الحلقة السادسة.. من رائعة الأديب الكبير صنع الله إبراهيم : الجليد

الخميس، 27 يناير 2011 11:02 م
الحلقة السادسة.. من رائعة الأديب الكبير صنع الله إبراهيم : الجليد صنع الله إبراهيم

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ملخص ما نشر.. الأحداث فى السبعينيات.. يبدأ شكرى فى الخامسة والثلاثين رحلته ضمن الدارسين الأجانب فى موسكو عاصمة الاتحاد السوفيتى، فى بيت المغتربين «الأبشجيتى» فى غرفة مع ثلاثة آخرين، الوقت شتاء والجليد يغطى الأرض والشعارات الشيوعية فى كل مكان.

يتنقل شكرى مع رفقاء وزملاء بين المطاعم ومحطات القطار والحافلات ويسهر فى أحد مطاعم موسكو وبين تنقلاته نتعرف منه على زملاء من دول عربية وأوروبية من اليساريين فى بلادهم الذين قدموا للدراسة والإقامة فى الاتحاد السوفيتى.

فى الفصل التالى يواصل شكرى توغله فى المجتمع وعمله على الآلة الكاتبة، ويواصل عمله فى الصحف المصرية فترة حرب يونيو 67 وخلال هذا ينسج علاقات مع الفتيات مثل باقى الدارسين.
فى الفصل الثالث يضيق شكرى بالأبشجيتى ـ ـ وينتقل ليسكن لدى عجوز وحيدة تنام فى المطبخ وتؤجر له الغرفة الوحيدة.
فى الفصل الرابع تحمل الصحف أنباء تصفية الفدائيين الفلسطينيين فى لبنان على يد الجيش، وتتوالى مواقفه مع العجوز صاحبة الشقة ويلتقى فى علاقة مع مادلين، ويقرأ قصائد للشاعر المتمرد يوفتوشنكو، تناول العشاء فى مطعم مع هانز، ومادلين وإيزادورا التى ذكرت أنها افترقت عن صديقها البرازيلى وينامان مع الفتاتين ويحدثه هانز عن الاختلاف بين الفتيات فى العالم.

يذهب إلى الأبشجيتى ليحضر بعض الصحف، ونعرف أن القذافى أعلن تأميم شركة أمريكية للبترول والاعتراف بجمهورية ألمانيا الشرقية. يسخرون من النظرية الثالثة التى يدعو إليها ضد الرأسمالية والشيوعيين الرجعيين.
وينتهى بقاء شكرى لدى العجوز ويعود إلى الأبشجيتى.
فى الفصل الخامس نحن فى الخريف بدأت عمليات طلاء الجدران السنوية استعداداً للفصل الدراسى القادم واستغلالا لخلو الأبشجيتى بيت الطلاب من الطلاب، طلبت منه القومندانة إخلاء الحجرة لدهانها يتوجه إلى مكتبة لينين التى تضم ملايين الكتب فى وسط المدينة، طلب بعض الكتب وتوجه إلى مطعم لتناول الطعام، الصحافة السوفيتية تتحدث عن محاكمة المنشقين فى موسكو.

عاد هانز مع بدء الدراسة، يذهب شكرى معه إلى المعهد، ويلتقى مع زويا ويحاول أن يقيم معها علاقة لكنها تشكو له من سخرية الآخرين منها وتفكيرها فى هجر زوجها.
فى11سبتمبر وقع انقلاب عسكرى فى شيلى ويقتل الرئيس سلفادور اللندى، بعد حصار الانقلابيين لقصر الرئاسة، وصل لطفى من مصر طالب دكتوراه، سأله شكرى عن الأوضاع فى مصر، قال: زى الزفت. الشباب مهتم بشىء واحد هو الكاراتيه والجميع يعانون الغلاء والفوضى والتكالب على المال أقرضه لطفى كتاب «عودة الوعى» لتوفيق الحكيم ويواصل شكرى عمله وعلاقاته مع تاليا وزويا وهانز.

يسمع شكرى ضجة ويفتح باب الغرفة ويكتشف أن بلماجد الجزائرى أقام حفلة دعا إليها الطالبات الجديدات.. أحضر بلماجد عددا من صحيفة الهيرالد تريبيون الأمريكية وبها تعليق يقول إن هناك مفاوضات للصلح بين العرب وإسرائيل، لكن العرب يشترطون أن تتم عملية انتصار شكلية لإقناع شعوبهم بقبول الصلح.
...

(76)
ظهرت شمس قوية فى النافذة. أقنعت هانز بالخروج. لم تكن هناك ضرورة للمعطف. الجو دافئ بلسعة برد خفيفة والهواء نقى. مضينا فى الشمس. شمس. شمس. هدوء وروعة. خرجت موسكو كلها تستمتع بالشمس. سرنا بين الحدائق فى الطريق إلى المعرض.
أمام كشك تابع لحانوت كبير ابتسمت فتاة لهانز. عرض عليها أن ترافقنا هى وزميلتها. طويلة ذات سيقان جميلة. قصيرة النظر قليلاً. فى أصبعها خاتم زواج. قالت بعد أن تكلمت مع صديقتها إن ليس لها اعتراض من ناحية المبدأ لكنها اليوم متواعدة مع زوجها. عرضت أن نلتقى بعد ظهر الغد. جاء الزوج بعد قليل. شاب وسيم. ودعناهم وواصلنا السير.
أشرفنا على غابة صفراء فى الساعة الثانية. أوراق الأشجار صفراء أو فى طريقها إلى الصفرة لكنها ليست ذابلة. تتخللها الشمس فتضيئها وتلتمع. حولها حقول تجريبية احتفظت بخطوطها الداكنة. جلسنا على أريكة حديدية. بالقرب منا جلست امرأة تتأمل ساقيها وركبتيها بإعجاب وقد عرضتهم للشمس. تحدث هانز بصوت هادئ عن أفلام فللينى. قمنا وواصلنا السير. أشرفنا على بحيرة صغيرة بها عدة قوارب وحولها زخارف أنيقة. قال إن لكل جمهورية ركنا خاصا بها فى المعرض وهذا الركن لابد خاص بإحدى جمهوريات البلطيق فهذه الأناقة لا تأتى إلا منهم.
واصلنا السير وسط الهدوء الشامل وقد اختفت الموسيقى العسكرية. أحاطت بنا الأشجار بألوان تبدأ من الأحمر القانى إلى الوردى والأصفر والأخضر. وفوق سطح البحيرة انتشرت عدة قوارب بطيئة الحركة فى اتجاهات مختلفة. كان للمنظر كله سحر اللوحات القديمة التى استقرت فى ذاكرتى من الطفولة والمراهقة عن أوروبا أو عن السعادة. السعادة القصيرة لدقائق. كل شىء هادى وديع ساكن جميل نظيف دافىء بلا زحام أو دخان ولا ضجة أو تراب ولا فودكا أو سجاير، ولا ثرثرة ولا برد أو حر ولا وساخة.
انضممت إلى طابور طويل أمام أسياخ كفتة مشوية فوق الفحم.ووقف هانز فى طابور طويل آخر أمام كشك للبيرة. سمعت امرأة تستنكر بدائية العملية فقال لها رجل: هذا حال كل شىء فى بلدنا. وقفت خلفى امرأة جميلة الوجه وشت أناملها بعمل يدوى أو بالطهى. قال رفيقها إنه كان فى أول مايو.. قاطعته: مع من؟ قال: مع زملاء فى العمل. سخرت منه ثم خبطته على صدره فى رفق. وأفلتت منه عندما أراد أن يحتضنها. ظل فى الطابور بينما ابتعدت على مهل ثم جلست بعيدا على صندوق خشبى واشترى هو أسياخ الكفتة. ووقف يبحث عنها حتى رآها فمضى إليها ضاحكا. تابعت أسياخ الكفتة النيئة وهى تتناقص حتى انتهى آخر صندوق منها. عددت الكفتة التى فوق النار وأنا أخشى أن تنتهى قبل وصولى أمامها. عشرون سيخا وأمامى ستة أشخاص. لوكل واحد أخذ ثلاثة أسياخ أو أربعة ما تبقى لى شىء. أصبح أمامى أربعة أشخاص ثم واحد فقط. قال البائع فى حسم ستة أسياخ. أعطاه أربعة ولم يتبق إلا اثنان وقعا من نصيبى. وتصاعدت من خلفى تعليقات الاستياء.
اشترى هانز كوبين من البيرة. شربنا وأكلنا ونحن نتأمل فتاتين جورزينتين. واحدة طويلة نحيفة جداً سمراء قبيحة والثانية قصيرة قمحية بالأنف الجورزينى المعقوف. تلفتتا كثيراً نحونا. قال هانز: تعال نكلمهما. قلت: نادور سوفييتى، فى الأغلب ستقع السمراء من نصيبى ولا أريدها، والأخرى تريدك، الجميل يبحث عن الجميل. عدنا إلى الكشك فابتعنا ست ملاعق خشبية ملونة. ثم اتجهنا إلى الأبشجيتى.



(77)
وقفت فى طابور الفودكا والنبيذ واشترى هانز كالباسا، لحما باردا، وجبنا. وبالصدفة عثرت على طماطم وعنب وتفاح. اقتربت فتاة شقراء من هانز وتحسست جسمه من أعلى إلى أسفل وهى تقول له إنه يعجبها. تابع الواقفون المشهد. قالت الشقراء: تعال معنا، نحن نقيم قريباً. وأشارت إلى فتاة بجوارها. قال: لا، تعاليا أنتما معى، معى صديق. وأشار نحوى.
اتجهنا جميعاً إلى شقة عبدالحكيم. كانت الشقراء سكرانة جداً. ومعطفها غربى الصناعة من جلد الشمواه الأخضر، تحته ملابس متواضعة وقديمة. يداها غير معتنى بهما. الأخرى جسمها عريض والقميص ضيق عليها وصدرها صغير. ليست سكرانة مثل الشقراء. قالت إنها تعرف أن هانز معجب بالشقراء. نادته هذه باسم ماكس واحتضنته وقبلته. أخرجت الأخرى نظارة طبية ومفكرة وكتبت بضعة أسطر. سألتها إذا كانت تكتب شعرا. قالت: تحب أن تسمع قصيدة قصيرة؟ قلت: هاتى. قالت: نمت مع بروفسور ثم نمت مع مخرج سنيمائى ثم نمت مع سائق ولم يكن هناك فارق لأن هذا وطن السوفييت. حكت الشقراء عن صديق لها اسمه صعب وكيف كان يغنى. سألتها عما تفعل فى الحياة. قالت إنها فى معهد المسرح. قالت صاحبة العوينات إنها تدرس الطب. غمز لى هانز أننا نسمع أكاذيب. دق التليفون. رد هانز وسمعته يقول: دا دا، تلفنى عندما تخرجين. رددت السكرانة إنها معجبة جداً بماكس وقبلته. قالت لها صديقتها فى حدة: اوقفى هذا، سألها هانز: لماذا؟ أى حق لك؟ قالت: لى حق، اسألها. قالت الأخرى: أجل لكنى أحبك. وقبلته. قالت صديقتها: سأذهب من هنا. قال هانز للسكرانة: ابقى. قالت: إنها تريدنى أن أذهب معها. أمسكتها من ذراعها وقادتها نحو الباب قائلة كأنما تلاطف طفلاً: سنأتى إلى هنا غداً، وسنجده، تعالى. غادرتا الشقة. تركت الشقراء خلفها زجاجة ليموناده كانت فى حقيبة يدها.
تلفنت لجاليا. نفذت نصيحة هانز. قلت لها إن اليوم عيد ميلادى. وأريدها أن تأتى لنحتفل سويا. قالت إنها منهمكة فى تنظيف الغرفة..قلت: تلفنت لك يوم السبت ولم أجدك. قالت: كنت عند أختى. ثم سألت: متى تلفنت؟ قلت: الساعة الثالثة. قالت: كنت موجودة. قلت: تلفنت بعد ذلك. قالت: كنت موجودة وربما كنت خرجت لحظة، كلمنى بعد نصف ساعة. الساعة 8:30 كلمتها. أعطيت هانز سماعة التليفون. يبدو أنها سألته عما إذا كان عدنان قد أرسل لها شيئا. ثم قالت إنها سمعت أنه تزوج. أنكر هانز أنه يعرف شيئا عن ذلك. أعاد السماعة مكانها وقال إنها ستتلفن بعد نصف ساعة. وإن لم تفعل نكلمها فى التاسعة والنصف. كلمناها فقالت إن ناتاشا لم تأت حتى الآن. لكنها إذا لم تظهر حتى العاشرة ستأتى بمفردها.
اتصلت بها الساعة 11 قالت إن ناتاشا جاءت. تلفنت بعد عشرين دقيقة فقالت إنهما ستأخذان تاكسيا وتأتيان على الفور. بعد عشردقائق دق الباب وأسرعنا نفتح وإذا بها الفتاة ذات العوينات تسأل عن صديقتها فقد اختفت. انصرفت فجلسنا فى صمت وهانز يقرأ. قمت أعد قهوة. جاءت جاليا الساعة 21 كانت فى ماكياج ثقيل وقميص مشجر يخفى صدرها تماماً وفوقه بلوفر كحلى خفيف. بنطلون أزرق بثنية عريضة. أناقة وبساطة. هنأتنى بعيد ميلادى. قلت إنى ولدت فى هذه الدقيقة تماما. قالت لماذا لم تقل ذلك من قبل. أحضرت زجاجة الشمبانيا من الثلاجة. تأملت يدى جاليا وأصابعها الممتلئة الطرية التى تنتهى بتقوس ممتلئ أسفل ظفر طويل. تخيلت أنى ألمس الجزء الأملس السفلى لإصبعها حتى ظفرها. شربنا نخبى. قلت إنى نزلت من بطن أمى ماشياً ومضيت إلى آخر الحجرة ثم وقعت. اتسعت عيناهما فى دهشة طفولية.. حكت ناتاشا عن زميلة لها كانت على علاقة بطالب عراقى ثم سافر بلا عودة. قالت إنها أخذت منها بلوفر ثم أنكرت وأحضرته فى حقيبة وأصرت ناتاشا على فتح الحقيبة فوجدته. وقالت إنها تشخر عندما تنام ثم تقوم لتأكل قطعة تفاحة وتواصل النوم. وصفتها بأنها كسولة لا تغسل الأوانى وتذهب بصعوبة إلى المعهد، وتأتى لها فتاة تقرأ لها الحظ، وتتردد على أطباء نفسيين وعصبيين. الساعة الواحدة صباحا. قالت جاليا: يجب أن ننصرف. أوصلناهما بتاكسى إلى منزلهما.

(78)
تطلعت من النافذة إلى الألوان الطبيعة المتدرجة: أصفر ثم أصفر داكن ثم أخضر فاتح ثم أخضر داكن فأحمر ورمادى فى الخلفية. تحولت أتأمل أكوام الصحف. ما زلت أقرأ كل يوم صحف شهر كامل ثم أرتاح فى اليوم التالى.
ارتديت ملابسى وخرجت. ركبت المترو إلى وسط المدينة. مشيت فى بروسبكت ماركس العريض المتصل بشارع ديرجينسكى من ناحية وبميدان سفردلوف من الناحية الأخرى. مررت من أمام مبنى الـ«ك ج ب»، المخابرات. لاحظت أن المارة يتهيبون المرور أمامه فينتقلون إلى الرصيف الآخر. مضيت إلى ناصية شارع جوركى وميدان الثورة. فندق انتوريست ذو الواجهة الزجاجية الحديثة والقبيحة. استقبلنى وجدى بحرارة. صحفى مصرى يكبرنى بعشر سنوات. متين البنية أصلع الرأس. ملىء بالحيوية. كان يمت بصلة قرابة إلى أحد الوزراء وربما كان هذا هو السب فى تعيينه مراسلاً صحفيا فى شرق أوروبا. وربما كان السبب علاقته بأجهزة المخابرات المصرية. قدمنى إلى المترجمة المكلفة بمرافقته. سمراء قصيرة ظننتها عربية ثم تبين أنها أرمينية تجيد لغتنا. تدعى لينا. خفيفة الظل وذكية. تفهم النكتة. أنصتت الفتاة بانتباه وهو يقول إن السادات ينظم كتائب مسلحة للقضاء على الشيوعيين واليساريين فى الجامعات وترفع شعار «العقيدة ولا سيناء» وتقصد به أن الدفاع عن العقيدة الإسلامية أهم من تحرير سيناء. كما شاع تغطية النساء لرؤوسهن وسيقانهن.. تحدث عن الإعدامات التى قام بها النميرى للشيوعيين فى السودان وكيف عين أحد المشاركين فى انقلابه وهو شيوعى منشق على الحزب، سفيرا فى الصومال وهناك قاطعه بقية السفراء.
قالت بالعربية: امشِ معنا إلى المتحف. اعتذرت بسبب موعد اللغة الإنجليزية مع زويا.



(79)
حضرت احتفال المبعوثين المصريين بذكرى وفاة عبدالناصر الثالثة. كانت هناك لوحة قديمة لورقة من صحيفة البرافدا تنعيه كبطل من أبطال الاتحاد السوفييتى وزعيم التحرر الوطنى فى العالم.ألقى أحد الطلاب قصيدة عن عبدالناصر استقبلها البعض بفتور. قال المستشار الثقافى إن الاتفاقية الثقافية بين البلدين أعفت الطلبة المصريين من دراسة تاريخ الاتحاد السوفييتى والفلسفة المادية والاقتصاد السياسى والشيوعية العلمية. صفق المبعوثون. اعترف بأن نظام التعليم السوفييتى من أحسن نظم التعليم فى العالم. فبعد عشر سنوات من دخول التلميذ المدرسة يحصل على الثانوية العامة فليست هناك مرحلة ابتدائية وأخرى إعدادية، ولا يوجد تخصص علمى وأدبى أو رياضة أو ثانوى زراعى أو صناعى وتجارى لكن الجميع يحصلون على شهادة واحدة كما أنه لا توجد دروس خصوصية. حذر الطلاب من أن زملاءهم الروس يكتبون تقاريرا عن سلوكيات وأخلاقيات وانتماءات كل أجنبى ترفع إلى أجهزة المخابرات.
دار الحديث عن السلع الرخيصة التى يجب العودة بها إلى مصر: المعدات الكهربائية من مكانس وماكينات خياطة وخلاطات. قال المستشار إن أرخص شىء هو الطعام وأسطوانات الموسيقى والسكن.
6 أكتوبر 73 قامت الحرب، ورقة من زويا، والثغرة، زويا، معها فى فندق روسيا، زويا عند عبدالحكيم، وجدى ولينا، سفر وجدى/لينا/مصريون/ لطفى/ الثغرة، حفلة عند ريتا/ أناستاسيا/، ميخا يحضر سفيتلانا، وزراء البترول العرب يقررون خفض الإنتاج، وقف إطلاق النار، هانز وأناستاسيا، سفيتلانا، الجزائرى وصديقة البلغارى اليهودية، الأذربيجانية، عودة شريف من سوريا، حفل المعهد بمناسبة عيد أكتوبر، التشيكية ونحن، هانز وأناستاسيا وزويا، سأكون لك،، رواية نورمان لويس، تامارا، صحف أيلول/أنلستاسيا، فى غرفة أناستاسيا مع هانز وإميليا، تليفون من سيجريد، فى حجرتها، فاليا المتكبرة، زويا ثملة. وجدى وكيلوتاته ثم سيجريد/ فاليا، فايزة. لونا تقرأ البخت.. سائق عن إسرائيل.. ناديا، مشى فى الثلج، عند تادرس.

(80)
«عزيزى هانز أنا موجود عند لطفى. قامت الحرب مع إسرائيل اليوم 6 أكتوبر ظهرا». علقت هذه الورقة على باب الغرفة ونزلت إلى لطفى. وجدت نعيمة زوجته منحنية على جهاز راديو روسى الصنع فى حجم حقيبة السفر. قالت إن هناك أنباء غير واضحة وإن جميع الطلبة العرب الذين قابلتهم يعتقدون أن إسرائيل ضربتنا.
صعدت إلى الغرفة فوجدت ورقة من زويا عليها رسم فتاة وتحتها كلمة: تحياتى. نزلت مرة ثانية إلى غرفة لطفى. إذاعة القاهرة تذيع مارشات عسكرية. محطة عربية لم نتبين مصدرها تقول إن مصر هى التى بدأت القتال. أحسسنا بالذهول والخوف من تكرار مأساة 67. تذكرت أغانى ذلك الوقت: «يابوخالد ياحبيب، بكرة ندخل تل أبيب»، وأم كلثوم وعبدالحيم حافظ. كيف يمكن أن نكون نحن البادئين بالهجوم؟. بحثنا عن راديو الحرية الأمريكى بين 14 و16 على الموجة المتوسطة. لم نتمكن من سماع شىء بسبب التشويش المستمر عليه. ثم التقطنا البيان العسكرى الذى أعلن نجاح عبور القناة فى الساعة الثانية ظهراً. سقط خط بارليف الذى تكلف 228 مليون دولار. كان صوت المذيع رصيناً هادئاً على عكس بيانات 67 الهستيرية. قال لطفى: شهر رمضان كريم. قالت زوجته: إحنا جدعان. قال حسونة النوبى: الرجل عملها، مصر تحارب دون معونة سوفييتية، وبقيادة الرئيس المؤمن المعادى للإلحاد. انضم إلينا حميد. كان قلقا على دمشق التى تعرضت للقصف. لكن القوات السورية صدت الهجوم الإسرائيلى ونجحت فى تحرير بعض المواقع ومنها جبل الشيخ.

(81)
جاءت زويا إلى الحجرة بعد الغروب. تجاهلها هانز واستغرق فى أوراقه. عاتبتنى: أنت تتكلم كثيراً. قبلتها فاحتضنتنى فى تردد. قالت إنها تشعر نحوى بكثير من الود. قبلتها ومصصت لسانها. شربنا نخب نجاح عملية التحرير وقالت: سلاحنا فى أيديكم القوية ينجح. لم تمكث طويلا.
عرضت على هانز أن ينزل معى إلى غرفة لطفى. امتنع قائلا إن علاقته بالطلبة العرب أثارت تقولات ضده. حكى أنه فى عامه الدراسى الأول كان يتناول الإفطار مع طالب عراقى وزوجته كل يوم، وكان هناك طالب سورى مغرم بالعراقى ويجلس دائما عند قدميه، فتشاجرا سوية وانضم السوريون إلى مواطنهم. أبديت أسفى. قال: الروس أيضا لا يحبوننى فأنا أذكرهم بالجرائم التى ارتكبها النازى فى بلادهم.



(82)
اليوم الثالث للقتال: تقدمت القوات المصرية داخل سيناء.أعلن المتحدث العسكرى المصرى أن خسائر إسرائيل فى 3 أيام بلغت 80 طائرة و821 دبابة.
اليوم السادس: مراسل اليونايتدبرس: معارك برية وجوية عنيفة، إسرائيل أخطأت فى تقدير خطر الصواريخ السوفييتية، أمريكا تبدأ فى شحن طائراتها بالصواريخ لإرسالها إلى إسرائيل التى حصلت بالفعل على 48 فانتوم جديدة، مر 150 طياراً أمريكياً بمطار مدريد فى طريقهم لإسرائيل.
اليوم الحادى عشر: أعلن الاتحاد السوفييتى لأول مرة أنه يمد مصر وسوريا بالأسلحة والمعدات لمساعدتهما على تحرير أراضيهما. أصبح الطلاب العرب خبراء فى التحليل العسكرى. إذا تقدم الإسرائيليون فهو تراجع تكتيكى من السوريين ليقوموا بحركة التفاف من الناحية الأخرى. قلت لحميد: الأمر ليس أكثر من مغامرة. فالأنظمة العربية لا يمكن أن تحقق شيئا غير الهزيمة.

(83)
أخذت زويا فى الخامسة إلى فندق روسيا. كان وجدى قد أعطانى مفتاح حجرته ووافق أن يتغيب ساعة. ليس هناك روح فى جلستنا. قالت إن هانز ملها. سألت إذا كان هناك نبيذ. قلت: لا أريدك سكرانة. قالت: أنت تريد الرأس وهذا صعب. محاولات باردة للتقبيل. قلت لها إنى أردت أن أذهب بها إلى شقة، وأمامنا الآن ساعة. قمت إلى الحمام وعند عودتى لمحتها تبتلع شيئا بسرعة. دواء لمنع الحمل؟ أولرفع الروح المعنوية؟ تمددنا على الفراش. دق التليفون. لم أرفع السماعة. حاولت إقناعها بخلع ملابسها دون جدوى. دق وجدى الباب. طلبت منه أن يعطينى بعض الوقت فانصرف. دق التليفون من جديد. قررنا الانصراف. أوصلتها إلى منزل أمها على أن نذهب فى الغد إلى شقة عبدالحكيم لدرس اللغة الإنجليزية.



(84)
التقينا صباحا بالمعهد. غادرناه سويا ومشينا فى صمت. أعطيتها رقم تليفون عبدالحكيم واتفقنا أن تتلفن فى الساعة الرابعة. اشترت معجون أسنان.
جاءت فى الخامسة. تبذل محاولة لاصطناع المرح. قالت: نشرب قهوة ونعمل. وبسطت أوراق اللغة الانجليزية. فجأة جاء عبدالحكيم وقال إنه يريد الشقة. شعرت بالارتياح. غادرنا المسكن إلى الأبشجيتى. فى الباص جلسنا متجاورين فى صمت. كانت حزينة. هل تقارن شعورها نحوى بشعورها نحو هانز؟ كان باب غرفة لطفى مفتوحاً وقد تجمع عنده عدد من الطلبة العرب يسمعون الأخبار. انضممت إليهم وصعدت هى إلى طابق البنات.

(85)
ذهبت مع وجدى ولينا إلى باليه بجانينى. لم أجد بطاقة لى. أقنعتهما بالدخول ووقفت فى الخارج انتظر فرصة لشراء بطاقة. قال البواب العجوز فى اعتزاز وهو يغلق باب المسرح: ليست هناك سوق سوداء فى بطاقات البلشوى. انصرفت.
جلست فى الباص أمام امرأة تضم كلبا إلى صدرها. وجهها متورد مستدير بارز عضام الوجنتين بشكل واضح. فم كبير وعينان زرقاوان. الشعر فى حلقات مهوشة تحيط بوجهها. تأخذ ملامح وجهها دائماً صورة الطفل المدلل فتمد بوزها إلى الأمام. الكلب صغير الرأس جداً. يتطلع فى كل اتجاه فى ذكاء. معها شخص خجول بعض الشىء. وضعت رأسها على كتفه وقالت إنها متعبة.

(86)
فى الصباح كانت طبقة بيضاء تغطى أطراف النوافذ. وسبائخ الثلج تتطاير بكثافة. اختفى الوحل أسفلها وتلاشى اللون الرمادى. أصبحت المدينة العابسة القاتمة فاتنة البياض. واستولى الفرح على أهلها. الجميع يبتسمون، يركضون فى الشوارع، يمدون أيديهم ليتلقفوا السبائخ المخملية ضاحكين. وجرى تشغيل غلايات الماء الساخن فى الأبشجيتى وبالتالى التدفئة. سافر وجدى بعد منتصف الليل. أوصلناه أنا ولينا إلى المطار فى سيارة رسمية. مر طاقم الطائرة المصرى بحقائب ممتلئة. توقف أحد أفراده أمام كشك الأدوية واشترى 30 علبة فيبراتوكس. أبدت البائعة دهشتها من العدد فقال إنه سيعطيها إلى أصدقائه ومعارفه. اشتريت علبة فيتامين. عند العودة فى الطرقات الخالية مررنا بمتحف الثورة. ظهر فجأة موكب غريب صامت من نساء غطين رؤوسهن بالشيلان وسرن فى صفوف من أربعة أو خمسة تحت الثلج المتساقط فى إتجاه الميدان الأحمر. قال السائق إنهن ذاهبات إلى الجوم ليقفن فى طوابير الشراء حين يفتح فى الثامنة. عقب فترة أن هناك قسما خاصا فى حانوت البقالة فى ميدان سمولينسك يخدم الناس المهمة والنجوم فيبيع لهم اللحوم والكافيار والكونياك والسوسيس بالتليفون، بينما يقف العاديون فى الطوابير ساعات. تجنبت لينا التعليق. قالت بعد لحظة إن الأحذية الشتوية تباع بـ180 روبل. أضافت إن عيد ميلادها يحل فى الشهر القادم. قلت: هل أنا مدعو لأكل الضلمة؟ قالت: فقط؟ ظننت لترانى. قالت إنها كانت تريد أن تصبح مروضة أسود. داعبتها: واستبدلت الأسود بالرجال؟ قالت إنها رفضت الزواج عدة مرات. فكرت أن الحياة مع واحدة كهذه تكون مشوقة. تعجبنى عينيها عندما تبتسم وتظهر فيهما شقاوة وعبث وذكاء ومرح. أخذت رقم تليفونها. غادرتنى بالقرب من الحى الدبلوماسى. داهمنى إحساس بأنها تعيش مع رجل عربى.
التقيت فى مدخل الأبشجيتى بلطفى يدخن. قال إن هناك أنباء غامضة عن تسلل إسرائيليين عبر القناة.



(87)
نظمت تاليا سهرة راقصة فى غرفتها. بلماجد نجم السهرة.رقص مع تاجيكية وسط الحلقة باذلا مجهوداً خارقاً وهو مستمتع بتصفيق الجميع لهما. ثم رقص مع صديقته، سمراء خمرية ذات عينين عسليتين جميلتين وشفاه ممتلئة. دخل طالب روسى برفقة فتاة طويلة فى مينى جوب وسيقان متناسقة وصدر متوسط الحجم فى بلوزة سوداء بنصف كم. اشتركت معه فى رقصة بطيئة. أسندت رأسها إلى كتفه وهى تتأمل حولها فى فتور. جلست بجواره حتى حانت الرقصة التالية. ظهر فجأة بلماجد أمامها طالبا إياها للرقص فى اللحظة التى مد الروسى يده ليرقص معها. امتعض الروسى وتهلل وجه الفتاة. رقصت مع بلماجد وبادلته الحديث فى مرح. والروسى يرقبهما فى وجوم.
انضمت إلينا أنستاسيا. طويلة ضخمة ذات وجه أسمر عريض جذاب وابتسامة خجولة. كانت متأنقة وقد صففت شعرها الغزير. سألتنى عن هانز. جاء مجلسى بجوار أنار الكازاخية. سألتنى هى الأخرى عن هانز وإذا كان سيأتى. سألتها بدورى: هل ستنتظرينه؟ قالت سأفعل. تأملت فتحة صدرها ووجهها الذهبى وشفتيها القرمزيتين وعينيها الضيقتين. أداروا موسيقى كازاخية مليئة بالحيوية. قالت: لا أريد الرقص لأنها موسيقاى ومللت منها، أشعر بنفسى عجوز، لم يعد هناك ما أريد فعله. سألتها عن عمرها. قالت: 21 سنة. انفجرت ضاحكاً. رقصت معها مرة. تحاول أن تمدنى بالثقة فى أنى راقص جيد واستسلمت بدورى للإيقاع فى حماس. تركتنى ودعت شابا أشعث الشعر يجيد الرقص.
كل ربع ساعة تظهر شقراء الكوريدور المترنحة التى سبق أن أعلنت ذهابها إلى التواليت. تدخل مندفعة وتتطلع حولها بعينين زائغتين من السكر ثم ترتمى فى أحضان واحد وترقص معه. ثم يختفيان بعض الوقت ويعودان وهو يتطلع حوله بابتسامة المنتصر.

(88)
جاء ميخا إلى حجرتنا وشعر أننا نستقبله ببرود فمضى وأحضر طالبة تشيكية تدعى سفيتلانا زاعما لها إنها حجرته وإننا نريد التعرف عليها، كانت طويلة للغاية نحيفة ذات وجه ملائكى وشعر أشقر. قدرت عمرها بالعشرين. دبت فينا الحيوية. احتكر هو الحديث طويلا، محدثا ضجة، مستخدما كل مافى جعبته من معلومات شخصية مبالغ فيها عن الطلاب والأساتذة. قال لها إنى من بلد عمر الشريف قالت: كنت أظنه لبنانيا كما ذكر لى أحد اللبنانيين. خرج ميخا عندما طلبنا منه الصمت، صنعنا قهوة ثم فتحنا زجاجة فيرموت احتسيناها فى استمتاع ونحن نتكلم فى هدوء. قالت إنه منذ التدخل السوفييتى لم يعد هناك أدب أو فن فى تشيكوسلوفاكيا. حكيت لها عن المرة التى زرت فيها براغ وكيف خرجت بانطباع مقبض. سألت عن وضع المرأة عندنا. شكت من أنها لم تتعود على الاتحاد السوفييتى بسرعة. الطعام وطريقة التعامل وغياب الأناقة فى الخدمة. أعددنا طعاما وفتحنا زجاجة فودكا شربناها مع مياه الفلفل الأخضر المخلل. دخلت ريتا ترقص قائلة إن حبيبها الجديد سيأتى إليها الآن. طلبت منى أن أدعوه فخرجت ونزلت إلى الطابق الأرضى. لم أعثر على الحبيب المزعوم. تلفنت لعبدالحكيم متسائلاً عن الأخبار. قال إنه الآن فى حالة عصبية خوفاً من أن توافق مصر على وقف القتال. لم أجد سفيتلانا عند عودتى.

(89)
قرر وزراء البترول العرب خفض الإنتاج فوراً بحد أدنى 5 بالمائة ترداد بنسبة مماثلة كل شهر إلى أن تجلو إسرائيل عن الأراضى التى احتلتها سنة 76. ارتفعت أسعار البترول العالمية.
ساد الوجوم مع إعلان السادات وقف إطلاق النار بين مصر وإسرائيل بعد 71 يوما من القتال الشرس. ضاع وهج الانتصار. دارت مناقشات حامية فى غرفة لطفى عن معنى الأمر. البعض اعتبر ذلك نصراً لإسرائيل ومظهراً للتواطؤ بين السادات والغرب.
عاد هانز فى العاشرة والنصف. قال إنه كان عند إنستاسيا. قالت له إنها تنتظره منذ عامين.



(90)
وأنا خارج من درس اللغة الروسية لقيت سفيتلانا فى مينى جوب كشف عن ساقين رائعتين. ثرثرت معها قليلاً مطرياً ساقيها. ابتسمت فى خجل. رافقتها إلى صالة الطعام. عدت إلى الأبشجيتى فى طريق غطاه الثلج. بعد الظهر استقبل هانز فتاة أذربيجانية سمينة. متوسطة الجمال. أبوها كاتب معروف. خجولة بارتباك العذارى. لا تدخن ولا تشرب الكحول. حين قدمنا لها سيجارة أخذتها مترددة وهى تقول: أخشى أن يرانى أحد الأذربيجانيين. سألها هانز عن الحياة الجنسية لأبيها فأصيبت بالذعر. استنكرت أن يكون لأبيها حياة عاطفية بعيداً عن أمها. ثم قالت إنه ليس لديه الوقت لذلك. دار الحديث حول أذربيجان والتقاليد الرجعية التى يتمسك بها أهلها. قالت بدون مناسبة إنها تنتظر الحب الكبير العظيم الذى يهزها هزا. وإن أمها تبكى وتقول لابد لها من الزواج هذا العام. بدأت ترسمنا. رسمت لى بورتريها بوجه حزين. رسمت هانز باسما منتعشا. وكتبت له على الصورة إنها تتمنى أن يبقى كما هو. ثم قالت: كنت أتمنى أن أرسمك منذ أربع سنوات عندما كنت بغير شارب، ولكنك كنت أكبر منى بأربع صفوف، وعلى أية حال الأفضل أن يتم الأمر متأخراً على ألا يتم على الإطلاق.

(91)
عاد شريف من سوريا. قال إن الجماهير تابعت فى الشوارع اسقاط الطائرات الإسرائيلية بالصواريخ السوفييتية. وإن العمال والموظفين يعانون الآن موجة من الغلاء الشديد بينما يعيش التجار أروع أيامهم ويكسبون ذهبا. ترك لنا مفتاح غرفته لأنه سيقيم عند صديقته الروسية. حكى بطريقته المرحة كيف أراد أن ينام مع فتاة أسيوية. قال: أزاحتنى عنها وسألتنى إذا كنت سأتزوجها. كنت هائجاً فكررت وأنا أخلع ملابسى: سأتزوج. سأتزوج.

(92)
أقام المعهد حفلا موسيقيا بمناسبة عيد ثورة اكتوبر الذى يحتفلون به فى 7 نوفمبر. كونشرتو ممل على البيان والكمان وعدد قليل من الطلبة. عازفة على الهارب فى رداء أبيض كلاسيكى. بدت كمومياء بعثت من القبر بجسمها النحيف ووجهها الشاحب. عزفت ثلاث قطع استجابة للتصفيق. واختارت قطعة أخيرة اسمها «وداعا للحياة»! شعرت كما لو كانت ستذهب وتنتحر على الفور. قرأت بهذه المناسبة كتاب الأمريكى جون ريد «الأيام العشرة التى هزت العالم» وهى أيام الثورة البلشفية. الفوضى الشاملة التى سادت روسيا بعد سقوط القيصرية: انتشار الأحزاب والمنظمات اليمينية، إيمان البعض بعدم إمكانية الثورة الاشتراكية فى روسيا، نظرية استحالة انتصار الاشتراكية فى بلد واحد قبل أن تكون بروليتاريا البلدان الرئيسية فى أوروبا قد استولت على السلطة. وكيف حسم لينين الأمر بشعار «السلام والأرض».

(93)
توقعت أن تكون الغرفة خالية.استعددت لإخراج المفتاح من جيبى وأنا أتساءل عن مكان هانز. ومن باب التحوط دفعت الباب بكتفى فانفتح. كان جالسا على حافة السرير ووجهه ناحية الباب وأمامه على مقعد لمحت ساقين عاريتين لفتاة: سفيتلانا.
كانت الغرفة مضاءة بمصباح المكتب. والموسيقى تنبعث من أسطوانة راقصة. وعلى المائدة زجاجة نبيذ. وكانت سفيتلانا تدخن واضعة يديها فوق ركبتيها العاريتين. سألتنى: ألم تذهب إلى أى مكان فى العيد؟ أجبت وأنا أضع شبكة الطعام على الأرض وأخلع معطفى: أبداً. وضعت المعطف فى الخزانة وقبعتى على سطحها. ثم خلعت البلوفر الصوفى ومضيت إلى الحمام فغسلت وجهى ومشطت شعرى. وعدت فشربت كأس نبيذ وجلست على فراشى وبينى وبينها مائدة خشبية صغيرة. كان الضوء بيننا ضعيفا والمائدة تخفى ساقيها. لم يكن أمامى غير وجهها وشعرها الأشقر الناعم الذى جمعته خلف رأسها.
غادر هانز الغرفة فقلت: إنها مفاجأة جميلة اليوم أن أراك بغير بنطلون.
قالت فى حياء إنها تذكرت حديثى عن ساقيها وهى ترتدى ملابسها. هبطت بعينيها إلى ساقيها وقالت إنها تشعر بعدم الارتياح لأن الجميع ينظرون إليها بينما الأمر طبيعى فى بلدها. قلت: المشكلة ببساطة أن ساقيك متناسقتان مستقيمتان بينما سيقان الروسيات معوجة وقصيرة. قمت وتناولت إحدى الأسطوانات الألمانيةالغربية الراقصة ووضعتها على الجهاز. كان غلافها يتألف من صورة فوتوغرافية لفتاة فى رداء قصير أخرجت ثديها وأمسكت بحلمته بين أصابعها وهى تتطلع إلى الكاميرا. قلت لها إن ساقيها يوحيان لى بفكرة واحدة هى تقبيلهما. قالت: ماذا؟ قلت: تقبيلهما. ضحكت فى خجل. أريتها غلاف الأسطوانة قائلاً: هنا ساقان لكنهما ليستا فى جمال ساقيك. رفعت يدها عن ركبتيها ومدتها إلى الغلاف فتجلت ساقاها فى كل روعتهما. وانعكس الضوء على الشعر الذهبى الخفيف المنتشر فوقهما. طلبت منها أن نرقص. رقصنا على مبعدة من بعضنا. أزاحت المصباح جانبا فى خجل كى لا يقع الضوء على ساقيها فضحكت وقلت إن شفتيها أيضاً تجذبانى. قالت: إذن اكتفى بالنظر إليهما. خفضت نفسها قليلاً لتصبح فى طولى. قالت إن الموضة الآن أن يمشى الرجل مع امرأة أطول منه.
دخل هانز ونحن نرقص قال: آه.. آه. قلت ضاحكاً: إذن أخرج. قالت: لا. يكفى هذا. وجلست ضاحكة. أنهينا الزجاجة. قال لى بالإنجليزية إنه يخشى أن تأتى أنستاسيا. قلت: لا يهم.
أحضرت زجاجة فودكا وكوبا من مياه الفلفل المخلل. جلست إلى يسارها على الفراش وهانز على يمينها. قالت: نعمل اختبار، ليخلى كل منكما رأسه من أى فكرة مسبقة، ويتخيل طريقاً ما يسير فيه، فيصادف وعاء، بماذا يشعر؟ وماذا يفعل بالوعاء؟ قال هانز: وعاء أرفعه وأشرب منه وأواصل السير، ينزل مطر ولكنى لا أعبأ به، أشعر بالجمال. قالت: إنه طريق حياتك، وتقابل امرأة جميلة تعجبك وتأخذها معك، تشرب ثم تمضى، فهمت؟ وأنت؟ قلت: ساقين رائعتين أصعد فوقهما بشفتى، ثم اقترب من القمة، كالقط عند طبق من اللبن. الرائحة جميلة والمذاق أجمل وأشعر بالروعة.
انحنينا وركعنا على الأرض أمام ساقيها نطرى جمالهما وهى هادئة لا تنبس. همس لى هانز بالإنجليزية أن آخذ مفتاح الغرفة الخالية وأبيت بها.
انسحبت إلى الغرفة الأخرى. جلست على حافة الفراش لا أدرى ماذا أفعل. لست هائجا ولكنى ممرور. وجدت كتابا بالعربية عن مغامرات كازانوفا. قرأت قليلا ثم رميته جانبا. مرت ساعة. تمددت ونمت. استيقظت فى الليل عدة مرات.
فى الصباح قال: رقصت معها وألصقت بطنها بى. لكنها كانت تقاوم دائما. جلست على الأرض عند قدميها وقبلت ساقيها وجذبت شعرهما، كانت توشك على الاستسلام وفجأة تقول إنها لا تريد وستكرهنى لو واصلت، ومع ذلك لم تفكر فى الانصراف.

(94)
صعد هانز بزجاجة فودكا عند أنستاسيا وزميلتها الإيطالية إميليا. لحقت به فالتقيت زويا على السلم. سألتنى باضطراب الموشك على البكاء: هل هو الآن مع أنستاسيا؟ تركتنى وواصلت الصعود. ثم نزلنا إلى حجرتنا وأكملنا الزجاجة. أحضرت أنستاسيا زجاجتين أخريين. رقصت مع اميليا وقالت إنها تصورت عارية فى حجرتها. كانت نحيفة تحيط دوائر داكنة بعينيها. قالت إن هناك سيارات أكثرفى الغرب لكن جرائم أكثر وبطالة وتضخم وأمية وكراهية ولا أحد آمن فى الشارع. لم تمكث معنا طويلاً. نامت أنستاسيا على الأرض مع هانز وأنا فوق فراشى.

(95)
استوقفتنى عبارة فى رواية «البراكين فوقنا» للكاتب الانجليزى نورمان لويس: «كانت تعانى من توق غير صحى لأن تكون محبوبة دائماً. لم يكن ما تريده هو مجرد اللقاء الجنسى. ولم تكن لتحتمل التدهور الذى تنحدر إليه بالحتم كل حكايات العشق».
ذهبت إلى المعهد قبل الظهر. لمحت فى المدخل امرأة سمراء خمرية اللون. دق قلبى عندما أدركت أنها مصرية. فوق الثلاثين، ممتلئة، ترتدى سترة وبنطلون سوداوين وحول وسطها حزام تتدلى منه ميداليات معدنية. فوق عينيها وتحت الحاجبين مساحة من الكحل الأخضر اللون. اقتربت منها على مهل. سمعتها تقول لأحد الطلاب: فى مصرلا أتحرك كثيرا فالسيارة أمام البيت. بدا عليها الارتياح لأنها نجحت فى الإعلان عن وضعها الاجتماعى. ابتعدت على الفور.

(96)
أقامت دينكا الأوزبيكية حفلا بعيد ميلادها ودعتنا. ونحن نستعد للصعود إليها جاءت زويا. مضى هانز حاملا زجاجة شمبانيا. فقالت إنها تريد أن تشرب فودكا. شغلنا الموسيقى. لحظت وجومها فقلت: ما بينه وبين أنستاسيا لا يرقى أبداً إلى ما كان بينكما. وقفنا نرقص. قبلتها وامتصصت شفتيها. طلبت منها أن تخلع جوبتها فقالت: لا أستطيع، سأكون لك، لكن يجب أن تنتظر، أحب أن ينتظرنى الآخرون، لا أريد أن أخدعك إذا نمت معك. كان خدها ساخنا كأن درجة حرارتها مرتفعة. أرادت ان تلصق بطنها بى وتحركها إلا أنى رفضت. ارتديت حذائى فقالت: الآن ستذهب لترقص. عرضت عليها أن تأتى معى فرفضت.
صعدت حاملاً زجاجة شمبانيا. كانت غرفة دينكا مزوقة بطابع شرقى. لعبة على شكل جمل ووسائد مزركشة ودفتر مذكرات به صور مآذن ومعابد، صورتا لينين وشارل أزنافور، وتمثال الماتريوشكا الذى يحتوى على تماثيل أخرى لها متتالية الصغر. كانت دينكا محاطة بصديقاتها: أنستاسيا، فاليا، لاريسا، وإميليا الايطالية وأخرى قبيحة طويلة للغاية، ثم واحدة هائلة. تامارا. ملامح شرقية وشفاه ممتلئة وجسد خرافى فى قميص ذهبى اللون التصق بصدرها. رقصت مع دينكا ثم مع تامارا. كانت تحرك جسدها وبالذات بطنها وردفاها وهى تطلق أصواتا خافتة أجشة من فمها. كأنها تمارس الجنس. رقصت معها مرة أخرى وفى وسط الرقصة قالت أرقص مع هذه الفتاة، مشيرة إلى الطويلة. اتجهت إليها فقالت إنها لا تريد أن ترقص. جلست صامتا أتأمل تامارا تبادل فاليا الحديث وهى مستلقية على فراش. كان وجه فاليا يتخذ تعبيراً غريباً. مزيج من الألم والاشمئزار. أحياناً تتكلم برقة وقد نثرت شعرها فوق رأسها. وكان هانز فى حضن أنستاسيا على الفراش المجاور. قامت تامارا إليه ودعته إلى الرقص. الأغانى إنجليزية وأمريكية وهى تترنم طول الوقت بكلماتها. قالت وهى تتطلع إلى هانز: الآن أغنية «أنا منتظرة رجلى». طلبت من فاليا الرقص فرفضت فى استعلاء. انضم إلينا شاب روسى وجلس على الفراش الآخر يتأمل مؤخرة إميليا فى البنطلون الضيق. انصرفت فاليا ثم الفتاة الطويلة. قال هانزإن لديه قطعة من حشيش كازاخستان واقترح أن ندخنها. اعتذرت دينكا ونزلنا مع أنستاسيا وتامارا. أعددنا عدة سجاير دخناها. قالت أنستاسيا إنها متعبة وستصعد لتنام. قالت تامارا إنها ستبقى قليلاً ثم تلحق بها. جلسنا على الأرض. قالت تامارا: أريد أن أطير بسرعة. أعطونى نبيذا. أغمى عليها وتقيأت ثم تمددت على الفراش. عادت أنستاسيا بعد قليل وأخذتها.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة