محمد مصطفى موسى

والله العظيم أنا أسد

السبت، 11 يناير 2014 11:21 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
بين ما يقال، وما ليس يقال، ثمة مساحة ما، تتسع وتضيق، بقدر هامش الحريات، فإذا اتسع الهامش، يتقلص المسكوت عنه، وإذا شهد انحسارا، تتراكم المحظورات، كطبقات الغبار فى زوايا بيت مهجور عتيق.

فى الحالة الثانية، القمعية تحقيقًا، حيث للبطش قبضة صماء قاسية، يداهن موالسون ومدلّسون، ويرتدى "نخبويون"، أسمال الدراويش المجذوبين تطوعًا، فيرقصون و"يُحنجّلون" فى مولد "القامع الباطش"، فيما يلوذ قليلون، ممن لا يستطيعون مع القهر صبرًا، بالرموز حيلةً إبداعية، لتمرير أفكارهم، وبما لا يستثير السيّاف، الذى يقول تراث الديكتاتورية العربي: إنه "مسرور" دائمًا، دونما ندرى يقينًا، ما إذا كان ذاك اسمه أم حاله.
وتعد النكتة أسلوبًا رمزيًا عبقريًا، ليس لتمرير فكرة "شائكة" فحسب، وإنما لإسقاط هيبة كل "قامع باطش"، مما يجعلها كما يقول الفيلسوف الفرنسى "هنرى برجسون": محاولة لقهر القهر.

فى ثورة يناير، استدعى المصريون موروثًا من أعماق "تاريخ التنكيت"، مؤكدين صحة شهادة المؤرخ الأعرق "هيرودت": "مصر هى أرض الدعابة"، ذلك حين تصدت "ميادين التحرير" للرصاص، بنكات عفوية، منها ما حملته لافتات غاضبة ساخرة، على شاكلة: "نقابة النجارين تسأل مبارك عن نوع الغراء الذى يستعمله"!

ولم يكن "هيروديت" وحده الذى رصد ميل أبناء الكنانة إلى النكتة، فالرحالة "بيلوني" يختزل الأمر بعبارة مشعة: "هم يستمطرون النكات من سحب المآسي"، فيما يسجل ابن بطوطة فى "تحفة النظّار فى غرائب الأمصار" ما نحوه "أن المصريين ذوو طرب وسرور، والنيل أفضل الأنهار مرحًا".
ولم يقتصر إبداع أسلافنا الفراعنة، على النكتة المنطوقة، فالحضارة التى أولعت بالنقش على الحجر، أهدت العالم فن "الكاريكاتير"، حتى أن متحف "بروكلين" الأمريكي، يحوى بردية تصوّر قطًا، يقف على رجليه الخلفيتين، ويخدم فأرًا يرتدى ملابس النبلاء، مما يعزز رأيًا بأن المصرى القديم، قد ابتدع "ميكى ماوس" قبل "والت ديزنى" بآلاف السنين !

هذا التراث مع فن النكتة، يحدو بكوميديان كبير هو الراحل عبد المنعم مدبولي، لأن يقول : " أصعب مهمة هى إضحاك الشعب المصرى، الذى لا تستسيغ ذائقته المرهفة نكتة مسلوقة" .

ولعله ليس غريبًا أن تنتسب معظم نوادر جحا إلى "جحا مصرى"، ذلك رغم أن الشخصية التى يختلف المؤرخون، عما إذا كانت حقيقية أو خرافية، قد عاصرت الدولة الأموية بالكوفة.

على أنه إذا كان "جحا" كوفيًا، فإن مصر لم تعدم ساخرين، أشد منه هزلا، وعلى رأسهم، الشيخ كشك الذى كان ضريرًا، ويروى أنه أجاب على ضابط أمن دولة سأله عن وظيفته قائلا: مساعد طيار.. كما يروى أنه استقبل القبلة، بالدعاء بالرحمة للواقفين صفوفًا من الثالث حتى الأخير، ولما سأله المصلون: وماذا عن الصفين الأول والثانى؟ قال: إنهم عملاء أمن الدولة !

العبقرى أحمد فؤاد نجم بدوره، لم يرحم حاكمًا من لسانه السليط، ومن مأثوراته قصيدة "بيان بصوت مذيع شقلبان" التى تندرت على الرئيس الراحل السادات، فأثارت غضب الأخير، الذى كان يرى أن للديمقراطية أنيابًا، فحاكمه بـ "أنياب ديمقراطيته" عسكريًا، وسجنه سنة مع الشغل، لكن السجن بالطبع، لم يحل دون انتشار القصيدة، ولم يمنع لقب "حلاوة المعسل" الذى أطلقه الشاعر على الرئيس الراحل، من أن يلحقه فى الدنيا، وبعدما واره الثرى.

إلى جانب نكات المشاهير، ثمة نكات لا نعرف لها أصلا، وهى فيما يبدو أكثر أهمية، ومنها أن أمريكيًا تباهى على مصرى بالحريات فى بلاده، فقال : أستطيع أن أنتقد الرئيس الأمريكى دونما خوف، فلم يشأ المصرى أن يستسلم لـ "الخواجة"، فلقّنه درسًا فى "الفهلوة" بأن قال : " وأنا أستطيع أيضًا أن أنتقد الرئيس الأمريكى دونما خوف".. لكن النكتة لم تقل ما إذا كان الانتقاد المصري، يذهب إلى أن الرئيس الأمريكى "خلية إخوانية نائمة".


والحق.. أنه مع التسليم بأن النكتة المصرية، هى الأكثر رهافة، فإن الأخوة العرب، لهم أيضا حظوظ من النكتة، ويروى فى هذا الصدد، أن الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، وجد غزالة فى حدائق قصره، وقد أصيبت بجراح بالغة، فاستقدم أكفأ رجال المخابرات من الشرق والغرب، فأفضت تحقيقاتهم إلى أن "المجنى عليها" تعرضت لهجوم من أسد، فأمر صدام باعتقال الأسد، ففشلت أجهزة المخابرات العالمية، فأوكل الأمر إلى رجال مخابراته، فما كان إلا أن أتوا بأرنب، وقد انتزعوا أظافره، وثملوا عينيه، وهو يصرخ: "والله العظيم أنا أسد"








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة