"ابن بطوطة" يروى حكاية سيدة دمياطية راودت شيخا عن نفسه فأزال حاجبيه ليفزعها.. وقصة الشيخ المبتدع الذى تظهر لحيته وتختفى فجأة وسط القبور.. و"البرلس" بلاد الصالحين..وأمير "فارسكور" الذى دفع نفقة رحلته

الإثنين، 25 أغسطس 2014 05:28 م
"ابن بطوطة" يروى حكاية سيدة دمياطية راودت شيخا عن نفسه فأزال حاجبيه ليفزعها.. وقصة الشيخ المبتدع الذى تظهر لحيته وتختفى فجأة وسط القبور.. و"البرلس" بلاد الصالحين..وأمير "فارسكور" الذى دفع نفقة رحلته ابن بطوطة
كتبت سارة علامً

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
دمنهور أم مدن البحيرة

غادر ابن بطوطة الإسكندرية فى رحلته الممتدة فى ربوع مصر، ووصل مدينة دمنهور وقال عنها هى مدينة كبيرة وجبايتها، أى ما يدفعه المسلمون لبيت المال، كثيرة، ومحاسنها أثيرة، أم مدن البحيرة بأسرها، وقطبها الذى عليه مدار أمرها.
وواصل رحلته، وقال وصلت إلى مدينة فوه بكفر الشيخ، وهذه المدينة عجيبة المنظر، حسنة المخبر، بها البساتين الكثيرة، والفوائد الخطيرة الأثيرة.

مدينة أبيار وصناعة الملابس

ورحلت منها إلى مدينة أبيار (كفر الزيات)، وهى قديمة البناء، كثيرة المساجد، ذات حسن زائد وتصنع بأبيار ثياب حسان تعلو قيمتها بالشام والعراق ومصر وغيرها.. والثياب التى تصنع بها غيرمعتبرة ولا مستحسنة عند أهلها. ولقيت بأبيار قاضيها عز الدين المليجى الشافعى، وهو كريم الشمائل كبير القدر.

يوم استطلاع هلال رمضان بشمال مصر

حضرت عنده مرة يوم الركبة، وهم يسمون ذلك يوم ارتقاب هلال رمضان. وعادتهم فيه أن يجتمع فقهاء المدينة ووجوهها بعد العصر من اليوم التاسع والعشرين لشعبان بدار القاضى، ويقف على الباب نقيب المتعممين، وهو ذو شارة وهيئة حسنة. فإذا أتى أحد الفقهاء أو الوجوه، تلقاه ذلك النقيب، ومشى بين يديه قائلاً: بسم الله، سيدنا فلان الدين فيسمع القاضى ومن معه فيقومون له ويجلسه النقيب فى موضع يليق به. فإذا تكاملوا هنالك، ركب القاضى وركب من معه أجمعون، وتبعهم جميع من بالمدينة من الرجال والنساء والصبيان وينتهون إلى موضع مرتفع خارج المدينة، وهو موقع استطلاع الهلال، وقد فرش ذلك المكان بالبسط والفرش، فينزل فيه القاضى ومن معه فيرتقبون الهلال، ثم يعودون إلى المدينة بعد صلاة المغرب وبين أيديهم الشمع والمشاعل والفوانيس.
ويوقد أصحاب المحلات الشمع بمحلاتهم، ويصل الناس مع القاضى إلى داره، ثم ينصرفون بعد رؤية الهلال.

المحلة الكبرى جليلة المقدار

ثم توجهت إلى مدينة المحلة الكبيرة، وهى جليلة المقدار، حسنة الآثار، كثير أهلها، جامع بالمحاسن شملها. ولهذه المدينة قاضى القضاة ووالى الولاة وكان قاضى قضاتها أيام وصولى إليها فى فراش المرض ببستان له على مسافة فرسخين من البلد، وهو عز الدين بن الأشمرين، فقصدت زيارته صحبة نائبه الفقيه أبى القاسم بن بنون المالكى التونسى، وشرف الدين الدميرى قاضى محلة منوف. وأقمنا عنده يوماً.

البرلس بلاد الصالحين

وبعد سفر يوم كامل من المحلة الكبيرة، دخلت بلاد البرلس ونسترو، وهى بلاد الصالحين، وبها قبر الشيخ مرزوق صاحب الكرامات. فقصدت تلك البلاد، ونزلت بزاوية الشيخ مرزوق وتلك البلاد كثيرة النخل والثمار والطير البحرى والحوت المعروف بالبورى ومدينتهم تسمى ملطين (بلطيم حاليا)، وهى على ساحل البحيرة المجتمعة من ماء النيل وماء البحر المعروفة ببحيرة تنيس . ونسترو بمقربة منها.

نزلت هنالك بزاوية الشيخ شمس الدين القلوى من الصالحين، وكانت تنيس (ببورسعيد حاليا) بلداً عظيماً شهيراً، وهى الآن خراب، واشتهرت بصناعة كسوة الكعبة.

دمياط متنوعة الثمار

ثم سافرت فى أرض رملة إلى مدينة دمياط، وهى مدينة فسيحة الأقطار، متنوعة الثمار، عجيبة الترتيب، آخذة من كل حسن بنصيب والناس يضبطون ومدينة دمياط على شاطىء النيل، وأهل الدور الموالية يستقون منه الماء بالدلاء وكثير من دورها بها مصارف ينزل فيها إلى النيل. وشجر الموز بها كثير، يحمل ثمره إلى مصر فى المراكب. وغنمها كثيرة بالليل والنهار. ولهذا يقال فى دمياط: سورها حلوى، وكلابها غنم. وإذا دخلها أحد، لم يكن له سبيل إلى الخروج عنها إلا بطابع الوالى ومن يريد الخروج منها يطبع له الولى على ذراعه ليراه الحراس عند الخروج.

والطير البحرى بهذه المدينة كثير، متناهى السمن. وبها الألبان الجاموسية التى لا مثل لها فى عذوبة الطعم وطيب المذاق. وبها الحوت البورى يحمل منها إلى الشام وبلاد الروم ومصر. وبخارجها جزيرة بين البحرين والنيل تسمى البرزخ. بها مسجد وزاوية، لقيت بها شيخها المعروف بابن قفل، وحضرت عنده ليلة جمعة ومعه جماعة من الفقراء الفضلاء المتعبدين الأخيار. قطعوا ليلتهم صلاة وقراءة وذكراً.

ودمياط هذه حديثة البناء والمدينة القديمة هى التى خربها الإفرنج على عهد الملك الصالح. وبها زاوية الشيخ جمال الدين الساوى، قدوة الطائفة المعروفة بالقلندرية، وهم الذين يحلقون لحاهم وحواجبهم. ويسكن الزاوية فى هذا العهد الشيخ فتح التكرورى.

الشيخ الدمياطى يحلق لحيته وحاجبه ليخيف سيدة تراوده

يذكر أن السبب الداعى للشيخ جمال الدين الساوى إلى حلق لحيته وحاجبيه أنه كان جميل الصورة حسن الوجه فعلقت به امرأة، وكانت تراسله وتعارضه فى الطرق وتدعوه لنفسها، وهو يمتنع ويتهاون، فلما أعياها أمره دست له عجوزاً تصدت له إزاء دار على طريقه إلى المسجد، وبيدها خطاب مختوم. فلما مر بها قالت له: يا سيدى أتحسن القراءة ? قال: نعم. قالت له: هذا خطاب من ولدي، وأحب أن تقرأه علي. فقال لها، نعم. فلما فتح الخطاب، قالت له: يا سيدى إن لولدى زوجة، وهى داخل الدار، فلو تفضلت بقراءته بين بابى الدار لكى تسمع خطاب زوجها.

فوافق ووقف بين البابين فأغلقت العجوز الباب، واستدعت المرأة خدمها فشدوه إلى داخل الدار. وراودته المرأة عن نفسه، فلما رأى أن لا خلاص له، قال لها: إنى حيث تريدين. فأرينى بيت الخلاء. فأرته إياه. فأدخل معه الماء. وكانت عنده موسى جديدة، فحلق لحيته وحاجيبه، وخرج عليها، فاستقبحت هيئته، واستنكرت فعله، وأمرت بإخراجه وعصمه الله بذلك، فبقى على هيئته فيما بعد، وصار كل من يسلك طريقته أن يحلق رأسه ولحيته و حاجبيه

الشيخ المبتدع تظهر لحيته وتختفى

يذكر أنه لما قصد مدينة دمياط لزم مقبرتها، وكان بها قاض يعرف بابن العميد. فخرج يوماً إلى جنازة بعض الأعيان، فرأى الشيخ جمال الدين بالمقبرة فقال له: أنت الشيخ المبتدع. فقال له: وأنت القاضى الجاهل، تمر بدابتك بين القبور، وتعلم أن حرمة الإنسان ميتاً كحرمته حياً. فقال له القاضي: وأعظم من ذلك حلقك للحيتك. فقال له: إياى تعني. وزعق الشيخ، ثم رفع رأسه، فإذا هو ذو لحية سوداء، عظيمة. فعجب القاضى ومن معه، ونزل إليه عن بغلته. ثم زعق ثانياً فإذا هو ذو لحية بيضاء حسنة، ثم زعق ثالثاً ورفع رأسه. فإذا هو بلا لحية كهيئته الأولى فقبل القاضى يده، وتتلمذ له، وبنى له الزاوية الحسنة ، وصحبه أيام حياته حتى مات الشيخ. فدفن بزاويته. ولما حضرت القاضى وفاته أوصى أن يدفن بباب الزاوية، حتى يكون كل داخل إلى زيارة الشيخ يطأ قبره.

أمير فارسكور يدفع نفقة الرحلة لابن بطوطة

ثم سافرت إلى مدينة فارسكور،وهى مدينة على ساحل النيل ولحقنى هنالك فارس وجّهه إلى الأمير المحسني، فقال لى: إن الأمير سأل عنك، وعرف بسيرتك، فبعث إليك بهذه النفقة. ودفع إلى جملة دراهم، جزاه الله خيراً.

ثم سافرت إلى مدينة أشمون الرمان، ونسبت إلى الرمان لكثرته بها. ومنها يحمل إلى مصر. وهى مدينة عتيقة كبيرة على خليج من خلج النيل ولها قنطرة خشب ترسو المراكب عندها فإذا كان العصر رفعت تلك الخشب، وجازت المراكب صاعدة ومنحدرة. وبهذا البلد قاضى القضاة ووالى الولاة.

سمنود كثيرة المراكب

ثم سافرت عنها إلى مدينة سمنود، وهى على شاطئ النيل، كثيرة المراكب حسنة الأسواق وبينها وبين المحلة الكبيرة ثلاثة فراسخ. ومن هذه المدينة ركبت النيل مصعداً إلى مصر، ما بين مدائن وقرى منتظمة، المتصل بعضها ببعض. ولا يفتقر راكب النيل إلى استصحاب الزاد. لأنه مهما أراد النزول بالشاطئ، نزل الوضوء والصلاة وشراء الزاد وغير ذلك. والأسواق متصلة من مدينة الإسكندرية إلى مصر، ومن مصر إلى مدينة أسوان من الصعيد.


موضوعات متعلقة..


الحلقة الأولى من روايات ابن بطوطة "ووصف الإسكندرية".. كتب عن أبوابها ومنارتها.. وتعجب من عمود السوارى.. وجسد بروعة حكاية مُنَجم تنبأ بتولى "الريغى" قضاءها 40 عامًا











مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة