ما الشئ الذى يجمع بين الأسماء الثلاثة فى عنوان المقال؟ الإجابة هى فريد الديب.. فليغفر لى الصديقان.
أولاً: محمد أمين:
عندما وشى أحدهم بأحمد بهاء الدين لبعض انتقاداته للنظام، قال عبدالناصر «دعوه يقول ما يشاء.. إنه كاتبٌ شريفٌ يكتب من دماغه».. وأنا أحترم الكُتّاب الذين يكتبون من أدمغتهم حتى وإن اختلفتُ مع بعض ما يكتبون.. لأن كتاباتهم غير مدفوعة الثمن.. من هؤلاء محمد أمين الذى عرفتُه منذ ثمان سنوات.. أنا شاهدٌ عليه وأستشهد بمشواره فى وجه من يبرر لنفسه التنازل وميوعة المواقف.. هو صحفىٌ عصامىٌ شقّ طريقه بقلمه فقط.. فنجَح.. عندما يكتبُ يتحسسُ ضميره ولا يتحسس جيبه.. يكتبُ ما هو مقتنعٌ به وإن كان لا يُرضى أصحاب المنبر الذى يكتب فيه دون أن يخشى ضياع الرزق.
التقيتُه للمرة الأولى عندما زارنى عقب بلاغى عن فساد تقييم عمر أفندى.. كان كاتباً لعمودٍ أسبوعىٍ فى جريدة الوفد ونائباً لرئيس التحرير.. ولاحظتُ مبكراً أن موضوعاته ولغته تتجاوز فى شجاعتها سياسة الجريدة.. ثم ازداد جُرأةً وابتكر استراحةً أسبوعية على صفحةٍ كاملةٍ أسماها «مصر من طائرة الرئيس» يتخيل فيها مبارك مُطلاً على مصر من فوق ويرى كم هى متألمةٌ.. تناول فيها موضوعاتٍ مثل احتجاج القضاة وفضيحة عمر أفندى، بمهنيةٍ شديدةٍ، جعلت الكثيرين يخلطون بين الواقع والخيال فيها.. ثم أصبح عموده يومياً.. وصرتُ «وغيرى كثيرون» نشترى الوفد خصيصاً لمتابعة ما يكتبه محمد أمين.
عُرِض عليه الكتابة يومياً فى المصرى اليوم بدلاً من الوفد براتبٍ مُغرٍ «بالنسبة له» فرفض وفاءً وانتماءً للوفد الذى يعتقد أنه بيته وصاحب الفضل عليه.. وافق المصرى اليوم والتزم هو بكتابة عمودين يومياً فى موضوعين مختلفين هنا وهناك، ونجح بامتياز رغم صعوبة ذلك.
من يتابع محمد أمين يعرف أن حكاية الديب لم تكن معركته الأولى وإنما هى تتويجٌ لسلسلةٍ من المعارك والمواقف التى خاضها.. لم يتخذ فيها موقفاً إلا تلبيةً لنداء ضميره ودون أى حساباتٍ.. بعد ثورة يناير اعترض بشدةٍ على تحالف الوفد مع الإخوان، فأصدر الحزب قراراً مضمونُه الفصل من الوفد.. ثم كان فى صدارة المنتقدين لأداء الدكتور عصام شرف كرئيسٍ للوزراء دون أن تُقيّده صداقتهما القديمة.. ثم كان موقفه من اتفاقية التعاون بين ماسبيرو وMBC سباحةً ضد تيار الهجوم الإعلامى والصحفى الخاص على الاتفاقية بما فيها الجريدة التى يكتب فيها ومنذ أسابيع بدأ زيارةً جريئةً إلى عش دبابير رجال الأعمال فى موضوع تحيا مصر.. صائحاً ضرائب لا تبرعات.
ثم توّج خَطَّه المستقيم بمقاله الصرخة «من يدافع عن مصر» الذى تساءل فيه إذا كان الديب يدافع عن هؤلاء، فمن يدافع عن مصر؟.. وضاعف من قيمة المقال أنه كتبه فى جريدة المصرى اليوم عكس الاتجاه الذى يمثله المدعو نيوتن «وما أدراك ما نيوتن!» وعددٌ من مستنسخى نيوتن فى الجريدة.
فى الأسبوع الماضى وضع الديب إكليل غارٍ على رأس محمد أمين عندما طلب من المحكمة تحريك الدعوى الجنائية ضده بسبب مقاله «من يدافع عن مصر»، فأحالته المحكمة للنائب العام.. وهو شرفٌ عظيمٌ يليق بمحمد أمين ويحسده عليه كل شريفٍ.. أن جعَلَه الله من خصوم الديب لا من موّكليه.. وبغضّ النظر عما ستؤول إليه الدعوى، فقد تم تعميدك بها رسمياً وشعبياً مقاتلاً فى كتيبة حاملى الأكفان من كُتّاب الرأى.. مبروك يا أبا هانى.
ثانياً: حمدى رزق:
فى النمرة التى أدّاها المهرّج فى ساحة العدالة، اجتزأ جملةً من مقالٍ قديمٍ «2009» لحمدى رزق امتدح فيه مبارك ابنا للمؤسسة العسكرية، ثم جملةً أخرى من مقالٍ حديث «2014» يُحذّر فيها السيسى من مشهلاتية مبارك قائلاً له: «لاتحتاج أبدا أمثال هؤلاء، تخيروا فإن العِرق دساس»، ليدلل بذلك على تلوّن حمدى رزق.. كنتُ أظن أن حمدى رزق ليس بالكاتب الذى تؤلمه مثل هذه الترهات التى تعامل مع مثلها كثيراً من قبل.. ولكنه فاجأنى بتأثره الشديد.. أنا هنا لا أدافع عن حمدى رزق بأقدر مما دافع هو عن نفسه فى مقاله الذى كتبه بعنوان «عندما يتلون حمدى رزق».. ولكن للرجل ديْناً فى عُنُقى ومن حقه وواجبى أن أشهد له شهادةً، من يكتمها فإنه آثمٌ قلبُه.. فبعد بلاغى بخصوص فساد صفقة عمر أفندى تكتلّت وسائل الإعلام ضدى، فيما عدا الأصوات المعارضة المعروفة وفوجئتُ بعددٍ من المقالات لحمدى رزق يدافع عنّى ويهاجم الصفقة دون أن يرانى.. ثم فوجئتُ بأول اتصالٍ من حمدى رزق يُلّحُ على لقائى فى قهوة زغلول القريبة من روزاليوسف.. لما التقيتُه أخبرنى بأن هناك مناظرةً على الهواء فى التليفزيون المصرى بعد قليلٍ عن موضوع عمر أفندى، وأن المُعبّر عن وجهة النظر الحكومية أحد أقطاب أمانة السياسات، وأنه سيكون الطرف الآخر ولكنه تنقصه بعض التفاصيل.. كنتُ ممنوعاً من الظهور فى التليفزيون الحكومى، فأعطيته ما أراد من بياناتٍ، فدوّنها فى وريقةٍ صغيرةٍ وأنا متوجّسٌ من قدرته على استيعابها.. بعد أقل من ساعتين كان حمدى رزق يدافع عن قضيتنا بأفضل مما أستطيع، ثم أنهَى المناظرة بالضربة القاضية بجملته الشهيرة «جواز عمر أفندى من شركة أنوال باطل».. بعدها لحقَ بى فى كشف الممنوعين من دخول ماسبيرو.
لم يكن حمدى رزق فى يومٍ ما محسوباً على المعارضة الصريحة، ولكن المدقق سيجد أيضاً أنه لم يكن محسوباً على أى نظام.. هو يُعبّر عن رأيه الذى قد يتفق مع اتجاه النظام وقد يختلف.. فقد كتب فى عز سطوة أمانة السياسات ضد التوريث «جمال بيلعب»، ووضد دعاة التوريث «أرامل جمال مبارك» وضد احتكار أحمد عز وصفقات حسين سالم وقرارات رشيد وضرائب يوسف بطرس غالى.
لعل مبعث اللَبْس عند كثيرين هو موقفه من جماعة الإخوان.. هو بالطبع فى خصومةٍ معهم ولكنها خصومةٌ غير مدفوعة الثمن، عن اقتناعٍ لا عن توجيه.. كان كذلك فى أيام مبارك ثم المجلس العسكرى.. وظل كذلك من اليوم الأول لحكم مرسى عندما أصدر كتابه عن وثيقة فتح مصر فى الوقت الذى كان آخرون من خصوم الإخوان السابقين يتلوّنون ويغيّرون آراءهم «بل أسماءهم».. ولعلّ المنصفين من الجماعة يُقدّرون للرجل رجولته فى الخصومة.. فى 2006 تم اعتقال الصديق عصام العريان وتمديد الحبس له، فإذا بحمدى رزق يكتب مقالاً مؤثراً معترضاً على اعتقال عصام العريان، كان مما قاله «لا يمنعنى خصامٌ سياسيٌ مع الإخوان، أو سوءُ ظنٍ من العصافير على شجرة النظام، من طلب الإفراج عن الدكتور عصام العريان.. الإبقاء عليه هكذا دون محاكمةٍ عادلةٍ لا تقبله نفسُ إنسان، فعصام لم يرَ النور منذ ستة شهورٍ، وكلما اقترب من الحرية طالت عِشرةُ السجّان.. لا أتحمل أن يُحرَم الأحفادُ من ابتسامة الجد عصام داخلاً إلى بيته كل مساء، مَنْ الذى ينام على جنبه مرتاحاً وأهل عصام يتقلبون؟ يرقبون طلّته من كوة زنزانةٍ جدرانُها صامتةٌ تمنع توصيل النداء».. وأُفرج عن عصام بعد المقال بيومين وعرفتُ من كليهما أن تواصلاً إنسانياً حدث بين الغريمين رغم اشتداد الخصومة السياسية.
ثالثاً: خواطر من وحى المحاكمة:
1 - غَمَزَ حسن عبدالرحمن ولَمَزَ فى تقاضى وائل غنيم 90 ألف دولار نظير عمله كمديرٍ إقليمى لشركة جوجل العالمية فى دبى.. فبماذا نُسمى الملايين التى كان يتقاضاها حسن عبدالرحمن نفسُه كدخلٍ شهرىٍ من جيوبنا؟.
2 - هل حقاً مُنع محامو الشهداء من الترافع اكتفاءً بمرافعات النيابة ومرافعات المتهمين؟.
3 - الشكلُ جزءٌ من مضمون العدالة.. عندما اختصم رجلٌ على بن أبى طالب عند عمر بن الخطاب قال عمر لعلىٍّ «قم يا أبا الحسن لأحكم بينكما» فغضَبَ علىٌّ لأن عمر لم يساوِ بينه وبين خصمه حينما ناداه بكُنيته «أى ناداه باسم التدليل».. أين العدالة فى الشكل بين محاكمةٍ لرئيسٍ يتحدث وكأنه فى قصر العروبة ويتحدث محاموه بمنتهى الأريحية على الهواء لساعاتٍ طويلةٍ، ومحاكمةٍ أخرى لرئيسٍ آخر فى قفصٍ وتُنتهكُ خصوصية حديثه مع محاميه.. رغم أن الأول مُدانٌ فعلاً بسرقة 125 مليون جنيه والثانى لا يزال حتى هذه اللحظة محبوساً احتياطياً.. أتكلم عن الشكل لا عن المضمون.. على فكرة أنا أطلب المعاملة الإنسانية الأرقى لكليهما وليس العكس.
4 - كنتُ ولا زلتُ مع محاكمة مبارك أمام القضاء العادى لا الثورى.. ولكن جزءاً من القضاء العادى أن تكون النيابة العامة عاديةً.. بمعنى أن هناك مئاتٍ من البلاغات الجادة تم تقديمها للنواب العموميين الذين تولّواْ المسؤلية منذ 2011 تتعلق بجرائم تزوير الانتخابات وفسادٍ مالىٍ لمبارك وتابعيه، بعضها بلاغاتٌ قضائيةٌ، وكلها جرائم جنائيةٌ وليست سياسيةً.. أليس من حقنا أن يُعلن السيد النائب العام الحالى ما تمّ بخصوص هذه البلاغات؟.
5 - من الممكن أن يُبّرأَ مجرمٌ لخطأٍ فى الإجراءات أو لعدم كفاية الأدلة فتكون براءةً قضائيةً تعنى الإفلات من العقوبة ولكنها لا تُلبس المُفلتَ ثوب العفّة والطهارة.. فكم أفلت تجار مخدرات وداعراتٌ من العقوبة لخطأٍ إجرائىٍ ولكنهم ظلوا مُدانين شعبياً.
6 - حرب أكتوبر شرفٌ لكل من شارك فيها «وهم مليون ضابط وجندى» ولكنها لا تُعطى شفاعةً لمخطئ.. مبارك نفسه حاكَم وسَجَن ظُلماً وبمنتهى الخسة قائده وقائد حرب أكتوبر الحقيقى سعد الشاذلى.. أنا شخصياً تشرّفتُ بخدمة مصر من خلال جيشها العظيم، فهل يمنع ذلك محاسبتى إذا أخطأت؟ بالعكس فقد حاسبنى نظام مبارك دون أن أخطئ.
7 - بعد سماع مرافعات المتهمين عن أنفسهم.. أهؤلاء التافهون كانوا يحكموننا؟