محمد مصطفى موسى

فيلم "إباحى"

السبت، 08 مارس 2014 10:20 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لست من محبى الرقص الشرقى، ورأيى فيه تشكّل مبكرًا مما قرأت فى مراهقة غضة، عن توفيق الحكيم: "الرقص الشرقى فن مخنث، يخاطب الشهوات، لا يسمو بالوجدان، أو يرتقى بالروح".

رأى وقعت عليه، وعقلى كقطعة أسفنج، تمتص كل الرؤى والأفكار، فتأملته فاستحسنته فاعتنقته فأصبح يوّجه سلوكى، فصرت أصاب بتلك الحال من الاشمئزاز، كلما رأيت – بمحض صدفة - راقصة تتغنج ذاك التغنج الرقيع، وتبذل جسمها رخيصًا لأعين ضارية، وهى تزعم أنها تقدم فنًا بصورة ما.

على أن رأيى من الرقص الشرقى، ليس رأيًا فى الرقص كله، فثمة متعة وجدانية ما، أتلمسها فى الزفة الإسكندرانى ورقص السوايسة وتحطيب الصعايدة، وكذا الدبكة الشامية، فضلاً عن الرقصات المحلية لجنوب أوروبا والباليه.

تلك الأطياف المتعددة، من "فن الرقص" بما فيها مما يسمو بالمشاعر، ويحقق المتعة البصرية، عبر تناغم الموسيقى والحركة، وما ينشأ عن ذلك من نقل حالة انفعالية ما إلى المتلقى، استهوتنى وما تزال، لكن ليس إلى درجة الشغف، فالشعر فالرواية فالموسيقى فالمسرح بالترتيب، هى الفنون الأثيرة عندى، وهى فنون ألوذ بظلالها هربًا من الصحافة ذات اللغة التقريرية القاحلة، فأتحرر مما يثقل القلب، وأروى ظمأ النفس إلى كل ما هو جميل بذاته.

والحقيقة أنه رغم وصلات "الردح" التى قد تشنها "عالمة هنا"، و"غزيّة هناك"، إذا ما تجاسر ذو رأى على أن يهاجم "فنها"، يبدو المجتمع المصرى متوافقًا على ازدراء الرقص، فالشائع من اللهجة المحكية، أن المرأة الوقحة "عالمة"، والمفرطة فى التبرّج رقّاصة، وكثيرًا ما يقال فى ذم واحدة: "تتكلم بالعين والحاجب كالرقاصة"، أو "وشها مكشوف كالعوالم".

وليس للنظرة المجتمعية الدونية إلى "الرقّاصات" علاقة بمدى الإقبال أو الانصراف عنهن، فكم من رجال رفيعى الشأن، هاموا عشقًا برقّاصات "درجة ثالثة"، وخسروا ما وراءهم وما أمامهم، وهم مسيّرون مسلوبة إراداتهم، يتلذذون بدمارهم ذاتيًا، منساقين لا إراديًا لصرخات النشوة الهوجاء، وصهيل الغريزة الجامحة.

تحليل "فرويدى" تحقيقا، يبدو ذا منطقية للنظر فى سر رواج "الرقص الإعلامى" و"مواخير الإستراتيجيين"، و"كباريهات بعض الفضائيات "، ففى مرحلة الالتباس الراهنة، حيث التشنج والاستقطاب والتخوين، وارتفاع نسبة "هرمون الغضب" فى دماء المجتمع، ليس غريبًا أن تسود ثقافة السب والقذف وأيضا "الردح"، وليس مستهجنًا أن تذوب المسافة بين برامج "السياسة"، أو تحريًا للدقة معظم البرامج وبين العوالم، وأن ينضم إلى "الجوقة" زمرة من الإعلاميين، ورهط من "الرقّاصات"، فيؤدى هؤلاء وأولئك "نمرة ما" من مسرحية عنوانها وطنى ومشاهدها إباحية.

ومنطقى فى هكذا ظرف، أن ترتقى "عالمة" مسرح الاستقطاب، فتطلق بدورها قناة فضائية على "السُنة العكاشية" فتكيل الشتائم لمن تريد وقتما تريد كيفما تريد، وتتهتك على مدى ساعات البث الأربع والعشرين، وتتواقح على مرأى ومسمع من المشاهدين بأقذع الألفاظ والإيحاءات الجسمانية، دون رادع من قانون أو أخلاق أو ميثاق شرف إعلامي، ولا بأس طالما نحن غارقون فى الــ "هى فوضى" فى أن تتخذ من قناتها منصة لإطلاق الصواريخ، على كل من ينبس ببنت شفة دفاعًا عن ثورة، يتجمع حولها أعداؤها، كما يتجمع اللئام حول مأدبة الأيتام.

عبثية لزجة مخاطية.. تنجرف فى مزالقها منظومة القيم، وكأنها "جلمود صخرٍ حطه السيل من علِ"، فى مشهد موجع، يتصدره الفاحشون الشتّامون اللعانون المتلونون، ممن ابتليت بهم مصر "أم الدنيا".. مصر التى أهدت البشرية تراثًا أخلاقيًا، حفره أسلافنا بالأزاميل على الصخر، حكمًا ومواعظ، ودوّنوه فى "كتاب الموتى"، أول كتاب فى فلسفة الأخلاق بالتاريخ.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة