جمال نصار

خلق العطاء ودوره فى بناء المجتمع «2/3»

الخميس، 13 أكتوبر 2011 06:04 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
من أنواع العطاء المعنوى والخلقى والمادى الذى يأخذ مكانة بارزة فى الإسلام ويحث عليه أيضًا، الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بدرجاته المختلفة، وهو عطاء يأخذ صيغة الكلام والفعل، ويبدأ مع كل أمر من أمور الحياة دون توقف. قال تعالى: «ولْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلَى الخَيْرِ ويَأْمُرُونَ بِالمَعْرُوفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ وأُوْلَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ» «آل عمران: 104» ومن المعروف الذى يدخل فى باب الصدقة ماجاء فى أحاديث النبى صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم يغرس غرسًا إلا كان ما أكل منه صدقة، وما سُرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة»، و«الكلمة الطيبة صدقة»، «واتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة»، و«كل معروف صدقة».

والمعروف عطاء لا يتوقف، أو هو لا يكاد يتوقف عند أى حد من الحدود، وقد يظن المرء قلة شأن بعض الأشياء التى تبدو فى ظاهرها صغيرة فلا يلتفت إليها، مع أن الدين الإسلامى نبه إلى أن كل شىء يحسب له حساب، وفى باب المعروف جاء فى الحديث الشريف «لاتحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق».

من هنا نجد أن العطاء يصل إلى صورة رائعة تتكامل فيها الأجزاء وتتناغم لتشكيل هذا الكل الذى يطبع النفس على حب الخير، بعيدًا عن الوقوع فى أسر المال وغير المال من متاع الدنيا. وفى مثل هذا التكامل من العطاء وعشق الخير، تطهير للنفس وإبعاد لها عن الالتفات إلى غايات دنيوية تقيد الإنسان بقيد ثقيل، وتبقيه عبدًا لما هو زائل متغير. ومثل هذه العبودية تخرج الإنسان عن طريق تزكية النفس والوصول بها إلى بر الأمان. والإنسان فى ذلك ينسى أن المال وسيلة للعيش لا غاية يسعى إليها الإنسان.

على هذا فالحث على العطاء والبذل، تحرير للنفس قبل أى شىء آخر، وتحرير للأفكار والمشاعر والأحاسيس فى الدرجة الثانية، وتحرير للجسد فى الدرجة الثالثة، أى أنه تحرير للإنسان بشكل تام. ومن ينظر إلى صورة وسلوك الإنسان الذى يتحول إلى عاشق للمال يجد كيف تتقيد النفس والأفكار والمشاعر والأحاسيس والجسد بقيد لا يماثله قيد.

فالإنسان فى هذه الحالة مسوق دون أن يدرى إلى هاوية مخيفة من الأطماع التى تسيطر على حركة الحياة والعقل والقلب فى كل أمر من الأمور. ومثل هذا الإنسان سجين بأن يتحرر من القضبان التى وضعها وثبتها بيديه حين جعل الوسيلة غاية، وحين قلب المعادلة فأصبح المال سيدًا مطاعًا يسيطر على الإنسان ويسيره. وكأنما ينقلب هذا الحب لجمع المال إلى حية تسعى لاقتناص صاحبها وقتله قبل غيره.

وهذا لا يتنافى - بطبيعة الحال - مع السعى والاجتهاد للحصول على المال الحلال بطرق مشروعة، واستخدامه فى أعمال الخير والبر للإنسان ولمن حوله، كما جاء فى حديث النبى الكريم صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للرجل الصالح». فرحم الله عبدًا كسب فتطهّر، واقتصد فاعتدل، وذكر ربه ولم ينس نصيبه من الدنيا. ويا خيبة من طغى ماله عليه، وأضاع دينه وكرامته بعرض زائل! وكان من الذين قال الله فيهم: «وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَـارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّواْ إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا» «الجمعة:11».








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة