نقلا عن العدد اليومى :
خلف سور مجرى العيون الأثرى، أسرار ساكنى مصر القديمة وحكايات تحول المنطقة الخلفية للسور والتى تسمى المدابغ، وقصة منطقة تتجاوز الـ100 عام وقرار بالنقل للتطوير دخل عامه الـ22 بدون تنفيذ فعلى بسبب التمويل والروتين والترهل الحكومى.
إحدى مراحل تصنيع الجلود فى مدبغة حديثة بمصر القديمة
بمجرد مرورك بإحدى فتحات سور مجرى العيون الذى يفصل الشارع الرئيسى بتحضره ومدنيته والإسفلت والحديقة العامة تجد نفسك فجأة فى شوارع ضيقة، ورش ومبانٍ متلاصقة، تسمع أصوات البراميل وماكينات صباغة الجلود وأمامها عمال ملابسهم تحمل علامات مهنة جمع ودباغة الجلود من مريلة جلدية وحذاء بلاستيك ويتصبب العرق من وجوههم يحملون فضلات الجلود والشعر، ومخلفات الصباغة أو تبرز وجوههم من بين أكوام الجلد المملحة لتخبرك بسر حفظ الجلد لفترات طويلة دون أن يصيبه «النتن» حتى ينتهى من تجهيزه ليخرج جلدا جاهز للتصنيع.
للوهلة الأولى تجبرك الحركة الفائقة للعمال على متابعة كل واحد منهم، ماذا يفعل وأين يذهب؟ لتستقر عينك على أول حلقة فى صناعة دباغة الجلود وهى جمعها وتمليحها، والتى تنتشر فى كل مكان محمولة على عربيات كارو وتعتبر الوسيلة الوحيدة للتنقل داخل منطقة تحتوى على %80 من إنتاج مصر من الجلود.
عالم خاص يحمل كثيرا من الأسرار عند الدخول إليه ترى عربات الكارو متراصة صفا واحدا وبجوارها السائقون والحمالون، منهم من يحمل الجلود على العربة لنقلها إلى مخازن تمليح الجلد، ومنهم من ينتظر من يطلب منه النقل ومنهم من يحمل «السلايت» وهو القشرة الخارجية لجلد الجاموس أو البقر ليصنع منها الجيلاتين المستخدم فى الحلويات.
وقف عم حسن الشلاقنى سائق كارو، والشهير باسم حسن بيدو يحكى حكاية أقدم مدبغة بالمنطقة قائلا: «كانت ملك الخواجة جبرا ظريفه وهو يهودى الجنسية وساب مصر وهاجر وترك خلفه عدة مدابغ حملت بعد ذلك أسماء مصريين ممكن كانوا يعملون فى هذه المدابغ ثم بعد ذلك تحولت المنطقة إلى مركز لدباغة الجلود ومع الحركة والشغل نقف على بوابات السور فى انتظار من يطلب إحدى العربات للنقل، فهى مهنتنا من قديم الأزل نستخدم العربات الكارو التى تسحبها الخيول فى نقل الجلود من المدبغة، كما تقوم بنقل فضلات الجلود لمصانع الغراء، وبنشتغل من غير مرتب ولا تأمين ولا أى حاجة إحنا كلنا أرزقية على باب الله».
عمال المدابغ مع محرره اليوم السابع
على بعد خطوات وبالتحديد يسار شارع قبلى العيون ستجد أقدم مدبغة فى المنطقة وهى مدبغة «فلفل».
ويقول مجدى خليل، مستأجر المدبغة: «إن وضع المدابغ أصبح الآن أسوأ بسبب غلاء الأسعار وجشع المستوردين والاعتماد على معدات فرز ثانى وثالث أثرت على إنتاجية الجلود.
مشاكل النقل لمنطقة الروبيكى
وعن المشاكل التى يتوقعها خليل فى منطقة الروبيكى، يقول: قرار النقل لم يراع المستأجرين ولم يحدد أوضاعهم بعد النقل، فكل ما سنحصل عليه تعويض صغير، وفى الشهر ننتج 120 قطعة نظرا للظروف الاقتصادية، فالديون زادت علينا كما أن مشاكل الصرف الصحى ونقص الخدمات وانقطاع التيار الكهربى أدت إلى تلف بعض البراميل فى المدبغة، مما يؤثر على الإنتاج، ليس فى مدبغتنا وحدها لكن فى جميع الورش.
100 ألف عامل فى مائة عام مدابغ
منطقة المدابغ بمصر القديمة تحتوى على ورش ومصانع لدباغة الجلود ومخازن لتمليح الجلود وورش لصناعة البراويز الخشبية، بالإضافة إلى مصانع الغراء والجلاتين يصل عددها إلى 1100 ورشة، يعمل فى هذه المنطقة أكثر من 100 ألف عامل على حسب الحاج محمد حربى رئيس غرفة صناعة دباغة الجلود.
عمال المدابغ
مائة عام هى عمر منطقة المدابغ بمصر القديمة وأغلب العاملين وأصحاب الورش توارثوا هذه المهنة من آبائهم ونقلوها لأبنائهم، فهناك ورش ترجع فى إنشائها إلى الثلاثينيات وتولت إدارتها أجيال كثيرة من بينها مدبغة (الحاج بيومى القط) التى تم إنشاؤها عام 1937 وكانت من أكبر المدابغ فى المنطقة كانت تحتوى على 12 ماكينة تهالكت وتبقى منها 3 ماكينات وأصبح عدد العاملين بها 7 أفراد فقط يعملون من 8 صباحا حتى 8 مساء.
مدخل منطقة المدابغ خلف سور مجرى العيون
الحاج محمد حربى روى لـ«اليوم السابع» حدوتة النقل منذ التفكير فى إعادة بناء وتطوير الشركات الصناعية فى تلك الصناعة، موضحا أنه أمر استدعى إصدار قرار عام 1992 بنقل المدابغ إلى خارج القاهرة، ولكن لم يتم تنفيذه إلى أن جاء قرار حاتم صالح، وزير الصناعة السابق، بضرورة نقل المدابغ إلى منطقة الروبيكى بمدينة بدر الصناعية، التى تبتعد عن القاهرة أكثر من 45 كيلومترا وقرار نقلنا إلى منطقة الروبيكى يهدد بتشريد آلاف العاملين، لكننا لن نمانع فيه.
محررة اليوم السابع مع أقدم "عربجى" فى مدابغ مصر القديمة
ويضيف محمد حربى: «إن آخر شىء وصل لنا عن قرار النقل هو اعتماد وزارتى المالية والصناعة 311 مليون جنيه، فى الوقت الذى يحتاج فيه المشروع إلى 2 مليار لاستكماله، حيث إن المنطقة بها 1100 مدبغة وورشة بمساحات مختلفة تبدأ من 120 متر إلى 15 ألف متر، والمحافظة لم تنته سوى من 29 ورشة فقط، وقرار النقل سيفيد البلد كلها من صحة وسياحة فالمنطقة أثرية وتركها سيترك للمحافظة فرصة استثمارها، والنقل يحتاج توفير امتيازات للعمال وأصحاب الورش من توفير شبكة مواصلات وسكن للعاملين ونواد اجتماعية وخدمات، فأصحاب الأعمال يصل عددهم إلى 25 ألف شخص والعمال حوالى 75 ألف على حسب آخر حصر للمنطقة من وزارة الصناعة والمحافظة ونحن قلنا ذلك لرئيس الوزراء خلال زيارته للمنطقة، وأضاف حربى: «المحافظة أنهت البنية التحتية لمنطقة الروبيكى فى 29 منشأه فقط، والباقى أين؟ لا نعرف، ورئيس الوزراء زار المنطقة بعد تصريح محافظ القاهرة بأنه أنهى %80 من نقل الروبيكى، ولكن لم تحل مشاكل العمال وعلى الدولة أن تساعدنا فى إعطائهم حقوقهم فكل العمال يسكنون قريبا من المنطقة وحين يتم نقلهم إلى الروبيكى لابد من توفير وحدات سكنية لهم لأنه لا يمكن أن يتحمل العامل مشقة الذهاب والعودة للروبيكى، ولولا الثورة كان المشروع خلص وأعتقد أنه مازال أمامنا من 3 إلى 5 سنوات حتى يتم النقل».
على ماكينة "المقلوبة" فى صدارة الورشة يقف إبراهيم حامد
يقول عبدالكريم محمود، صاحب مصنع غراء وجلاتين: «الحكومة لا تهتم بمصانع الجلاتين والغراء وتعتبرها (صناعة مهملات)، حيث تعتمد على المهملات التى تخرج من الجلود ولم يتم وضعها ضمن غرفة دباغة الجلود أو تؤسس لنا غرفة خاصة فى اتحاد الصناعات، ولهذا بالتالى لا نقوم بتصدير منتجاتنا بشكل مباشر، بل نقوم ببيع الجلاتين إلى المصانع والشركات الكبرى وتتم إعادة تصنيعها أو تصديرها من خلال وسيط».
محافظ القاهرة: قرار الإخلاء لتطوير المنطقة وحمايتها من التلوث
محررة اليوم السابع تستمع لصابر زكريا لأقدم عامل فى مدبغة يديوية عن مشكلات المنطقة
الدكتور جلال مصطفى سعيد، محافظ القاهرة، قال إنه جار تنفيذ مدينة الجلود الجديدة بالروبيكى، بإشراف هيئة التنمية الصناعية، حيث انتهت مرحلتها الأولى بنسبة %80 ويمكن نقل المدابغ إليها وإخلاء المنطقة الحالية وتطويرها بحيث تتناسب فى وضعها الجديد ووجودها فى منطقة من أهم المناطق التراثية فى مصر.
كتابة الآيات القرآنية على الجلود أحد الصناعات الصغيرة فى المدابغ
أحد عمال المدابغ يروى مأساته مع محافظة القاهرة
صابر يشد الجلود لمعرفة هل جفت أم لا
أحد العمال بالمدابغ ينقل الجلود بعد أن جفت لتصنيعها
أحد العمال بالمدابغ ينقل الجلود بعد أن جفت لتصنيعها
«المدابغ» قصص 100 سنة صناعة وإهمال وقرارات حكومية تسكن الأدراج.. قرار نقل مدابغ مصر القديمة عمره 22 عاماً ولم يتحرك.. والأهالى: نقلنا لمنطقة الروبيكى خطأ والدولة أنجزت 29 منشأة من أصل 1100
الإثنين، 19 يناير 2015 09:26 ص
مدابغ
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة