دولة كل شىء وضده

هناك أشجار لها جذور تنمو إلى أعلى وتطرح الثمرات لتأكلها العباد وتزدهر أحوالهم، وهناك أشجار تنمو إلى الأسفل وتمتد جذورها لأعماق كبيرة دون جدوى، وكل ما فوق الأرض ما هو إلا خشب وأغصان جافة، وإذا تأملنا معا كل الأحداث منذ اندلاع الثورة وحتى وقتنا هذا، سنجد أن مصر عملت كل شىء وفى نفس الوقت عملت كل ما هو ضده معادلة غريبة لشعب ضربت جذوره فى التاريخ لأعماق كبيرة، لكن السؤال الآن: هل ستطرح شجرته ثمارا أم ستظل جذوره تمتد لأسفل بلا جدوى؟ لقد قمنا بثورة أخرجت كل ما فينا من قيم وأخلاق حميدة لكن للأسف لم يتعد هذا لأكثر من ثمانية عشر يوما، ثم على الفور بدأنا نظهر أسوأ ما فينا بعد أن تركنا الميدان، وذهبنا لنتخيل أن كلمة ثورة هى الكلمة السحرية التى ستحل جميع المشاكل بصرف النظر عن العمل والإنتاج والصناعة والبناء المهم أن نردد كلمة ثورة بل نزايد عليها.
قلنا نريد أولا دستورا لكى نبنى عليه كل ما هو قادم ولم نجد إلا قرارات مشوهة عشوائية، أتت لنا بدستور ولد ليلا فى السر. قلنا نريد دولة القانون وجدنا حصارا لرمز القانون المحكمة الدستورية العليا. قلنا نريد إعلاما حرا وجدنا إعلاما يتبع النظام الحاكم كعادته مهما كان لونه أو إعلاما مستقلا تتم ملاحقته وحصاره بين قوسين بالقانون أو بالبلطجة. قالت المحكمة الدستورية قانون انتخابات المجالس البرلمانية باطل فتم حل مجلس الشعب وترك مجلس الشورى الذى أشك فى جدواه والذى انتخبه %6 فقط من المصريين ليس هذا فقط بل أسند له حق التشريع ولا أعرف على أى أساس قانونى. قلنا نريد إقالة النائب العام القادم من النظام السابق فيستبدل به آخر بشكل غير قانونى، وذلك حسب وصف المحكمة فى حكمها الذى سمعناه منذ أيام وتصبح مصر بجدارة الدولة الوحيدة فى العالم التى لديها بدل النائب العام اثنان. وفى ظل كل هذا العبث هل سنظل نقبل أن يفرض علينا دائما ما يحلو لهم أن يفرضوه هل سنقبل بعد أن انتفضت مصر وهدمت دولة الظلم والقهر فى أيام قليلة أن نتحول إلى شاهد ما شفش حاجة - وفى هذه الظروف الأليمة لا يسعنى إلا القول إن اليأس جريمة والأمل فى التغيير وتحقيق ما قامت من أجله الثورة، هو ما سيعطى هذا الشعب القوة لفرض الحل على جميع الأطراف.