شريف حافظ

لا شماتة فى المرض والموت

الإثنين، 12 يوليو 2010 07:17 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
جاء فيما يشبه نشرة إخبارية على إحدى القنوات الفضائية ذات الطابع الدينى، ما يلى: ".. وراح نصر أبو زيد.. اتكل على الله! مات نصر أبو زيد .. الدكتور نصر حامد أبو زيد مات عن عمر يناهز 67 عاما! نصر أبو زيد: كلكم عارفين قصته، وقلناها منذ أسبوع لما كان بيعانى فى مستشفى فى 6 أكتوبر .. لا يتكلم .. عقله متوقف .. فاقد النطق، فاقد الكلام!! يعنى فاكرين أنه هو الدكتور نصر كان قدم بحثا للأستاذية .. الدكتور عبد الصبور شاهين اتهمه بالكفر والإلحاد، لأنه أخضع النص القرآنى للنقض والتجريح وأنه يجوز الحذف والتعديل والتبديل وتعديل النص القرآنى بمقتضى العصر والزمان، لأنه فيه آيات مضى عليها الزمن وعف عليه الزمن، فلا تصلح ولا تصح! .. الدكتور نصر حامد أبو زيد قلنا إنه أكثر من شهر ونص ضربته فيرس أو فيروس .. ضربه فى مخه .. فى عقله فتوقف تماماً.. توقفت الذاكرة .. اتمحت .. باظت .. "هنجت" .. فقد الكلام.. فقد الحركة .. فقد النطق، فعتموا عليه وما حدش يزوره خالص! بتفكرنى قصة الدكتور نصر حامد أبو زيد بقصة النمرود "ألم ترى إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن أتاه الله الملك، إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأتى بها من المغرب فبُهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين"..

المعروف فى التفسير بالنمرود! عمل إيه؟ عمل إيه؟ ربنا سبحانه وتعالى .. أرسل له ذبابة .. حشرة من مناخره دخلت إلى عقله! فتطن .. فالرجل منزعج فلا يهدأ إلا إذا ضرب على رأسه بالحذاء!! .. على أية حال، .. هذا شأن من يحاج الله ورسوله" (انتهى الكلام)

سئلت يوماً من صحفى أجنبى، حول من أرى أنه يشوه الإسلام؟ فقلت، إن أكثر من يشوه أية فكرة، إنما هم "المغالون" فى الدفاع عنها، لأن الفكرة فى حد ذاتها تدافع عن نفسها! كما أن من يشوهها أيضاً هم هؤلاء، الذين يتقولون عليها، ويدخلون فيها، ما ليس منها، أو يدافعون عن أخطاء يقترفها قادة الفكر فيها، ويجعلوا منهم قديسين، وكأنهم تجسيد للفكرة ذاتها! إن الدين الاعتدال والوسطية، ولا شماتة فى مرض أو موت، لأن هذا سلوك عدوانى، يؤدى إلى ردود فعل، تزيد الضغينة بين البشر وتؤجج نير الانتقام بينهم، فى حدث، يحدث كل يوم للجميع، ولا يوجد من هو بعيد عن المرض، كما يستحيل، ألا نموت جميعاً!!

لقد رأيت صورة بثها أحد المُغالين فى الخصومة مع الإسلاميين، للشيخ أحمد ديدات، رحمة الله عليه، حين كان مريضاً، وقد ظهر الرجل فى حالة يُرثى لها فاتحاً فاه، فى مشهد لا يفرح لمشاهدته، إلا من لا يعرف، أن الله يمكن أن يبتليه أو يبتلى عزيزُ، لديه بما فى هذا الشيخ أو بأكثر منه، فأرسلت لمن بث هذا المشهد، بأنه من "العيب" الانزلاق إلى تلك الطريقة، ولندعو للرجل بالرحمة، حيث إنه قد مات وإن رفض فكره، فان الأجدى به أن يكتب يعرض رؤيته لأن الفكر إنما يحارب بالفكر، إلا إن كان ضعيفاً فى قدراته العقلية!

وطريقة الموت، تكون وفقاً لإرادة الله عز وجل، فلقد مات الحسين بن على وعبد الله بن الزبير، رضى الله عنهما، ومُثل بجثتيهما، وهما من هما فى تاريخ الإسلام، فهل حاجوا الله ورسوله؟؟؟

إن مستشفياتنا مليئة بالكثيرين ممن ابتلاهم الله بأمراض لا علاج لها ولدينا الكثيرون من الذين يموتون يومياً، فهل ترسل تلك القناة الفضائية الدينية، رسالة مؤداها أن نشمت فى الناس ممن قال الأطباء عنهم، أن لا شفاء لهم، ونجلس فى مجالسنا نضحك لموتهم شر ميتة ونستشهد بآيات الله فيهم بدلاً من الترحم عليهم والدعاء بأن يقبل الله أعمالهم ويحاسبهم كما يرى؟ هل تلك أخلاقيات دينية؟ وهل تلك ضمن رسالة الأنبياء والصديقين والصحابة والتابعين؟ أليس هذا تأله على الله عز وجل، وخروج عن رسالته بأن يحاجج هؤلاء الفكر بالفكر، كما حاجج الله الكثيرين فى القرآن العظيم؟

كنت أتصور أن تقوم القنوات الدينية بإرسال رسالة رحمة فى وفاة عالم أضاف إلى الفقه الدينى، وأن تكون قائدة وليس منقادة تجرى وراء الرعاع، ممن لا يقرأون، وأن تعرض كتب الفقيد مفندة إياها، بما تراه علمياً، وأن تتذكر مقولة الإمام الشافعى، رحمة الله عليه، " قولى صحيح يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب"! وبالتأكيد ينهى الخُلق القويم عن الشماتة فى المرض أو الموت، لمن يسمون أنفسهم رجال دين، قبل غيرهم!

* أستاذ علوم سياسية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة