منتصر الزيات

"الاستقامة خيار صعب"

الأحد، 30 مارس 2014 06:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
تابعت خلال الفترة الأخيرة كتابات تناقلها مواقع التواصل الاجتماعى لبعض النشطاء فى تيار دعم الشرعية الموالى للرئيس محمد مرسى والإخوان، تفيد عدولهم عن "السلمية" وتبنيهم خيار العمل المسلح كوسيلة للتغيير أو تحقيق الأهداف السياسية.

الحقيقة أنى لم أصدق للوهلة الأولى غير أنى قرأت بنفسى ما كتبه بعض هؤلاء فى صفحاتهم الشخصية, لا أريد أن أعطى انطباعا بالتعميم داخل هذا التيار السلمى أنه انقلب, كما أن الرموز التى تعلن عن تحولاتها ليست "قيادية" بالمعنى التنظيمى الرفيع وإنما "عناصر شبابية" صحيح هى مؤثرة لكنها "لا تحمل علما شرعيا يؤهلها لاستنباط الأحكام, وهنا تبدو الخطورة بما يجعل الأمر لا يحتمل الصمت وإن كان "اتجاها مرجوحا", خصوصا مع وقوع حوادث قد يتأول البعض المقصود منها باعتباره حرفا للمعارضين عن السلمية ودفعهم دفعا لارتكاب العنف مثل القرار بإحالة أوراق 528 متهما إلى فضيلة المفتى فى المنيا تمهيدا لإعدامهم دون أن يتمكنوا من محاكمة عادلة منصفة.

إن الثبات على المبدأ خصوصا إذا انطلق من فهم شرعى للنصوص ومن قناعات سلمية لكيفية ممارسة العمل السياسى هو أمر من الأهمية بمكان يحقق لصاحبه مصداقية واحتراما عند خصومه قبل مؤيديه وإن دقوا رأسه أو جلدوا ظهره, ولعلى استرجع هنا تمسك "الجماعة الإسلامية" بمبادرتها السلمية التى أطلقها شيوخها وقادتها التاريخيون عام 97 رغم حدوث مطبات كثيرة ومحكات كان يمكن أن تجهضها مثل عملية معبد حتشبسوت بالأقصر نوفمبر 97 وتنفيذ عدد من أحكام الإعدام بحق بعض أبنائها بعد اطلاق المبادرة ونحو ذلك مما مهد الأجواء لدفعها إلى الإمام بإجراءات مجتمعية وفى إطار القانون.

وكتب "أحدهم" يثمن ما يعتقد أن تنظيم "أنصار بيت المقدس" يقوم به من تفجير وتفخيخ واستهداف شخصيات فى الجيش أو الشرطة بالاغتيال. وفى هذا الصدد أحب أيضا أن أقرر خطأ "قناعاتى" التى رددتها غير مرة التى تشكك فى وجود تنظيم "أنصار بيت المقدس" وأنه هيكل هلامى صنيعة دوائر ما, وكانت دوافعى فى هذا أنه لم يتم القبض على أحد من أعضائه أو المشتبه فى انضمامهم له أو تعاونهم معه وأنه بالرغم من كل الحوادث التى تم نسبتها إلى ذلك التنظيم أو إعلانه هو عن تبنيها لم تسفر عن ضبط أيا من الأشخاص الذين يشتبه فى صلتهم به.

غير أن لقاء بمناسبة عملى جمعنى بشخصية مرموقة قضائية عرفت أن هناك قرابة "70 شخصا " تم القبض عليهم ويجرى التحقيق معهم فى علاقتهم بذلك التنظيم وتورطهم فى بعض عملياته , ولكونى بالأساس محاميا للدفاع أفهم حدود مثل هذه الاتهامات والتى تبقى فى ذلك النطاق حتى يصدر حكما قضائيا بالإدانة أو البراءة , لكن المصداقية تقتضى أن أقول ما اكتشفته, والبون شاسع بين اعتقادى بصحة القبض على شخصيات يوجه إليها مثل تلك الاتهامات وبين صحة نسبته إليهم فتلك مهمة موكولة إلى القضاء وحده دون غيره.

وأخطر ما فى الأمر أن "ناشطا" من هؤلاء الشباب كتب من مخبأه على تويتر واصفا الجيش المصرى بـ«العدو»، داعيًا إلى «رفع السلاح» , وفرق كبير بين أن نختلف مع آراء أو ممارسات بعض قادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة , وأن نطلب من تلك المؤسسة العزيزة على قلوبنا أن تبتعد عن الشأن العام السياسى وأن تكون دائما حيث ممارسة دورها الأساسى فى تأمين الحدود والدفاع عن الوطن, وبين أن نوجه عبارات الكراهية إلى مؤسسة وطنية لها مكانة كبيرة لاعتبارات شتى أهمها أنها تمثل كل بيت فى مصر وفق نظام التجنيد الإجبارى الذى يجعلها محل حب واحترام وتقدير, وأؤكد رغم أى آراء أو غضب من أى ممارسات لبعض قياداتها فى الشأن العام .

إن بذر مشاعر الكراهية فى اتجاه مؤسستنا الوطنية البارزة له أكبر أثر فى التأثير على الغطاء الشعبى الذى يحقق لها فبى المقام الأول إنجاز مهامها الوطنية العليا وما زلنا نطمح فى رفع قدراتها القتالية وكفاءتها التسليحية فى إطار بقاء الجيش المصرى كقوة كبرى قادر على الذود عن الوطن فى أى وقت يتحتم عليه القيام بذلك.

المسألة الأخرى التى تلقى اهتمامى , وهى كذلك ينبغى أن تلقى اهتمام كل المعنيين بضرورة الحفاظ على أبنائنا من الوقوع فى براثن التطرف والغلو , كما نكافح كل مظاهر التفريط فى منظومة القيم الحاكمة لأى مجتمع اسلامى عروبى وأننا ينبغى أن نستفيد من دروس التاريخ , فلا ينبغى دائما أن يستمر كل جيل فى أن يسلك الطريق من أوله , وأن يعاود التجربة من مبتداها ؟!

إن دراسة التجارب من حولنا تفيد أن الحركات التى لجأت إلى خيار العمل المسلح والعنف كطريقة لتحقيق الأهداف أو تطبيق الشريعة فشلت فشلا ذريعا , وأنه لا ينبغى التعويل على تجربة بعينها للخلوص منها إلى فشل السلمية خصوصا لو كانت الأخطاء ولو بنسبة يراها البعض قليلة ويراها آخرون كبيرة لها نصيب فيما جرى ووقع من أحداث وتدافع .

ما ننصح به إخواننا وفلذات أكبادنا دائما هو ضرورة العناية بالعلم الشرعى حتى لا يقع الواحد منا أو بعضنا فى شرك الفتيا بغير علم وذلك ذنب لو تعلمون عظيم, فالمنجاة من الشطط هى الأخذ بقسط معقول من العلم والسعى فى طلبه أو لزوم العلماء الثقات العدول، الذين لا يخشون فى الله لومة لائم, وفى الحديث الذى روته أمنا عائشة رضى الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنَّ الله أوحى إلىَّ: أنه من سلك مسلكاً فى طلب العلم سهلت له طريق الجنة، ومن سلبت كريمتيه أثبته عليهما الجنة وفضل فى علم خير من فضل فى عبادة وملاك الدين الورع) .

لا ننكر على شبابنا غيرته ولا إخلاصه ونواياه فهذه من الأمور التى نكل الفصل فيها لرب الناس فى المشهد العظيم، لكن الظاهر توفر الإخلاص والهمة ومحاولة أخذ الدين بقوة . غير أن الإمام المبتلى أحمد بن تيمية كان قد علمنا أن التصرف الرشيد لابد أن يقوم على أمرين «خالصا، صواباً». الإخلاص أن يستهدف صاحب العمل رضا الله سبحانه، خالصاً لله رب العالمين، صواباً على طريقة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا فقد العمل أحد هذين الركنين فقد القدرة على نيل الرضا الإلهى فالإخلاص وحده ليس كافياً فلابد أن ينهج العبد نهج النبى المعصوم فى سيرته وسنته. أظن أن الأمر يحتاج لاستطراد وعودة فى مقال تالٍ إذا شاء الله وقدر.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة