خالد عزب يكتب: مدينة أسيوط.. رؤية من الزمن الجميل

الخميس، 15 يناير 2015 02:12 ص
خالد عزب يكتب: مدينة أسيوط.. رؤية من الزمن الجميل غلاف كتاب مدينة أسيوط

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن الهيئة العامة للثقافة كتاب رائع من تأليف عثمان فيض الله الذى كان يعمل مدرسًا للتاريخ بمدارس أسيوط، وألف ونشر كتابه هذا فى عام 1940، أعادنا هذا الكتاب إلى أسيوط فى عصرها الذهبى، وقدم للطبعة الجديدة الأستاذ سعد عبد الرحمن، لكنى سأخذك عزيزى القارئ فى رحلة عبر صفحات هذا الكتاب إلى أسيوط، تلك المدينة المتسعة مبعثرة المبانى والتى تبلغ مساحتها 25926 كم² محتلة بذلك المركز التاسع بين محافظات مصر من حيث المساحة وأكبر مدينة فى صعيد مصر، كان ولا يزال لموقعها آثار ونتائج هامة وبعيدة المدى؛ أثّرت فى تطور المدينة وعملت على نموها ورقيها؛ فتوسط موقعها كان سببًا فى قيام قناطر أسيوط التى تغذى ترعة الإبراهيمية والتى سهّلت المواصلات بين أسيوط وبين بلاد الشاطئ الشرقى كلها مما أكسب أسيوط شهرة فائقة وصيتًا ذائعًا.

قامت المدينة الأصلية على ربوة مرتفعة تشرف على ما حولها من الأراضى الزراعية وبذلك لا تطغى عليها مياه النيل وقت الفيضان فتغرقها، وإن لزائر المدينة أن يلمس ذلك عن ركوبه للسيارة واختراقه للمدينة مبتدئًا من النيل، إذ يلاحظ أنه قد ارتفع به مسافة تتراوح من ستة أمتار إلى تسعة أمتار، كذلك ارتفاع وسط المدينة (البلدة القديمة)، وبين المدينة القديمة والحديثة ترى انخفاضا متسعًا.

ولعل متسلق الجبل الغربى الذى يحتضن أسيوط، أن يستمتع برؤية المقابر التاريخية ورؤية المدينة من قمة الجبل فى منظر بهيج جذاب بمآذنها الكثيرة وقبابها مختلفة الأشكال والأحجام وعماراتها الباذخة الأنيقة وأشجارها اللفاء.

مدينة أسيوط الحالية ما هى إلا وليدة مدينة مصرية قديمة أطلق عليها المصريون القدامى اسم سيوط، وكانت عاصمة القسم الثالث عشر فى الوجه القبلى. على هذا المنوال استمرت المدينة يطلق عليها اسم سيوط طوال تاريخ الفراعنة، وتغير اسم المدينة بعد ذلك وتطور أيام حكم البطالمة لمصر فنسيت كلمة سيوط الأصلية وأطلق عليها الإغريق مدينة ليكوبوليس ومعناها الذئب، واستمر الحال أثناء الحكم البطالمة والرومان ثم الفتح العربى عام 640 م، فنقل العرب اسم المدينة القديم ونطقوه أسيوط أو سيوط، ومن ذلك يتضح لنا أن اسم المدينة العربى الحالى ما هو إلا اسم المدينة الفرعونى المصرى القديم.

ولعل العصور التاريخية التى تعاقبت على أسيوط جعلتها تنال نصيبًا وافرًا من تراثنا الحضارى من مختلف العصور سواء العصر الفرعونى أو الرومانى أو القبطى أو الإسلامى؛ فتعتبر محافظة أسيوط من مناطق الجذب السياحى وذلك لتوافر الآثار والمقومات السياحية الآتية:

من عصر الأسرات الفرعونية

آثار مير – آثار قصير العمارنة – آثار جبل أسيوط الغربى – آثار دير ريفا – آثار شطب – لوحات حدود مدينة إخناتون – آثار كوم دارا بعرب العمايم – آثار النواجى – آثار عزبة يوسف – آثار – آثار دير الجبراوى – آثار عرب العطيات – آثار المعابدة - عبد الرحمن حسن علام- آثار السواقى الثانى عشر بقرية أولاد محمد بهيج.

من التراث القبطى

دير المحرق بالقوصية – دير العذراء بجبل أسيوط الغربى – دير الأنبا صرابامون بديروط الشريف – دير الشهيد مارمينا "الشهير بالدير المعلق" بأبنوب – دير الأنبا تواضروس المشرقى بصنبو – دير السيدة العذراء بدير الجنادلة – دير الأمير تادرس الشطبى بمنفلوط - دير الشهيد مارمينا بصنبو - دير الأنبا كاراس السائح بديروط وفى مدينة أسيوط فى داخل البلد توجد كنيسة القديس مار مرقس الرسول التى تجلت عليها السيدة العذراء.

من العصر الإسلامى

الوكايل بمدينة أسيوط – حمام ثابت بمدينة أسيوط – قنطرة المجذوب بمدينة أسيوط – جبانة المجذوب بمدينة أسيوط – شارع الانكشارى بالقيسارية - المعهد الدينى "معهد فؤاد الأول" بمدينة أسيوط – مسجد المجاهدين بمدينة أسيوط – مسجد جلال الدين السيوطى بمدينة أسيوط – مسجد أبو العيون بدشلوط – ديروط - مسجد العوامر من عهد عمرو بن العاص بديروط الشريف - مسجد السيد الفرغل أبو تيج.

المعالم الحديثة

متحف مدرسة السلام بمدينة أسيوط – جامعة أسيوط – جامعة الأزهر – محمية الوادى الأسيوطى – نهر النيل وقناطر أسيوط – المعرض الدائم للهيئة الإقليمية للتنشيط السياحى بالديوان العام – قاعات المؤتمرات الدولية – مناطق الاكتشافات الأثرية الحديثة – المخيم السياحى – مرسى أسيوط السياحى – مرسى حورس السياحى.

لقد جاء "كتاب مدينة أسيوط.. بحث فى بيئتها بين الماضى والحاضر" فى طبعته الجديدة ضمن سلسلة ذاكرة الوطن من الهيئة العامة لقصور الثقافة، ليكشف لنا عن مؤَلَّف تمت كتابته فى مارس 1940 على يد الأستاذ عثمان فيض الله، مدرس المواد الاجتماعية بمدرسة أسيوط الثانوية الأميرية للبنات، وقد مثّل ثمرة تفاعل إيجابى نقتدها فى وقتنا الحالى بين مدرس كفء ومرحلة من مراحل التعليم فى مصر. وهو أول كتاب عن أسيوط فى العصر الحديث، بل إنه أول وأوفى كتاب ولم يكتب حتى الآن عن أسيوط مثله فى حسن إحاطته بالموضوع وغزارة مادته ودقته.

لقد قسم المؤلف كتابه إلى سبعة أقسام، عنى كل قسم منها بناحية مختلفة:

فمن الناحية الجغرافية، تحدث الكتاب عن حدود المدينة ومساحتها وما يتصل بأسيوط من مناطق مجاورة تمتد إلى الجبل الغربى والواحات الخارجة والداخلة. ثم الانتقال إلى الصحراء الشرقية وجبل الرخام، ثم القرى القريبة من أسيوط، وبعد ذلك تحدث المؤلف عن المناخ فى أسيوط فوصف الحرارة فيها صيفًا وشتاءً وأثر هذا المناخ على عادات أهالى أسيوط وسلوكياتهم، وقد ذيل حديثه عن المناخ بذكر مزايا مناخ أسيوط قريب الشبه بالصحراوى.

ومن الناحية التاريخية، قدم لنا المؤلف سجلاً موجزًا وافيًا بتاريخ أسيوط بدءًا من حضارة ما قبل الأسرات أو ما يسمى لدى البعض "بحضارة البدارى"، ثم أسيوط فى الدولة المصرية القديمة وعهد الإقطاع ثم الدولة الوسطى والمعلومات القيمة عن أمراء أسيوط فى عهد الإقطاع والفترة اللاحقة على عهد الإقطاع، وحقبة الملوك الرعاة أو الهكسوس، ثم أسيوط أيام الدولة الحديثة ونهاية عصر الأسرات، وأسيوط إبان الغزو الفارسى وفى أثناء الحكم الإغريقى ومن بعهدهم الرومان حتى وصل إلى أسيوط القبطية.

انتقل بعد ذلك إلى أسيوط فى العصر الوسيط بعد الفتح العربى الإسلامى ثم دخول العثمانيين. وقد عرفنا المؤلف فى إيجاز شديد ببعض العلماء من أبناء أسيوط مثل جلال الدين السيوطى وابن الصلاحي، ثم انتقل للحديث عن أسيوط فى العصر الحديث من عام 1800 حتى تاريخ تأليف الكتاب عام 1940، وتعرض خلال هذه الفترة للغزو الفرنسى واحتلال الفرنسيين لأسيوط وموقعة بنى عدى وأسر الفرنسيين لبعض أعيان أسيوط وظهور الطاعون عام 1800، ثم عهد محمد على وبداية ازدهار المدينة، وصولاً إلى عصر إسماعيل الذى تطورت فيه أسيوط إداريًا وازدادت أهميتها مع امتداد هى السكة الحديدة إليها، وحفر الترعة الإبراهيمية، ثم عهدى توفيق وعباس حلمى الثاني، ثم السلطان حسين والذى بدأت معه تظهر ملامح أسيوط الجديدة المتمثلة فى الأحياء المعروفة بالشركات. وأنهى المؤلف هذا القسم بالحديث عن أسيوط خلال عهد الملك فؤاد والإشارة إلى ثورة 1919 ومظاهرها بأسيوط، وأخيرًا عهد الملك فاروق الذى لم ين قد مر على اعتلائه عرش البلاد آنذاك سوى 3 سنوات.

من الناحية التخطيطية رسم المؤلف صورة واضحة لمعالم مدينة أسيوط مستعينًا بالخطط التوفيقية، وقام بتعريفنا بأسماء أهم الشوارع مثل شارع الخديوى إسماعيل (يمتد من مبنى المحطة حتى مسجد المجذوب، ويطلق عليه حاليًا شارع 23 يوليو)، وشارع السلطان حسين (يمتد من نفق السكة الحديدية حتى قناطر الترعة الإبراهيمية، وهو واسمه الآن شارع 26 يوليو)، وشارع الملك فؤاد (كورنيش النيل حاليًا)، وشارع الملك فاروق (فاروق حاليًا)، وشارع عدلى يكن وشارع شكرى، وشارع وابور النور، وشارع المجاهدين.

ومن الناحية الاقتصادية، تناول الكتاب الزراعة فتحدث المؤلف عن رى الحياض واهم حوضين زراعيين حول أسيوط وهما حوض الزنار وحوض الملاح، كما تحدث عن المصارف والترع. أما الصناعة فقد قام الكتاب بتعريفنا بأهم الصناعات الأسيوطية كالتطعيم بسن الفيل 0العاج) والأبنوس وقرن الخرتيت والأثاث والسجاد والمصنوعات الجلدية، والاسمنت والبلاط وصناعة الملوحة وحلج ونسج الأقطان والزيوت.

وكما قدم لنا الكتاب وصفًا للحالة الاجتماعية والثقافية والتعليمية لأسيوط حيث رسم لنا صرة لحياة أهالى أسيوط فى القرن الـ19، فوصف البيت الأسيوطى الرحب المتسع ذو الفناء الكبير من الداخل؛ حيث يستقبل الضيوف فى القاعة وتخزن الحبوب فى الحاصل، والفرن البلدى والطاحون الصغير الذى كان يدار بالدواب، كذلك ملابس السيدات، فسيدات الطبقة الراقية كن يلبسن "الحبرة والبرقع الأبيض" اما نساء العامة فكن يلبسن "الشقة".كذلك اهتمام أهل أسيوط بإحياء المواسم والأعياد وليالى رمضان، ونظام الأسرة الأفراح وحفلات العرس ومغالاة أهل أسيوط فى المهور، كذلك الجنائز والتى تقام لثلاث ليال بعد الدفن وغيرها من العادات والتقاليد الخاصة بالمجتمع الأسيوطى.

وقد تطورت الأوضاع الثقافية والتعليمية خلال القرن العشرين كثيرًا بسبب اتساع دائرة الثقافة الحديثة وانتشار التعليم وزيادة الاهتمام بتعليم الفتاة، كما تطورت الجوانب الرياضية خاصة بعد نشأة نادى أمير الصعيد (البلدية حاليًا) ونادى أسيوط (مقر الحزب الوطنى حاليًا)، ونادى السباق ونادى النيل.

محافظة أسيوط حاليًا تتكون من 11 مركز (ديروط، القوصية، أبنوب، منفلوط، أسيوط، الفتح، أبو تيج، الغنايم، ساحل سليم، البدارى، صدفا، الوليديه)، 11 مدينة، حيين، و52 وحدة محلية قروية تضم 235 قرية و971 عزبة ونجع.

يبقى لنا أن نشير مجددا أن كتاب مدينة أسيوط يعتبر أوفى وأول سجل عن أسيوط سياسيًا واجتماعيًا وعمرانيًا وثقافيًا واقتصاديًا... ونتمنى تكرار التجربة.








مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة