نادر الشرقاوى

أرسل تحياتى من الصين

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012 07:09 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تمت دعوتى من قبل المكتب الإعلامى لشئون شمال أفريقيا وغرب آسيا بجمهورية الصين الشعبية لأكون جزءا من الوفد العربى، الذى يضم سياسيين من أحزاب عربية مختلفة وإعلاميين من مراكز دراسات شرق أوسطية وكان الغرض من الزيارة هو الوقوف على التجربة الصينية الاشتراكية فيما يخص التنمية والانفتاح الاقتصادى، الذى شهدته الصين فى السنين الماضية، خاصة فى هذا الوقت، الذى يعتبره الصينيون مفترق طرق فى تاريخهم، حيث تم انتخاب قيادات جديدة للبلاد أثناء المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعى الصينى هذا الشهر وهى فى الحقيقة كانت فرصة- خاصة أننى أنتمى لتيار مختلف تماما عن الفكر الاشتراكى– وذلك لكى أرى عن كثب كيف استطاع هذا العملاق الآسيوى الوصول إلى هذه الدرجة من النمو فى فترة لا تتجاوز الثلاثين عامًا.

كانت المحطة الأولى هى شنغهاى- عندما وصلت إلى المطار كان فى استقبالنا مسئولون سياسيون من المقاطعة، ولفت نظرى الدقة المتناهية فى تنظيم برنامج الرحلة وقاموا بتوزيع برنامج الرحلة على شكل كتيب مطبوع مكتوب بداخله ما سيحدث تقريبًا كل ساعة حتى مواعيد الوجبات كان مكتوبا– فعلمت أن الصينيين شعب منظم نسبيا يقدر قيمة الوقت.

فى مدينة شنغهاى كانت لنا زيارات ومقابلات رسمية مع مسئولين وإعلاميين من الصين واكتشفت عندما بدأنا بزيارة المدينة أن نيويورك ليست وحدها، بل هناك من ينافسها أو تقريبًا فاز عليها.

من الأرقام اللافتة أن شنغهاى وحدها تساهم فى الاقتصاد الصينى بـ1.9 ترليون يوان أى حوالى 311 مليار دولار، وعلى فكرة اليوان يساوى تقريبًا واحد جنيه مصرى، أى أن العملة الصينية والمصرية تقريبا لهما نفس القيمة.

أما المحطة الثانية فكانت مقاطعة يوونان وهى فى جنوب الصين على حدود ميانمار وفيتنام ولاوس وهذه المقاطعة تتميز بوجود أكثر من 25 أقلية أو قومية، كما يسميها الصينيون وتبدو العلاقات معقدة بينها، ولكن فى الحقيقة رأيت شيئا يستحق التوقف عنده، رأيت كيف استطاع الصينيون احتواء مشاكل الأقليات وجعلهم يعيشون معًا فى تناغم شديد حتى الأقلية المسلمة، التى قابلت بعض شبابها قالوا لى إنهم يعيشون بدون أى مشاكل عنصرية ويمارسون شعائرهم وعاداتهم بمنتهى الحرية، وقد دخلت أحد الجوامع الخاصة بهم، وأكلت وجبة الغذاء فى أحد مطاعمهم، التى قد كتبت آيات من القرآن الكريم على جدرانها.

الأهم كانت زيارة جامعة الأقليات، وهى تجربة صينية خالصة قررت الحكومة الصينية إنشاءها خاصة فى المناطق والمقاطعات ذات الأقليات العرقية، والتى منوط بها عمل الدراسات والأبحاث بطريقة علمية لاحتواء وحل مشاكل الأقليات والأهم أن الباحثين أنفسهم هم من الأقليات.

وأعتقد أن هذه التجربة عبقرية، ويمكن تطبيقها فى مصر لاحتواء مشاكل الأقليات، فمثلا بدلا من إنشاء جامعة على غرار الصين نستطيع إنشاء معهد للأقليات والمهمشين فى مصر، فأنا أعتقد إذا اعترفنا بالمشكلة وأعطينا الفرصة للمهمشين، ليشاركوا بشكل علمى أكاديمى فى حل مشاكلهم بأنفسهم دون فرض حلول عليهم من أطراف لا تفهم ثقافتهم، ستعبر مصر إلى الأمام دون الدخول فى تعقيدات.

وأخيرًا وصلنا إلى بيكين العاصمة، وهى المحطة الثالثة والأخيرة واللقاءات فى بيكين كانت كلها سياسية واقتصادية، حيث قابلنا مدير دائرة الإعلام ومسئول الدعاية ومسئول من وزارة الخارجية فى ثلاثة لقاءات مختلفة، لكن كان من الواضح أن الخطاب ليس مختلفا، فالثلاثة كانوا يركزون فى خطاباتهم وردهم على الأسئلة للترويج لسياسة الصين الجديدة، التى يسمونها السياسة الاشتراكية ذات الطابع الصينى، والتى تتركز حول الإصلاح والانفتاح والتحول إلى اقتصاد السوق الحر لكن بطريقة اشتراكية، وهنا لم أفهم جيدا معنى سياسة الاقتصاد الحر الاشتراكى، فالاقتصاد إما أن يكون اقتصاد سوق أو اقتصاد اشتراكى وأنا أعتقد أن الصين تتجه، وهذا واضح، إلى الرأس مالية سواء أرادت أم لا لكنها تتحرج من أن تطلق على نفسها كلمة دولة رأس مالية لذلك تسمى نفسها اقتصاد سوق ذى خصائص صينية.
وأنا أعتقد أنها أقرب للرأسمالية مع بعض الالتزام بالعدالة الاجتماعية التى استطاعت تحقيقها لحوالى 400 مليون مواطن من أصل مليار وثلاثمائة ونتيجة لهذه السياسة كان من الواضح جدًا اتساع الفجوة بين الريف والحضر وهجرة أهل الريف إلى المدن.

وأكد لنا المسئولون أن الصين هدفها تحقيق رغدة العيش بحلول عام 2020 عن طريق مضاعفة الإنتاج المحلى فى الثمانى سنوات القادمة ولا أعرف عمليا كيف سيحققون هذا الإنجاز الضخم فى ثمانى سنوات فقط.

المعلومة التى تفاجأنا بها جميعًا هى أن الصين لديها ثمانية أحزاب أخرى، ولكن كما يقول الحزب الشيوعى الصينى، هى أحزاب ديمقراطية تشاركه فى الحكم، ويتشاور معها ولكنها تعمل تحت قيادة الحزب الحاكم ولا تعارضه، ومع ذلك يسمون هذا الطرح الديمقراطية، وهذا أيضا كان شىء لا أفهمه.. فالديمقراطية لا تستقيم بدون مبدأ تداول السلطة، ولكن يبدو أن هذه هى الديمقراطية ذات الخصائص الصينية.
الأمر الأخير هو إغلاق جميع مواقع التواصل الاجتماعى بالصين من أول الفيس بوك وتويتر حتى يوتيوب، والسبب الذى قيل لنا إن هذه المواقع خطرة على الأمن القومى الصينى.. أما الأمن والأمان فى الصين فهو ملحوظ جدا، ويبدو أن معدلات الجريمة منخفضة للغاية.

وفى تعليق أخير على هذه الزيارة أعتقد أن الصين تستثمر فى المبانى الشاهقة والبنية التحتية والمشاريع العملاقة، ولم تنتبه أن الاستثمار فى الإنسان أولا هو الطريق الصحيح للتنمية الحقيقية.. ومع ذلك سننتظر إذا أعطانا الله العمر لنشاهد مدى تحقيق الصين لما وعدت به القيادات الجديدة للبلاد، وإذا نجحت فى تحقيق رغد العيش لمليار وثلاثمائة مليون مواطن فى هذه المدة القصيرة فحينها سنعتبر التجربة الصينية هى تجربة تقدم للبشرية كبديل لأى نظام سياسى واقتصادى آخر.








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة