أصدر الروائى السورى عدنان فرزات رواية "لقبك تاج من فضة"، قام خلالها بتوثيق الحالات النفسية أكثر من التاريخية كونها سوف تنُسى مع الزمن، كما أبرز الاختلاف حول الثورة السورية، مبرزاً أسباب ذلك الخلاف، حول هذه الرواية وغيرها، كان لليوم السابع حوار مع فرزات.
تبرز روايتك الأخيرة "لقبك تاج من فضة" تباين الآراء حول الثورة السورية، فكيف ترصد الاختلاف بين المؤيد والمعارض للثورة؟
هناك ثلاثة أنواع من الاختلاف فيما يحدث اليوم فى سوريا: اختلاف بين النظام والشعب، ثم بين الناس أنفسهم على صعيد العائلة الواحدة والأصدقاء، ثم اختلاف بين فصائل المعارضة، وفى روايتى ركزت على الاختلاف بين الناس، حيث انشطر المقربون من بعضهم إلى مؤيد ومعارض، مما عمق الأزمة، فلو أنه أخذ شكلاً طبيعياً كأى خلاف فى الرأى، لكان الأمر أهون، ولكن الاختلاف أصبح اصطفافاً مع السلاح، أى أنه اختلاف شرس، وهذا ناجم عن عدة عوامل هى أصلاً كانت سبب الثورة، منها عدم وجودة ثقافة اختلاف لدى الناس على مدى سنوات من حجر الرأى.
هل روايتك الأخيرة بمثابة توثيق للثورة السورية، وكيف تنظر للأعمال التى تحدث فى هذا الإطار؟
هى ليست توثيقا بمعنى التأريخ للأحداث، بل هى مواكبة لما يجرى روائياً، لأنه حتى الآن لم تصدر أعمال إبداعية كثيرة تتحدث عن هذا الحدث المهم والجسيم، وما صدر هى أعمال إعلامية فى غالبيتها، أتلمس العذر للأدباء بسبب عدم تمكنهم حالياً بسبب النشر، ولكن بطبعى أحب الكتابة قبل وأثناء الحدث، وقبل هو نوع من استشراف ما سوف يحدث، كما فى روايتى "جمر النكايات" التى اعتبروها نبوءة الثورة السورية، لأن الكتابة بعد الحدث على أهميتها، إلا أنها تصبح تحصيل حاصل، وفى روايتى أوثق حالات نفسانية أكثر من أحداث تاريخية، لأن هذه الحالات سوف تُنسى مع الأيام، وسينشغل الناس بتوثيق هدم المكان، وقليل ما يلتفتون إلى تدمير الإنسان.
تطرقت للعلاقات الافتراضية التى تحدث على مواقع التواصل الأجتماعى، فكيف تنظر لهذا الأمر وما هى طرق معالجتها؟
العلاقات على مواقع التواصل الاجتماعى نتيجة طبيعية لعصر تفكك الحميمية الدافئة بين الناس، فالمشاعر التى تنتقل عبر أسلاك باردة، لا تخلق وهجاً إنسانياً حقيقياً، والعلاقات العاطفية على مواقع التواصل الاجتماعى هى انعكاس لعصر الاستهلاك، فبكبسة زر يصبح الإنسان عاشقاً، وبأخرى تنتهى العلاقة! ولكن هذا لا يمنع أن هناك زيجات حقيقية وصداقات تحولت إلى واقع بسبب هذه المواقع. ولجوء الإنسان إلى صداقات المواقع الافتراضية هى بديل عن فقدان روح الصداقة على أرض الواقع، وربما هى أكثر أماناً للأشخاص الذين فقدوا الثقة بسبب خيانات على أرض الواقع، فتبقى خسارته أقل فى ما لو اكتشف زيف الصديق الافتراضى، وفى رواية "لقلبك تاج من فضة" تطرقت تحديداً إلى العبث العاطفى التى تتم من خلال مواقع التواصل الاجتماعى.
دفع شقيقك على فرزات رسام الكاريكاتير ثمن معارضته للنظام السورى بطرق مختلفة، فكيف ترى تباين آراء المثقفين فى سوريا وما الذى يجب أن يفعله المبدع إزاء ما تمر به بلده؟
هذا صحيح.. وعلى الطرف الآخر لدينا مثقفون أصابوا الناس فى مقتل، فهؤلاء كانوا قبل الثورة يتغنون بالحرية، ولديهم أعمال كثيرة عن حقوق الإنسان وكرامته، سواء أعمال مسرحية أم روائية أم شعرية وغيرها.. بل إن بعضهم حقق مرابح هائلة من خلال جمهور هذه الأعمال، ولكن عندما تحول الأمر إلى واقع، وبدأ الناس يطالبون بحريتهم، خذلهم هؤلاء المثقفون وتخلوا عنهم ليواجهوا مصيرهم فى الشارع.. الناس الذين فى الشاعر حقيقيون.. والمثقفون مزيفون.
المشهد الثقافى انعكاس للمشهد السياسى، كيف ترى تأثر كل منهما بالآخر بعد أحداث ثورات الربيع العربى؟
المشهد الثقافى متأخر عن المشهد السياسى، ولو جئنا لمعقل التقاء الثقافة بالسياسة، والذين هم وزراء الثقافة فى الحكومات العربية لوجدنا أن وزراء الثقافة فى الدول العربية لا يحظون بالسيادة ذاتها التى يحظى فيها بقية الوزراء، على الرغم من أن الثقافة هى مكون حضارى أساسى فى الدول المتقدمة، ويقتصر دور وزراء الثقافة عندنا على المناسبات البروتوكولية وغالباً هم وزراء قص الشريط الحريرى فى الأمسيات والمعارض ولا تأثير لهم، ولنقس على ذلك المثقف العربى الذى هو غير مؤثر فى القرار السياسى أصلاً.
هل المبدع إنسان يمشى على الأرض فى الأساس أم يتنزه فى السماء ليرصد العالم من منظار عزلته؟
سؤال أعجبنى، المبدع يمزج بين الحالتين، فى الحالة الأولى يفُترض فى المبدع أن يخوض فى طين الحياة مع الناس، حين يريد أن يكتب عن قضاياهم الإنسانية، بعد ذلك يحق له أن يخلو إلى نفسه فى لحظات تأمل يحلق فيها حيثما شاء، ويعتزل من يشاء، فلحظات الكتابة هى انغلاق على الذات بعد الانفتاح الكبير الذى حصل قبلها. أما فى البعد الآخر للإجابة، فهناك أدب مترف، أى ليس بالضرورة أن يتحدث عن قضية ما، وهذا أيضا من حق المبدع أن تكون له حالاته الذاتية الخاصة، فأنا لا أطالب دائما بتوظيف النص، مع إننى ممن يوظفونه للإنسانية، إلا أننى لا أفرض على الآخرين ذلك، فهناك مساحات إبداعية حرة وواسعة قد لا تنتمى إلى الأدب الملتزم بقضية ما ومع ذلك لا ننكر أنها من الناحية الفنية جميلة إبداعياً وقد كتبها صاحبها، وهو محلق فى عالمه دون أن يلامس الأرض أولاً.
أصدرت أربع روايات، متى تطرق باب القصة القصيرة أم أن اهتمامك ينصب على الرواية؟
لدى القليل جداً من القصة القصيرة، نشرتها فى المطبوعات الأدبية، ولكن أفضل أن تكون الرواية هى ميدانى الأوسع، أشعر أن القصة القصيرة على صعوبتها كفن سردى، أن لها جدران يجب أن نتوقف عندها فى النهاية لنخضع إلى التصنيف الفنى، أما الرواية فهى تشبهنى فى عشقى للحرية، حدودها مفتوحة ولا أرى فى أفقها أية حواجز تجبرنى على التوقف عندها.
عدد الردود 0
بواسطة:
مروان جاسر
اوجزت