لم يجد فى المكان مكانًا فمضى، وهو الذى تغنى دائما بالصمود، صعدت روحه إلى الكبير المتكبر بعد أن قبعت أرواحنا فى مرارة الخذلان، نادى فلم نسمع النداء، صرخ فصمتت آذاننا، طرق الأبواب فأوصدناها، فلم يعبأ بشىء ومشى، صاحب أنشودة الفخر الفلسطينية "منتصب القامة أمشى.. مرفوع الهامة أمشى.. فى كفى قصفة زيتون.. وعلى كتفى نعشى، وأنا أمشى وأنا أمشى".
اليوم.. حدث بالفعل ومشى سميح القاسم صاخب جداريات الصمود وأمين سر شعر المقاومة، ورفيق درب شاعر العربية الأكبر محمود درويش، وصديق أغلب الشعراء والأدباء والنقاد العرب، والمقرب من أغلب الشعراء الشباب فى الوطن العربى، صاحب الروح الوثابة والقلب الحانى والعيون الضاحكة والقلب الكبير، شاهد المذبحة وشهيد الخريطة بعد أن تدهورت حالته الصحية مؤخرا جراء معاناته مع مرض سرطان الكبد اللعين، فكان قدره أن يعانى داخليا من سرطان الكبد بعد أن عانى طوال حياته من سرطان الأمة العربية المسمى بـ"إسرائيل".
75 عاما، قضاها شاعرنا الكبير ما بين سجن أو اعتقال أو نضال أو مرض أو سفر، لم يعرف قلبه الراحة حتى حينما عاد إلى فلسطين، فقد أرهقه الانقسام الداخلى والشتات الخارجى وموت الأصدقاء ومؤخرا ألم المرض، فقد سُجِن سميح القاسم أكثر من مرة كما وُضِعَ رهن الإقامة الجبرية والاعتقال المنزلى وطرِدَ مِن عمله مرَّات عدّة بسبب نشاطه الشِّعرى والسياسى وواجَهَ أكثر مِن تهديد بالقتل، فى الوطن وخارجه، اشتغل مُعلماً وعاملاً فى خليج حيفا وصحفياً، لكنه برغم كل هذا لم تفتر عزيمته ولم يصدأ قلمه وظل مخلصا للشعر والمقاومة والأدب والقضية، فصدر له ما يقرب من سبعين كتابا فى الشعر والقصة والأدب وصدَرتْ أعماله فى سبعة مجلّدات عن دور نشر عدّة فى القدس وبيروت والقاهرة كما تُرجِمَ عددٌ كبير من قصائده إلى الإنجليزية والفرنسية والتركية والروسية والألمانية واليابانية والإسبانية واليونانية والإيطالية والتشيكية والفيتنامية والفارسية والعبرية واللغات الأخرى، وحصل سميح القاسم على العديد من الجوائز والدروع وشهادات التقدير وعضوية الشرف فى عدّة مؤسسات، فنالَ جائزة "غار الشعر" من إسبانيا كما حاز على جائزتين من فرنسا عن مختاراته كما حصلَ على جائزة البابطين للشعر العربى وحصل مرّتين على "وسام القدس للثقافة" من الرئيس ياسر عرفات، وحصلَ على جائزة نجيب محفوظ من مصر وجائزة "السلام" من واحة السلام، وجائزة "الشعر" الفلسطينية، وصدَرتْ فى العربى وفى العالم عدّة كُتب ودراسات نقدية، تناولَت أعماله وسيرته الأدبية وإنجازاته وإضافاته الخاصة والمتميّزة ليحتار النقاد فى إطلاق لقب مناسب على هذا الصوت العربى الشامخ، فبعضهم قال إنه "هوميروس الصحراء" وقال البعض الآخر إنه "قيثارة فلسطين" وبينما لقبه آخرون بـ"متنبى فلسطين بينما وصفه البعض الآخر بـ"الشاعر القديس" "سيّد الأبجدية"، وشاعر الشمس.
وفى ظل هذا الموت القاسى، وفى ظل هذا العدوان الممنهج على غزة، لا يسعنا إلا أن نسترجع كلمات شاعرنا المفقود التى أنشدها لأنصار القضية الفلسطينية، محفزا ومدعما قائلا:
تقدموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
يموت منا الطفل والشيخ
ولا يستسلم
وتسقط الأم على أبنائها القتلى
ولا تستسلم
تقدموا
تقدموا
بناقلات جندكم
وراجمات حقدكم
وهددوا
وشردوا
ويتموا
وهدموا
لن تكسروا أعماقنا
لن تهزموا أشواقنا
نحن القضاء المبرم
تقدموا
تقدموا
طريقكم ورائكم
وغدكم ورائكم
وبحركم ورائكم
وبركم ورائكم
ولم يزل أمامنا
طريقنا
وغدنا
وبرنا
وبحرنا
وخيرنا
وشرنا
فما الذى يدفعكم
من جثة لجثة
وكيف يستدرجكم
من لوثة للوثة
سفر الجنون المبهم
تقدموا
وراء كل حجر
كف
وخلف كل عشبة
حتف
وبعد كل جثة
فخ جميل محكم
وإن نجت ساق
يظل ساعد ومعصم
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
تقدموا
حرامكم محلل
حلالكم محرم
تقدموا بشهوة القتل التى تقتلكم
وصوبوا بدقة لا ترحموا
وسددوا للرحم
إن نطفة من دمنا تضطرم
تقدموا كيف اشتهيتم
واقتلوا
قاتلكم مبرأ
قتيلنا متهم
ولم يزل رب الجنود قائما وساهرا
ولم يزل قاضى القضاة المجرم
تقدموا
تقدموا
لا تفتحوا مدرسة
لا تغلقوا سجنا
ولا تعتذروا
لا تحذروا
لا تفهموا
أولكم
آخركم
مؤمنكم
كافركم
ودائكم مستحكم
فاسترسلوا واستبسلوا
واندفعوا وارتفعوا
واصطدموا وارتطموا
لآخر الشوق الذى ظل لكم
وآخر الحبل الذى ظل لكم
فكل شوق وله نهاية
وكل حبل وله نهاية
وشمسنا بداية البداية
لا تسمعوا
لا تفهموا
تقدموا
كل سماء فوقكم جهنم
وكل أرض تحتكم جهنم
تقدموا
تقدموا
لا خوذة الجندى
لا هراوة الشرطي
لا غازكم المسيل للدموع
غزة تبكينا
لأنها فينا
ضراوة الغائب فى حنينه الدامى للرجوع
تقدموا
من شارع لشارع
من منزل لمنزل
من جثة لجثة
تقدموا
يصيح كل حجر مغتصب
تصرخ كل ساحة من غضب
يضج كل عصب
الموت لا الركوع
موت ولا ركوع
تقدموا
تقدموا
موضوعات متعلقة:
أبو سنة: رحيل الشاعر سميح القاسم صدمة كبيرة للحياة الفلسطينية والعربية
وفاة الشاعر الفلسطينى سميح القاسم
منتصب القامة "مشى".. ورحل شاعر العربية الكبير سميح القاسم صوت المقاومة الناصع وصاحب "غزة تبكينا لأنها فينا" ورفيق درب محمود درويش والقابض على جمرة الشعر حتى النفس الأخير
الأربعاء، 20 أغسطس 2014 12:06 ص
سميح القاسم
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
فلسطين
يا خسارة