى غرفة صغيرة فى سكن الطلبة بجامعة هارفارد بسبب أن صديقة زاكر برج تركته فقرر أن ينتقم منها ويفضحها فى الجامعة ثم يتطور الأمر إلى أن يبلور الفكرة ليصل إلى الفيس بوك بشكله الحالى.

الفيلم مأخوذ عن رواية باسم بليونيرات بالصدفة «The Accidental Billionas» للكاتب بن ميزرتش واستطاع المخرج دافيد فنشر أن يحوله إلى أحداث على الشاشة من لحم ودم.
ولكنى لست هنا بصدد الحديث عن فيلم وتفنيد مواطن ضعفه وقوته ولكن أتحدث عن أُمة وأحد فنونها وهى السينما وتعاطى الناس معها.

فالفيلم يحكى قصة حياة مجموعة مليارديرات شباب منذ عام 2004 مازالوا يعيشون ويتصدرون المشهد العالمى، يحكى عن ضعفهم الإنسانى وعن عيوبهم قبل محاسنهم وعن سقطاتهم قبل إنجازاتهم، ولم يرفع أحد منهم قضية على الفيلم ولم يبهدل صناع الفيلم فى المحاكم ولم يتهمهم أحد بالسب والقذف فى حقه، ولم يخرج علينا أمريكى ليقول إن فيلم الشبكة الاجتماعية يسىء لأمريكا وأخلاق شعبها وأحد رموزها.

مارك زاكر برج نفسه حين عرف أنهم سيصورون فيلما عن حياته لم يقل إلا عبارة واحدة وهى «لم أكن أتمنى أن يتحدثوا عن حياتى إلا بعد موتى».

فن أمريكا القوية الفنية التى نكرهها ونغار منها ونحبها ونتمناها يعبر عنها بحرية وبدون قيود بلهاء، مثل الإساءة للسمعة أو تبييض الوجه والكفين من خطايا البشر، ولهذا فهم قوم أسوياء يبدعون كالأسود. أما نحن بفنوننا التى يعتمد أغلبها على إبداع القرود والحديث عن المحاسن فقط فى البشر دون الأخطاء فهو فن زائل كاذب لن يبقى لأنه غير حقيقى، مجرد تعبئة لشرائط لن تعيش.. فقط الفن الصادق الحقيقى هو الذى يبقى أما غيره فيغرق فى بحر النسيان.

ليتنا ندرك أن بحر النسيان غرقت فيه أقوام قبلنا وسيأتى من يغرق فيه بعدنا فإن لم نستطع أن ننجو بعلمنا فعلى الأقل بفنوننا.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة