واضح تماماً أن أرض مصر باتت مستباحة لكل من هب ودب ليفعل بها ما يشاء. فتارة نسمع عن جهاديين يخططون من أرض سيناء لهدم مصر، وتارة أخرى نسمع عن جهلاء يسعون لنشر المذهب الشيعى المتطرف بين المصريين المعتدلين. وآخر ما سمعته وعرفت به تفصيلاً هو ما يسمى بالتسويق الشبكى. ما هى حكاية التسويق الشبكى وما هى انعكاساته الاقتصادية وما هو موقعه من الحل والحرمة شرعاً؟ وما الذى ينبغى علينا عمله لتطويق هذه الظاهرة. حاولت فى السطور القليلة التالية الاجتهاد لوضع إجابات مختصرة لعل الرسالة تصل إلى من يهمه الأمر والله المستعان.
أولاً: يقصد بالتسويق الشبكى قيام شركة أجنبية باجتذاب مشترى مصرى لشراء المنتج (وليكن ساعة معينة) بسعر عالٍ جداً، وتعده بأنه سيحصل على نسبة من كل مشترٍ يقوم بشراء ذات المنتج من خلاله، أى أنه حفز مشترٍ مصرى آخر لشراء ذات المنتج، وهكذا تتشكل سلسلة أو شبكة من عمليات الشراء، بحيث يحقق أرباح طائلة نتيجة نجاحه فى اجتذاب وليكن 100 مصرى. أما بالنسبة للأخ الأجنبى منتج تلك الساعة، فكل ما يفعله أنه يجلس فى بيته فى سويسرا أو غيرها، ويضع قدم على قدم (رِجل على رِجل) والأموال تتدفق إلى حسابه. فالمصريون – وبدافع الربح تحولوا إلى خدم لهذا الأجنبى اللص.
ثانياً: ما الضرر من هذه المعاملة، ألا يستفيد المشترين بمنتج جيد وفوق هذا يحققون أرباح طائلة. فكل ما فعله أنه اشترى الساعة وحفز آخر على شرائها، ما الضرر إذاً؟ الضرر واضح للغاية، وهو وإن لم يكن ضرراً خاصاً بالنسبة لمشترى هذا المنتج، ولكنه ضرر عام وخراب كبير!
حتى بالنسبة للأشخاص الذين فطنوا إلى هذه التجارة الرخيصة، تحولوا إلى عبيد للمال وتركوا وظائفهم المنتجة سواءً فى المصنع أو الشركة وتفرغ لعملية التسويق الشبكى. توسع هذه المعاملة البغيضة سيحول شريحة كبيرة من أفراد المجتمع إلى متسلقين وباحثين عن الربح الطائل دون أى إنتاج أو إضافة حقيقية للاقتصاد الوطنى.
أما بالنسبة للضرر على الاقتصاد الوطنى فحدث ولا حرج. لك أن تتخيل أن نسبة كبيرة من أبناء مصر تركوا وظائفهم وتفرغوا للعمل بهذه التجارة المظلمة، ما هى انعكاسات هذا التحول على الناتج المحلى؟ ما هى انعكاسات اعتماد الناس على منتجات أجنبية يتبارى شبابنا لترويجها على إنتاجنا من السلع المختلفة.
لا شك أن نجاح البعض فى تحقيق مكاسب طائلة يلهب شهية البعض الآخر وربما يدفعهم إلى ترك وظائفهم والتفرغ للتسويق الشبكى المربح. فقد رأى صديقه الكحيان تحول بين عشية وضحاها إلى ثرى يركب أفخم السيارات ويسكن فى أبهى المنازل؟! إنه خلل اقتصادى واجتماعى خطير ينبغى التصدى له.
ثالثاً: الأمر الخطير هنا والذى ربما لا يدركه البعض، هو أن الدولة تقتطع ضريبة 20% من راتب الموظف الغلبان، كما أنها تفرض ضريبة على عمى صبحى النجار صاحب الورشة الذى يحصل بالكاد ما يكفى لقوت يومه، ولكنها تعجز عن محاسبة المتواكلين والعاملين بالتسويق الشبكى، والذين يحققون سنوياً ما بين 200 و300 ألف جنيه؟! هل فيما يحدث شىء من العدالة، وإلى أين سيقودنا.
رابعاً: موقف أهل الدين، فقد صدرت أكثر من فتوى من دار الإفتاء المصرية ومن مجمع البحوث الإسلامية بتحريم هذه المعاملة المسماة بالتسويق الشبكى، لأن فى شيوعها إشاعة لثقافة التواكل والبحث عن الربح السريع والابتعاد عن العمل المنتج، هذا فضلاً عن الإضرار الكبير بالاقتصاد الوطنى. فكان أولى بهؤلاء الداعين لهذه التجارة الظالمة أن يشجعوا الإنتاج المحلى وأن يحفزوا الناس على العمل المنتج الحلال. فالمصلحة العامة هنا مقدمة على المصلحة الخاصة، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
أين إعلامنا (الغارق فى فوضى السياسة) مما تشهده مصر من مشكلات حقيقية، أجدر بها أن تحظى بوقت إعلامنا الثمين؟! أين هم من توعية الناس من مخاطر شيوع مثل تلك الأنشطة الهدامة، التى تحولنا وتحول شبابنا من خلالها إلى مجرد خدام للصوص الشرق والغرب؟! أين هم من رجال الدين والاقتصاد لتوعية الناس بمخاطر شيوع تلك الأنشطة التى هى أشبه بالمقامرات، سواءً على الفرد نفسه أو على الاقتصاد ككل؟!
أين المؤسسات والهيئات الرقابية مما يجرى، هى تلاحق صاحب محل الفول أو الورشة، ولكنها تترك هؤلاء - رغم نشاطهم المعلن والجلى لكل ذى بصيرة – فهل يحركون ساكناً وينقذوا البلاد والعباد من تلك الأنشطة الهدامة؟ أم أنهم غير قادرين على التخلص من روث الماضى، حيث أثقلتهم البيروقراطية والفساد الإدارى؟! اللهم هل بلغت اللهم فاشهد.
* أستاذ بحقوق المنصورة