المواطن المصرى البسيط طوال السنوات الماضية اضطر لمتابعة القوانين والمحاكم والقضايا وأصبحت أخبار المحاكم جزءا رئيسيا ومهما وتحتل موقعا كبيرا فى كافة الصحف والبرامج.
والركن الأساسى من أى دولة ديمقراطية هو سيادة القانون على الجميع دون تفرقة وبمساواة بين الكافة الغنى والفقير صاحب العائلة والعزوة والمقطوع من شجرة.. دى النظرية، لكن التطبيق حاجة تانية.
ممكن يُستخدم القانون وبشكل شرعى جدا لأذية البشر دون أى محاسبة، هل تعلم أنك تستطيع تقديم شكوى ضد أى شخص بأى تهمة ويمثل للتحقيق لأيام وهو لا تربطه أى علاقة بمن قدم الشكوى ضده ويذهب للقسم ثم للنيابة ويمكن يكون عمره ما دخلهم فى حياته، وفى النهاية لو ثبتت براءته يعود إلى اللى اشتكاه بقضية تنتهى بغرامة عشرة آلاف جنيه.
هل تعلم إنه ممكن محام باسم موكل أجنبى يرفع قضايا بإيصالات أمانة مزورة على أشهر الشخصيات وأحيانا زوجاتهم وتبقى مضطرة تروح المحكمة تقف متهمة وتطعن بالتزوير على إيصال الأمانة وتدفع أمانة الخبير وبعدين تطلع براءة وابقى قابلنى بقى لو عرفت تجيب الشخص الأساسى اللى رفع القضية باسمه المحامى.
وعلى العكس لو انت ماشى فى الشارع انت ومراتك وطلع عليك ناس ضربوك علقة سخنة عليك انك تروح القسم والمستشفى وتعمل تقرير طبى ويسألوك بتتهم مين تقول معرفش لانك فعلا ما تعرفش ومش هيفضلك غير دعوات انك تقوم بالسلامة.
ولو انت شخصية عامة واتشتمت وطلع عينك آخرك برضه العشرة آلاف جنيه غرامة إذا عرفت تثبت أن حصل لك سب أو قذف.
لكن هذه هى بعض الأمثلة البسيطة الأمور تتعدى هذا الوصف فهناك جرائم ممنهجة لا يمكن للقانون أن يطالها فمجرد تسريب معلومة عن ضريبة أو عن سلع ستتم زيادة أسعارها هذه جريمة لكن لا يمكن إثباتها فى حين أن المستفيدين منها يتكسبون ماليا من هذه المعلومة.
لذلك فى الجرائم المتعلقة بالفساد داخل أى دولة لابد أن تكون هناك إرادة حقيقية من الإدارة السياسية لهذه الدولة.
فكشف الجريمة والتحرى عنها وعن أطرافها فى كل الدنيا هو عمل تقوم به الشرطة التى تتبع السلطة التنفيذية التى يرأسها رئيس الدولة.
وهنا تظهر شفافية المجتمعات فتسمع عن مجتمعات شرقية لا يسودها القانون وإنما الواسطة والمحسوبية وانت مين وإيه قوة نفوذك وفى دول غربية يسودها القانون على الجميع فعلا.
لكن الحقيقة فى مصر بعد انتخاب الرئيس السيسى بات واضحا للجميع أن الرجل ليس لديه ما يدفعه لأحد أو ليس له نقاط ضعف يمكن أن يستغلها البعض.
وبات واضحا أن الرجل يريد أن يطهر مصر من الفساد حقا، لكن المشكلة الحقيقية لم تصبح فى الإرادة التى توفرت فى مصر لكن أصبحت فى الكفاءة، نعم هل نملك الكفاءة لكشف الفساد؟ هل لدينا من الأدوات المساعدة والمعلومات الدقيقة فى كافة جوانب الدولة لكشف الفساد؟ هل ليس هناك مراكز قوى يتم دعمها إعلاميا واجتماعيا لدرجة تصعب على الضابط الذى يقوم بالتحرى فقط أن يقترب منها.
هل أدوات سلطات التحقيق مثل الأجهزة والطب الشرعى هل كلها صالحة ومساعدة لتحقيق العدالة؟
مصر فى عصر السيسى تحدياتها اختلفت فالوطنية توفرت وإرادة الإصلاح توفرت لكن التحدى الحقيقى يتمثل فى كفاءة تحقيق النجاح، فالوطنية وحدها لا تكفى لابد من عمل ممنهج ومنظم يؤدى إلى نتيجة فى مدة زمنية محددة.
وموضوع المدة الزمنية ده دائما يغيب عن بال المصريين
هاقول لحضرتك على مثال
رئيس الدولة تم انتخابه من سنة وبضعة أشهر وكانت هناك نداءات وأمنيات كى يتولى المنصب وأنه الشخص الذى أنقذ البلاد ولا يمكن أن نسمح أن تصل مصر إلى ما وصلت إليه دول مجاورة وأشياء كثيرة.
إلا أنه بمجرد تولى الرجل للسلطة بدأ الناس تتكلم عن الكهرباء ونسيو بقى موضوع إنقاذ الوطن وبدأ انقطاع الكهرباء يجعل الكلام يكتر من هنا وهنا عن نفس الراجل اللى بيعتبره الشارع بطل بكل المعانى لكن أمام نقص الكهرباء فيه كلام تانى.
نجح السيسى فى سد عجز الكهرباء تقريبا وبسرعة الحقيقة، لكن إزاى؟
لأنه اشتغل بنفسه وراقب بنفسه وتعاقد بنفسه وطبعا كل مؤسسات الدولة وراه وهو عارف أن احتياجات المواطن الأساسية لا يمكن المساس بها وأحيانا بتخرج الناس عن شعورهم. لذلك كان العمل الذى أعقبه النجاح.
القانون كمان لازم يكون الشغل فى تطبيقه بالشكل ده (متابعة دائمة وسؤال متكرر وطلب الاطلاع على المعلومات هذه الأشياء) تحتاج إلى مهارة وكفاءة إلى جانب الوطنية.
لكن فى كل الدنيا قوة القانون والردع وحدها لا تكفى لابد أن يكون هناك وعى عام لدى المجتمع وأفراده اللى هم أنا وحضرتك والنيابة والقضاء والمحامون والإداريون وكل أفراد المجتمع وده شىء فى بلدنا محتاج وقت عشان يتحقق.
لذلك أرى أن قضايا الفساد التى يتم كشفها هى أكبر مقياس تستطيع أن تقيس به مدى الكفاءة بعد أن تأكدت من مدى الوطنية.
ولكن المؤشرات كلها تدعو إلى التفاؤل فيما يتعلق بتحقيق سيادة القانون وكشف الفساد وأن كانت النتائج ستأتى متأخرة سيكون هناك مظلومون نعم وهناك منتفعون وهذا هو الحال.
لكن كلما أسرعنا الخطا وكثفنا العمل سيقل عددهم فعلينا جميعا أن نتذكر أن هناك الكثيرين الذين هم فى انتظار نتائج أعمالنا كى نحقق لهم العدالة التى غابت عنهم لسنوات والتى قد لا نكون نحن سببا فى غيابها إلا أنه أصبح واجبا علينا جميعا إعادة العدالة لهم.
مرة أخيرة ليس بالوطنية وحدها تدار الدول، والقضية مش بس إرادة سياسية ورئيس وطنى، لازم كمان يبقى فيه شعب عاوز ينجح وعاوز يطهر مجتمعة.. وآخر كلماتنا: "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".
خالد أبو بكر يكتب: القانون وحده لا يكفى لتحقيق العدل.. الإرادة السياسية والرقابة الدائمة أهم عناصر سيادة الدستور والقانون.. ممكن تظلم وممكن تتظلم برضه بالقانون.. وليس بالوطنية وحدها تُدار الدول
الجمعة، 09 أكتوبر 2015 02:11 م
المحامى الدولى خالد أبو بكر