قفز إلى ذهنى بعد صدور إعلان براءة مبارك ونجليه والعادلى و6 من مساعديه من قتل المتظاهرين مشهد لفيلم "أبو على"، عندما توجهت منى زكى لعمتها ومعها كريم عبد العزيز ليختبئا عندها، لتجد عمتها وقد عاقبت أولادها جميعًا لتناولهم الجبنة دون علمها مرددة عليهم "مين اللى أكل الجبنة دى بـ8 جنيه، وبخروج منى وكريم عبد العزيز من منزل عمتها أكد لها ساخرًا أنه هو "من أكل الجبنة"، إذا لم يكن مبارك ونظامه من قاموا أو شاركوا بشكل أو بآخر فى قتل المتظاهرين إذن من قام بقتلهم؟
عندما يحصل كبار ومسئولو مصر فى اللحظات العصيبة والظروف الاستثنائية التى مرت على البلاد إبان ثورة 25 يناير، على أحكام بالبراءة، فمن القاتل الخفى ومن المتسبب الحقيقى الذى قتل 239 متظاهرًا سلميًا وأصاب 1599 غيرهم؟ هل هى فعلاً وزارة الداخلية؟ كيف وقد تم تبرئة وزير داخليتها اللواء حبيب العادلى، أم المتظاهرون الذين قتلوا تحت مزاعم محاولتهم اقتحام الأقسام، أم هى مؤامرة خارجية؟ وهل يسأل عن كل ذلك رأس الدولة وقتها.
أمام السؤال الكبير الحائر عن المتسبب فى قتل المتظاهرين لن نجد إجابة قريبًا، وهنا قد يقول أحد الأشخاص فى سرعة وفهم عميق -اتقتلوا بيد جهاز الشرطة أمام الأقسام دفاعًا عن اقتحام المنشآت الشرطية ومن أجل تحقيق الأمن- لكن نرد على ذلك الفاهم المتعمق فى بواطن الأمور، طيب واللى ماتوا بالميادين العامة وبالتحرير تحديدًا؟ وما أوردته تحقيقات القضية من أدلة أن كل الرصاص الذى استخدم فى قتل المتظاهرين ليس من رصاص الشرطة المصرية، فيبادر إلى أذهاننا سؤال جديد "طالما الرصاص ليس من أسلحة وزارة الداخلية فمن أين أتى يا ترى؟ ومن الذى أطلقه بالظبط؟
474 يومًا بالتمام والكمال دارت خلالها جولة إعادة محاكمة الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك ونجليه ووزير داخليته و6 من معاونيه بـ"قضية القرن"، والتى انتهت أخيرًا ببراءة مبارك فى قضية، تصدير الغاز، ونفى التهمة عن العادلى ومساعديه الـ6 فى قتل المتظاهرين، وعدم جواز إقامة الدعوى ضد مبارك ونجليه وحسين سالم فى قضية الفيلات السبت.
55 جلسة هى فترة انعقاد جولة الإعادة لأكثر قضايا القرن الحادى والعشرين إثارة للجدل، انتهت بخطبة طويلة للقاضى المستشار محمود الرشيدى، ليقضى بعدها ببراءة كل من حبيب العادلى وزير الداخلية الأسبق، ومساعديه، عما أسند اليهم فى الجناية رقم 1227، قتل المتظاهرين السلميين خلال أحداث ثورة 25 يناير.
وفى الجناية الثانية قضت المحكمة بعدم جواز نظر الدعوى الجنائية المقامة ضد مبارك يوم 24 مايو 2011 لسبق صدور أمر ضمنى من النيابة العامة بألا وجه لإقامة الدعوى الجنائية ضده، ثم تبرئته من إتهامه بإهدار المال العام وتربيح الغير فى صفقة تصدير الغاز الطبيعى لإسرائيل بأسعار متدنية، كما قضت المحكمة بانقضاء الدعوى الجنائية بمضى المدة (غيابيًا) لرجل الأعمال حسين سالم و(حضوريًا) ونجليه وعلاء وجمال، عن واقعة الرشوة وإستغلال النفوذ بحصولهم على 5 فيلات على سبيل الرشوة من المتهم الثانى حسين سالم.
المستشار الرشيدى أجاب فى حديثه عن جميع التساؤلات وعلامات الاستفهام التى ستتبادر للأذهان فور نطقه للحكم الذى اعتبر صادمًا لمؤيدى ثورة 25 يناير بصورة كاملة، ومفرحًا لأبناء مبارك وأنصاره بالطبع خاصة أن هيئة المحكمة فى الجولة الأولى والتى ترأسها المستشار أحمد رفعت جاءت بأحكام مغايرة وأشد قوة بسجن مبارك وجميع المتهمين بالمؤبد عما أسند إليهم من الاشتراك فى جرائم القتل المقترن بجرائم أخرى.
وقال المستشار الرشيدى إنه قارب على مشارف السبعين عامًا وأصبح على مشارف القبر، وأنه يرى مرقده فى قبره ولحظة حسابه، مستعينًا فى ذلك بحديث الرسول (ص): "من ولى القضاء فقد ذبح بغير سكين والقارئ" والمتبحر فى الـ160 ألف ورقة هم ملخص قضية محاكمة القرن، يجد أن القاضى حكم بما يعتقده ويوقن به وما فنده شخصيًا من تلك الأوراق، رغم أن الأوراق تشمل ما يتناقض مع الواقع فهى لم تتضمن أو تثبت صدور أمر بإطلاق النيران على المتظاهرين، أيضًا فتضارب أقوال بعض الأهالى وادعائهم أن أبناءهم قتلوا فى التظاهرات، رغم أنه ثبت فيما بعد أن أحدهم مات منتحرًا إلا أن والدته ادعت بغير الحقيقة أنه شهيد بثورة يناير، وآخر توفى أمام مبنى اتحاد الإذاعة والتليفزيون وادعى أيضًا أهليته أنه شهيد، ما أعطى انطباعًا أن القضية تضمنت العديد والعديد من التناقضات التى لا تمت بصلة للواقع.
أوراق القضية حوت فى داخلها أيضًا المزيد من القرائن التى اعتمد عليها دفاع الرئيس الأسبق مبارك ونظامه، والذين حصلوا عليها بالفعل، لكنها لم تجب أو حتى تقترب من قريب أو من بعيد لمن هو القاتل الحقيقى والمتسبب الأكبر فى أحداث العنف والدماء التى سالت إبان ثورة 25 يناير وما تلاها، اهتمت فقط بتبرئة الجميع تاركة نيران الغضب والقهر تشتعل فى عروق أهالى الضحايا ودموع والآلم الأمهات ولسان حالهم وحال الجميع "مين اللى قتل أولادنا؟" هل ستتعلق دماؤهم فى رقبة الاخوان، أم فى رقبة حماس، أم فى رقبة عناصر ودول خارجية أجنبية على أنه مخطط خارجى لانهيار الدولة المصرى، ليضيع الثأر للشهداء تحت بند "قيد ضد مجهول".