فى مقدمة كتابه يتحدث الروائى الكبير عن سحره بالرواية، ويصف حالته حين يبدأ فى قراءة رواية جميلة، ويشرح كيف يبدأ قراءة الرواية بنوع من البطء، يقرأ صفحات قليلة فى أول يوم ثم يتركها، فى اليوم التالى يتسلل إلى نفسه سحر الرواية أكثر، فيقرأ أكثر، ثم بعد ذلك يكاد يصل النهار بالليل منغمسًا تمامًا فى القراءة، وتصبح أحداث الرواية وأشخاصها عالمه الحقيقى، ويصبح العالم الخارجى شبحًا.
والرواية الحقيقية فى رأى بهاء طاهر تفكك الواقع المألوف وتعيد تركيبه مرة أخرى، فنراه بنظرة جديدة أعمق، وبفهم أفضل، وهى تغوص فى أعماق النفس الإنسانية على نحو يتجاوز ما يمكن أن يكشفه علم النفس، وتطرح الرواية الحقيقية أسئلة عن ماهية الوجود والحياة على نحو يستفز القارئ، من أجل ذلك يرى الروائى الكبير بهاء طاهر، أن الرواية فن له مكانته وخطره فى المجتمعات المتحضرة، متحدثًا عن تأثير الرواية ودورها فى التكوين الفكرى لجيله الذى تعرف على كتّاب الرواية من خلال ما كان يوزع عليهم فى المدارس للاطلاع العام، بهدف الارتقاء بالذوق الأدبى لدى الطلاب، ثم يشير إلى أن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر قال إنه تأثر برواية "عودة الروح" لتوفيق الحكيم، وإنها كانت من عناصر تكوين فكره الثورى.
إلى هذا الحد كان للرواية دور فى تكوين الوعى العام لجمهور القراء، بدءًا من صغار التلاميذ إلى كبار الكتاب، وحتى زعماء الدول.. ذلك ما كان شأن الرواية كما عشته، فأما الآن؟.. هكذا يتساءل بهاء طاهر عن وضع الرواية اليوم.. ويجيب "الآن تغير كل شىء مع الأسف!".. لا يتجاوز تأثير أى رواية فى أيامنا هذه مهما بلغت خطورة القضايا التى تطرحها حدود قرائها المعدودين، رغم أن الرواية الآن تعيش أزهى عصورها إبداعًا، ولكن دون أن يكون لذلك أى صدى حقيقى فى المجتمع المعنيّ، ولهذا يهدى بهاء طاهر كتابه إلى القلة الوافية التى مازالت تقرأ فن الرواية.
وينتقل إلى سنوات الستينيات ليؤكد أن ظهور رواية جديدة لنجيب محفوظ أو يوسف إدريس، أو غيرهما، كان حدثًا مهمًا يترقبه الجمهور، ويحتفى به النقد، ويعلق عليه كبار الصحفيين فى أعمدتهم، بينما أقصى ما يطمح إليه أى روائى الآن، هو أن يتناول أحد النقاد عمله فى مقال فى مجلة ثقافية، ثم ينتهى الأمر بعد ذلك بالرواية إلى غياهب النسيان.
وينتقد بهاء طاهر تعليم الأدب فى مدارسنا، بسبب اختفاء فكرة القراءة الحرة أولا، وثانيًا لأن المناهج الرسمية لا تحتوى منذ سنوات طويلة وحتى الآن على رواية واحدة لكاتب معاصر، فيقول:"إن المرء يكاد يجزم إن المسئولين عن التعليم والثقافة فى بلدنا لم يقرءوا رواية مصرية أو عربية واحدة لكاتب معاصر، كما كان الحال من قبل، فالمناسبات الوحيدة التى ينشطون فيها هنا هى المطالبة بمصادرة إحدى الروايات، أو بتقديم أحد الروائيين للمحاكمة..ووصلت ظاهرة الاستغناء عن الثقافة إلى غايتها".
وبشكل عام فالكتاب كما هو واضح من عنوانه "فى مديح الرواية"، ففى فصله الأول، يسجل قراءة مادحة لبعض الروايات التى يحبها بهاء طاهر، وهى روايات كتب عنها فى بعض الصحف والمجلات، أو تحدث عنها فى بعض الندوات، مثل الأعمال الأولى للأديب العالمى نجيب محفوظ، وكذلك روايات "مصرية"، و"عمارة يعقوبيان"، و"مسك الغزال"، و"خميل المضاجع"، و"دكة خشبية تتسع اثنين بالكاد"، و"هليوبوليس".
ولأن الروائى بهاء طاهر لا يخجل من دموعه، ففى فصله الثانى بعنوان "عبرات أخرى" يسجل كلمات وداع ورثاء لراحلين أعزاء عليه من أدبائنا، وتحدث فيها عن علاقته الشخصية به، التى تعكس لحظات الفراق، أمثال "عبد الفتاح الجمل، ولطيفة الزيات، وفتحى غانم".
موضوعات متعلقة..
شريف عبد الهادى:تراجع الأدب المصرى السبب فى غياب الشباب عن "الشيخ زايد"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة