حافظ أبو سعدة

العدالة لازم تظل عمياء

الخميس، 07 يونيو 2012 12:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ردود الفعل الغاضبة على حكم محكمة جنايات القاهرة، والتى سُميت بمحكمة القرن، والتى أصدرت حكمها بالمؤبد على الرئيس السابق، ووزير داخليته، بينما برأت ستة من مساعدى وزير الداخلية فى الاتهامات الخاصة بقتل المتظاهرين، ردود الفعل تجاوزت المعقول والمقبول، واستطالت حتى طالت هيئة المحكمة والقضاة أنفسهم بالتجريح. الحقيقة أننا اخترنا أن نحاكم رموز النظام السابق أمام القضاء الطبيعى المصرى المعروف بنزاهته، والذى قدّم المتهمين من وزراء ومسؤولين كبار، بدءا برئيس الديوان ورئيسى مجلسى الشعب والشورى، وبالفعل صدرت أحكام الإدانة، حتى أن وزير الداخلية سبق أن حُكم عليه فى جريمتين بالسجن عشر سنوات فى قضية، وسبع سنوات فى أخرى.

الحكم على القضاء لا يجب أن يكون فقط عندما يحكم بالأحكام التى نتمناها، ولكن يجب أن نبحث فى مدى توافر معايير المحاكمة العادلة والمنصفة، هذه المعايير نصت عليها المواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وكذلك الدستور المصرى المعطل، والإعلان الدستورى، وهى أن تكون المحكمة مشكّلة وفقا لقانون، وأن تكون مشكّلة قبل وقوع الجرائم، أو الأفعال المجرمة، وإن كان فى ظل المبادئ الحديثة المسماة العدالة الانتقالية، فيجوز تشكيل محاكم بشأن جرائم معينة، كأن تكون جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم الحرب، أيضاً من المعايير المهمة قرينة البراءة، أى أن المتهم برىء حتى تثبت إدانته فى محاكمة عادلة، ومنصفة أمام القاضى الطبيعى وعلنية، وأن يتوافر للمتهم الحق فى الحصول على الدعم القانونى من محام، وهو ما يسمى بحقوق الدفاع.

إننا ندرك أن القضاء المصرى رغم تمتعه بسمعة جيدة، فإننا فى حاجة أيضاً إلى تعزيز استقلال القضاء وتطويره، وهناك العديد من المشروعات التى ناقشها المجتمع المدنى، ومنظمات حقوق الإنسان، ونقابة المحامين، بما فى ذلك تعزيز دور المحامين، وحق الدفاع، إلا أن المناقشات التى أعقبت الحكم تجاوزت النقد والتعليق العلمى على الأحكام إلى اتهام المحكمة، والتجريح فى القاضى. والغريب أن يتم هذا من بعض القضاة الذين وجب عليهم أن يحافظوا على حماية الأحكام، ووجوب نفاذها، وأن الطعن عليها يجب أن يكون بالطرق التى وفرها وحددها القانون أمام المحكمة الأعلى. والأخطر هو المناقشات التى تمت فى البرلمان، والتى فاقت كل الحدود، وأسقطت مبدأ الفصل بين السلطات، وتناول النواب الحكم والقاضى بألفاظ وعبارات يحاسب عليها القانون، وتتناقض مع العبارة البليغة التى تقول «الحكم عنوان الحقيقة».

النائب العام أحسن صنعا عندما قرر الطعن على الحكم أمام محكمة النقض، حتى تعاد المحاكمة أمام هيئة أخرى، وهذا إن كان حقا للمتهمين، وهو أيضاً حق المدعين بالحق المدنى والضحايا والشهداء الذين يتطلعون إلى الإنصاف والعدالة، فالنائب العام هو الأمين على الدعوى الجنائية، وهو يتصرف بناء على هذا الأساس، وهذا يجب أن يُطمئن أهالى الشهداء والضحايا والنشطاء أن القضية لم تنته، وأن هناك جولات أخرى للمحاكمات، وصولا لتحقيق العادلة.

من جانب آخر، لا يجب أن تجرى المحاكمات على أساس أن الأحكام جاهزة، وأن الإدانة قائمة، وأن دور القاضى فقط هو تطبيق أقصى العقوبة، وفقط. هذه ليست المحاكمة العادلة والمنصفة، هذا هو الانتقام المحظور فى الدولة الحديثة، ودولة سيادة القانون، هذا انتقام مقيت، لذلك كانت ردود الفعل الدولية إيجابية. وأشيد بقدرة الدولة المصرية على محاكمة الرئيس السابق، والحكم عليه بالمؤبد، وهى فى الحقيقة دلالة رمزية على انتصار الثورة المصرية بإيداع رمز النظام السجن، والحكم عليه بالمؤبد. العدالة لا يجب أن تُفرض عليها أحكام بعينها، العدالة كما هو رمزها امرأة تحمل ميزانًا وهى عمياء، بما يعنى أنها تحكم بصرف النظر من الذى يُحاكم، وما وظيفته وطائفته، أو هويته، فالعدالة يجب أن تظل عمياء.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة