ما بين صندوق الورنيش المتسخ بالسواد وأوراق الكتابة البيضاء تسير حياة "مصطفى النسر"، الذى اتخذ لقلبه حرفة الشعر ولجيبه صنعة مسح الأحذية دون تعارض أو امتعاض؛ فهو يتعايش مع كليهما منذ سنوات طويلة دون أن يتمرد الشاعر المرهف بداخله على ماسح الأحذية الذى "يعامل كالخدم" كما يصف فى إحدى قصائده، التى يتحدث فيها عن "خدام القدم"، الذين لا تراهم بلدهم وتهدر أبسط حقوقهم، ويحلم فيها لنفسه ولهم بحياة أخرى لا يتوقفون فيها عن الكد ولكن يعيشون بكرامة.
فى البداية كانت هواية قلبه وهو لا يزال ابن العاشرة "هواية الشعر جوايا من زمان وكنت بكتب الشعر فى كراريس المدرسة أو فى ورقة جرنال ولحد دلوقتى بكتبه فى أى ورقة بيضا ألاقيها قدامى"، أما رفقته لصندوق الورنيش فبدأت بعد رحلة طويلة تنقل فيها بين عدة مهن" الإعدادية كانت آخر عشرتى بالمدرسة، أبويا قال لى ساعتها لازم تنزل تدور على شغل وبدأت أشتغل فى ورشة بس مستحملتش الضرب والإهانة وفضلت أتنقل من شغلانة للتانية؛ مرة أشتغل قهوجى ومرة تباع ميكروباص لحد ما استقريت على مسح الجزم وبقيت صنايعى شاطر وبخيط الجزم كمان، ومش بستعر من شغلانتى لأن ده أنا ومينفعش أستعر من نفسى بس بحاول أطورها للأحسن".
يمتلك "النسر" أحلاما كثيرا يحلق فيها فى أفاق تنتشله من واقعه الحالى لكنه يعود بجناح مكسور بعد كل محاولة للتحليق مبتعدا عن صندوق الورنيش الذى صبغ أصابع الشاعر بسواد لا يزول: "لفيت على جرايد كتير أعرض عليهم الشعر اللى بكتبه، ينشروه أن شاء الله من غير فلوس بس كانوا بيشوفوا هيئتى وصوابعى اللى اسودت من الورنيش، يقولوا لى سيب رقم التليفون وطبعا مكنش حد بيتصل وآخر ما يئست بقيت أكتب القصائد بتاعتى على الحيطة وتتمسح وبرجع أكتبها تانى لحد ما حد يشوفنى".
تتنوع قصائد "النسر" بين الحديث عن العمال البسطاء الذين يتزاملون معه فى "الشقا" وبين الحديث عن "مصر الحلوة" التى يتمناها، ولا تبتعد عن قضايا العصر التى يتابعها فى الجرائد وشاشات المقاهى وحتى "الإنترنت" الذى يجيد التعامل عليه، فأخر قصائده كتبها عن "التحرش" موجها رسالة بلسان كل فتاة للمتحرش، "عالج نفسك ومتنصحنيش بحب الدنيا وعاوزة أعيش".
"مصطفى النسر" اتخذ لقلبه هواية الشعر ولجيبه صنعة مسح الأحذية
الثلاثاء، 26 أغسطس 2014 02:22 م
الشاعر وماسح الأحذية مصطفى النسر
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة