د. مصطفى النجار

لمن سيصّوت المصريون؟

الأحد، 09 أكتوبر 2011 04:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
استوقفتنى مساء الخميس فى شارع جامعة الدول العربية بالمهندسين وسألتنى: هى البلد رايحة على فين ؟ هى أم مصرية فى بداية الستينيات نزلت للتسوق مع أسرتها وأحفادها، قالت لى: إننى لا أعرف لمن سأعطى صوتى فى الانتخابات المقبلة؟ إن عدد الأحزاب كبير جدا وكلها تشبه بعضها وأخشى أن أجد صوتى قد ذهب لفلول النظام، سألتنى عن رأيى فى مرشحى الرئاسة فأجبتها، إنهم أناس محترمون وكل شخص فيهم له ميزات تختلف عن الآخر، قالت لى أنا كنت بقول البرادعى كويس بس قالوا عليه «جاى من بره» وبيدعو للإباحية وليبرالى كمان، لكن أنا برتاح لحازم صلاح أبوإسماعيل وحاسة إنه راجل بتاع ربنا واحنا عايزين حد يخاف ربنا فينا.
هذه صورة تمثل انعكاسا لعدد كبير من المصريين الذين أصابهم التشوش والحيرة تجاه المشهد السياسى الملتبس، الناس لا تستطيع التمييز بين الأحزاب من كثرتها وتشابه كلامها ووعودها، هناك تراجع كبير فى الثقة بين المصريين وبين السياسة وكذلك كل من يمارسها، يشعر المصريون بالخوف على المستقبل، لذا يفكر بعضهم بمنطلق دينى لا علاقة له بالسياسة والإدارة، ولكن له علاقة وثيقة بالثقة التى قد تتعمق فى قلوبهم بناء على التزام السياسى بالدين وطقوسه وشعائره.
يتحمل الإعلام جزءا كبيرا من هذه المسؤولية بسبب الفوضى الإعلامية التى أصبحنا نعانى منها بعد تضاعف عدد الصحف والفضائيات التى لم يعد أغلبها يمارس العمل الإعلامى بقواعد مهنية، كذلك تأتى تصرفات السياسيين أنفسهم لتصب فى هذا الاتجاه، لم يعد الناس يحتملون كل هذا الصخب السياسى وارتفاع الصوت وشدة الاختلافات بين القوى السياسية، لذلك هناك من أصابه اليأس والإحباط من المشهد العام بكل تفاصيله وهناك من يشعر بالحيرة والغموض ولا يعرف إلى أين ستمضى الأمور.
إن الإجابة على سؤال لمن سيصوت المصريون هى إجابة صعبة بكل تأكيد، لكن هناك محددات للسلوك التصويتى من الممكن أن نشير إليها تتمثل فى العوامل الآتية، أولاً: الاختيار سيكون للأشخاص لا للأفكار ولا للبرامج الانتخابية، ثانياً: سيكون للبعد الدينى دور مهم فى التأثير على عملية الاختيار وقد تكون الانحيازات الدينية عاملا حاسما فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، ثالثاً: الخلفية التاريخية والصورة الذهنية الكلاسيكية لبعض القوى القديمة مثل الوفد سيكون لها تأثير إيجابى على هذه القوى لأن الناس ستختار من تعرفه ولو تاريخيا فقط، رابعاً: الكتل التصويتية العائمة التى لم تحدد مواقفها بعد ستكون هى العامل النهائى الحاسم الذى سيرسم شكل المشهد السياسى المصرى السنوات المقبلة.
على ضوء هذه المحددات على القوى السياسية أن تضبط خطابها السياسى فيما يخص الدين وعلاقته بالدولة، لأن وقوع هذه القوى فى فخ الاستقطاب الدينى سيجعلها تخسر معركتها بسهولة، كذلك المغالاة والتفاؤل بفكرة الأفكار والبرامج الانتخابية لن يكون كافيا أبدا لنجاح أى مرشح بل يجب أن تختار الأحزاب بعناية من يمثلها ممن يكون له قبول شعبى وتواجد مسبق فى دائرته يساعده على النجاح، كما أن إدراك الفارق بين كم المشاركة قبل الثورة وبعد الثورة كما رأينا فى أرقام الاستفتاء الدستورى يشير إلى أن الكتل التصويتية العائمة تستطيع فى حالة الفوز بثقتها تغيير مسار العملية الانتخابية مهما حدث فيها من شراء للأصوات أو استخدام الدين من قبل بعض القوى التى ستعتمد على ذلك.. ربما لا تكون هذه المحددات هى الأفضل فى تحديد السلوك التصويتى للمصريين الآن بعد نجاح الثورة، ولكنها محددات واقعية تأتى من الحالة التى يمر بها الشارع المصرى الآن، وعلينا احترام سنة التدرج وعدم التفكير برومانسية حالمة، فتغيير الثقافة الانتخابية سيأخذ وقتا ليس بالقليل، ولكن تبقى خطوات على طريقنا لممارسة الديمقراطية.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة