فى طريق الحياة يسير الإنسان ويمر به كثير من الهموم والآلام، وكلما سار ثقُل الحمل، إذ تتنوع الشخصيات والمشكلات التى يلاقيها. وحين يشتد به الأمر، يزداد ارتباك الشخص فى مسيره ما يؤدى إلى تفاقم المشكلات وازديادها. لذا، حين تتعرض لموقف يتسبب فى شعورك بالهم، لا تدَعْه يَطغَى على تفكيرك أو مشاعرك، بل حاول أن تُهدئ من قلقك وتوترات نفسك؛ لتفكر بهدوء وعقلانية يؤديان بك إلى أفضل الحلول. وأنت تفعل هٰذا، ضَع ما تتعرض له أمام الله فى صلواتك واثقًا أنه يستطيع أن يعينك ويهبك الحكمة اللازمة للتصدى للمواقف التى تمر بك.
قيل: "إن المشكلة حين ندوّن تفاصيلها نكون قد حصلنا على نصف حلها". أتذكر قصة عن أحد الأشخاص قد لاحظ أنه يحمل همومًا كثيرة فى حياته ما يؤدى إلى ارتباكه؛ فلا يستطيع حل ما يتعرض له من عقبات، بل تزداد الأمور تعقيدًا. وإذا أدرك هٰذا، قرر أن يكتب المشكلة التى تواجهه أو الفكر الذى يقلقه، ثم يُلقيه فى صندوق أطلق عليه "صندوق المشكلات". كان يفعل هٰذا طوال أيام الأسبوع، ثم يفتح الصندوق فى يوم الخميس من كل أسبوع فى جلسة هادئة يقرأ ما كتبه على مر الأيام. اكتشف الرجل بعد مدة، أن أغلب ما دونه هو مخاوف أو مشكلات لم تحدث، أو لم تنتهِ، أو ليست فى طريقها للحل. كذٰلك وجد أن هناك كثيرًا من الأمور التى كان ينتابه القلق والمخاوف جراء حدوثها لم يكُن لها وجود حقًّا! ومن هنا ندرك أننا نجد أنفسنا وقد مر بها فى طريق الحياة عدد من الأمور التى يجب أن نعيها:
أولاً: هناك مواقف نعتقد أنها ستؤدى إلى أزمات فى الحياة فينتابنا القلق والتوتر، وأغلب هٰذه المواقف هى مخاوف من صنع خيال الإنسان، ومعظمها لم يحدث. يقولون: "المشكلة فى معظم الناس أنهم يفكرون بأمنياتهم أو بمخاوفهم بدلًا من أن يفكروا بعقولهم".
ثانيًا: مشكلات فعلية، ولٰكن يمكن اتخاذ خَطوات لحلها؛ وذٰلك النوع نبدأ بالعمل على حله بكل جد واجتهاد معتمدين على معونة الله لنا فى الطريق.
ثالثًا: مشكلات عسِرة لا يمكننا إيجاد الحلول لها؛ وكل ما علينا حينئذ أن نضعها أمام الله ونطلب إليه أن يدخل فى حلها بحكمته اللانهائية.
قارئى العزيز، لا توجد حياة بلا ألم، أو قلق، أو ضيق، أو مشكلات، وقد أذِن الله بأن يمر بنا مثل هٰذه الأشياء كى ما نتدرب ونصقُل ما لدينا من مواهب أعطانا إياها. فكل ما يمر بك من صعاب، تزداد فيه قدراتك على: المحبة، والصبر، والاحتمال، إضافةً إلى تدريب الذهن والعقل؛ فتنمو مهارات التفكير لديك والقدرة على الإبداع الخلاق. أشعر وأنا أكتب كلماتى هٰذه، كأننى أرى فارسًا يمتطى جواده فى سباق الحياة يعبر به الحواجز والسُّدود، وكلما تدرب على اجتياز حواجز أكثر، ازدادت مهارته فيستطيع عبور صعاب أكبر؛ إلى أن يمكنه فى يوم ما أن يحقق ما يَعُدّه كثير من الناس "مستحيلًا". يقولون: "المشكلة ما هى إلا فرصة سانحة لك لتبذُِل قُصارى جُهدك". لا تدَع المشكلة تقوى عليك أو تهُزك، بل اجعلها تدريبًا لعزيمتك وثقتك، وطريقًا للوصول إلى طموحك، واثقًا أن الله يشدد ويقوى كل من يلجأ إليه ويكون أمينًا معه.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.