نقلا عن العدد اليومى...
الروتين السمة المميزة لكل الجهات الحكومية منذ قديم الأزل، لكن إمكانية التحايل وتخطى التعقيدات تظل متاحة دائما ما دام الشخص قادرا على ما يُسمى فى القاموس المصرى بـ«تفتيح المخ»..
ولعل طرح وزارة الإسكان وحدات سكنية مؤخرا لمحدودى الدخل، شريطة تقديم شهادة دخل أو مفردات المرتب بالنسبة لأصحاب المهن الحرة أظهر العديد من المنتفعين الذين حولوا ذلك الإجراء إلى تجارة، من خلال توفير شهادات لمفردات المرتب لأصحاب المهن الحرة مقابل مبالغ مالية للتقدم بها لوزارة الإسكان للحصول على الشقق والأراضى المطروحة.
على سبيل المثال قدم بنك التعمير والإسكان العديد من البرامج، أبرزها بالنسبة للفئة محدودة الدخل برنامج القرض العشرى وقروض السيارة الذى يتم منحه لأغراض تمويل شراء أو بناء وتشطيب الوحدات سواء بالمدن الجديدة أو المدن القائمة وبالنسبة للسيارة التى يصل تمويلها إلى 85% من قيمة السيارة الجديدة.. وفى هذه الحالات تكون المستندات المطلوبة للشخص بهدف التعرف على الحالة المالية والوظيفية، هى بيان مفردات مرتب بالنسبة للموظفين، أما بالنسبة لأصحاب الأنشطة التجارية أو المهن الحرة فيتم تقديم السجل التجارى وشهادة محاسب وكشف حساب بنكى لمدة 6 شهور وما يُفيد بالموقف الضريبى.
عروض بنك التعمير والإسكان دفعت البعض لأفكار تخطت مرحلة نصائح «أولاد الحلال» داخل المؤسسات الحكومية إلى إعلانات صريحة معلقة فى الشوارع أو عبر شبكة الإنترنت من خلال مواقع التواصل الاجتماعى تروج لخدماتها على النحو التالى «نُوفر لك الحصول على شهادات مفردات المرتب»، فتحولت هذه الشهادات سابقة الذكر إلى تجارة كل منها له سعره على حسب نوعه، حيث يتراوح سعرها من 400 إلى 2000 جنيه، مراعاة لعاملين أساسيين هما مدة ومكان العمل المدون بالشهادة.
شهادات للبيع
التواصل مع أحد المعلنين عن شهادة مفردات المرتب على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، جاء فيه تعريفه لنفسه بأنه محاسب حر يقوم بتحرير هذه الشهادات من أجل مساعدة الشباب فى التغلب على الروتين والعراقيل التى تضعها وزارة الإسكان أمام الشباب بهدف عدم تمكينهم من هذه الشقق المدعمة حتى يتم طرحها مرة أخرى بـ«نظام الاستثمار»، مشيرا إلى أن سعر هذه الشهادات يبدأ من «2000 جنيه»، قائلا: «الشهادة ليست مرتفعة الثمن نظرا لما تتضمنه من فائدة حيث تختلف عن شهادات الدخل العادية التى لا تحمل سوى توقيع وخاتم أحد المحاسبين القانونيين فقط، أما هذه الشهادة فيتم استخراجها من إحدى شركات الأدوية متضمنة بيانات صاحب الشهادة ودخله تفصيلياً على أنه أحد العاملين بها عبر الاتفاق مع أحد مسؤولى قسم التوظيف بها مقابل الحصول على نسبة من ثمن الشهادة، وهو ما عبر عنه بقوله «الشهادة اللى بنديهالك عليها ختم الشركة وتفوت بها من الحديد».
فى المناطق الشعبية لا يتم استخدام شبكة الإنترنت فى التواصل مع العملاء المستهدفين لذا لجأ أحد المكاتب القانونية لملصقات فى الشوارع منها أحد الإعلانات المعلقة على جدران أحد المحلات التجارية بجوار كنيسة العذراء مريم بشارع مسرة فى منطقة شبرا جاء نصه كالتالى: «يُعلن مكتب محاسب قانونى عن وجود شهادات دخل الخاصة للتقديم فى شقق وأراضى الإسكان والتعمير لأصحاب المهن الحرة والورش والمحلات والأعمال الحرة» ومرفق مع الإعلان أرقام لشركات المحمول الثلاثة.
بعد رؤية الإعلان فإن الحصول على مستند رسمى يُثبت حقيقة دخلك الشهرى لا يحتاج سوى اتصال هاتفى على أحد هذه الأرقام ليرد عليك شخص يُدعى «أ. ح» صاحب مكتب محاسبة قانونى ويُخبرك بأنه عليك إحضار بطاقتك الشخصية فقط إذا كان مدونا بها مؤهلك الدراسى أو البطاقة وأصل المؤهل الدراسى إذا كان غير مدرج بالبطاقة، إضافة إلى مبلغ مالى قدره 400 جنيه وبعد المفاوضات ربما يصل إلى 300 جنيه فقط وفى مدة لم تتجاوز نصف الساعة حصلت «اليوم السابع» على إحدى شهادات الدخل لتقديمها لبنك الإسكان رغم أن 50% من بياناتها غير صحيحة أو موثقة، حيث صدرت الشهادة باسم أحمد جمال الدين - محامى حر- وذلك استنادا لحصوله على ليسانس حقوق على الرغم من عدم قيده فى نقابة المحامين وهى الخطوة التى كان من المفترض على المحاسب القانونى التأكد منها لمعرفة ما إذا كان صاحب الطلب مقيد فى نقابة المحامين أو لا.
المحاسب القانونى «أ. ح» يرى فى عمله خدمة لأصحاب المهن الحرة الذين تُهدر الدولة حقهم وتتعنت فى إعطائهم الحق فى الحصول على شقق وأراضى بنك الإسكان والتعمير، لكنه يرفع الظلم من خلال إعطاء شهادات تُوضح حجم دخلهم وتشهد بحقيقة مهنتهم من أجل تقديمها إلى لإنهاء باقى الإجراءات.
وأوضح المحاسب القانونى قبل استخراج الشهادة لـ«اليوم السابع» أن «الإسكان» لا يطرح وحدات فى الفترة الحالية لذا يجب التأكد من الشخص الذى سيسهل عملية الحصول على الشقة أو الأرض حسب الطلب المقدم للبنك خشية النصابين الذين يدعون قدرتهم على تسهيل الإجراءات ويتضح الأمر عكس ذلك بعد دفع مبالغ مالية كبيرة من قبل المواطنين الحالمين بالحصول على وحدات سكانية.
النصيحة الأهم من المحاسب القانونى بعد الحصول على الشهادة المختومة من المكتب تتمثل فى: «لا يجب إعطاء المسؤولين بالبنك قصة غير الموجودة فى الشهادة حتى لا ينكشف الأمر، خاصة أن هناك مندوبا من الجهة الحكومية يقوم بعمل زيارة للسكن الخاص بمقدم الطلب وكذلك المكتب الصادر من جهته الشهادة لكن «الإكرامية» تُنهى الأمر فى الحالتين غالبًا».
جريمة تزوير
شوقى السيد، أستاذ القانون المدنى بجامعة القاهرة، أكد أن التلاعب فى المحررات وتضمينها معلومات غير صحيحة بالنسبة للبيانات أو جهة العمل وذلك بقصد استعمالها للحصول على منفعة، وهو ما يحدث بالنسبة لشهادات الدخل أو مفردات المرتب، يعاقب عليه الفاعل الأصلى أو الشريك بالعقوبات المقررة لجرائم التزوير، مضيفا أن تلك الجرائم يُعتبرها القانون جناية وليست جنحة وتبدأ عقوباتها من ثلاث سنوات نظرا لما تُسببه من أضرار. وكشف أستاذ القانون المدنى فى جامعة القاهرة، أنه بخلاف العقوبات السابقة، يترتب على اكتشاف ذلك التزوير سحب الوحدة السكنية من المستفيد فى حالة نجاحه فى الحصول عليها بتلك الطريقة غير المشروعة.
الدكتور شريف قاسم، أمين عام اتحاد النقابات المهنية ونقيب التجاريين فى محافظة القاهرة، أكد أن الموقف القانونى بالنسبة للنقابة فى وقائع الفساد يترتب بناءً على الشكوى المقدمة تجاه الشخص، وفى حالة المحاسب القانونى السابق ذكره فإن هناك تحقيقا يُجرى بناء على حجم الخطأ، موضحا: «يوجد مجالس تأديبية بدرجات فالدرجة الأولى تتكون من تجاريين وعميد كلية تجارة وعضو مجلس الدولة، كما يوجد مجلس تأديبى من الدرجة الثانية يتكون من عضو مجلس دولة». ولفت نقيب التجاريين فى محافظة القاهرة إلى أن العقوبات فى حالة مكتب المحاسب القانونى السابقة ربما تصل إلى الشطب حسب رؤية المجلس التأديبى، مضيفا أنه يجب على الدولة أن تضع فى الاعتبار خلال وضع قائمة المستندات القانونية أن الشعب المصرى ليس منظما بالدرجة الكافية لأن يكون فيها لكل محام حر مكتب محاسب قانونى يُتابع أعماله. وشدد أمين عام اتحاد النقابات المهنية على ضرورة مراعاة الدولة لفكرة التيسير فى الإجراءات، حتى يتم منع هؤلاء المنتفعين من استغلال معاناة المواطنين وعدم قدرتهم على تخطى العقبات البيروقراطية.
الأزمة فى الإجراءات
يرى المهندس عبدالمجيد جادو، الخبير العقارى، أن الحكومة هدفها من وضع الضوابط إعطاء الوحدات السكنية أو الأراضى للفئة المستحقة، مستدركًا بأن التعقيدات أكثر من اللازم تدفع البعض لسلوك طرق غير شرعية، كما أن ذلك يظهر المنتفعين الذين يتغذون على أحلام البسطاء.
وعلق على واقعة استخراج شهادات المرتب لأصحاب المهن الحرة، قائلا: «بالتأكيد من يلجأ لاستخراج تلك الشهادة من مكتب المحاسب القانونى يكون مُضطرًا فى الأغلب لأنه يستحق الحصول على الوحدة والدولة لا تُوفر له احتياجاته».
وأشار الخبير العقارى إلى أن مواجهة هؤلاء المنتفعين تستلزم وضع إجراءات قانونية مُيسرة لجميع الشرائح الراغبة فى الحصول على وحدات سكنية، مضيفًا أن غربلة القوانين تبقى الحل الأبرز من أجل مواجهة كل هذه الظواهر السلبية، مدللا على وجهة نظره بأن السعودية حاليا تقوم باستخراج رخصة البناء عن طريق النظام الإلكترونى فلا يوجد كل التعقيدات القانونية التى تدفع البعض للخروج عن السياق القانونى.
الأعمال بالنيات
من جانبها قالت وفاء بكرى، المتحدث باسم وزارة الإسكان، إن الاشتراطات الموضوعة من قبل الوزارة المتعلقة بشهادة الدخل بالنسبة لأصحاب المهن الحرة تأتى تيسيرا على أصحاب هذه المهن للحصول على الشقق المطروحة من قبل وزارة الإسكان التى تتطلب إجراءات التقدم بكشف مفردات المرتب.
ولفتت إلى أن تلك المهن لا يتمكن أصحابها من الحصول على شهادات مفردات المرتب، نظرا لرفض أصحاب العمل تقديم مستند يتضمن مرتب العاملين لديهم لذا أقدمت الوزارة على إدراج شرط الحصول على شهادة الدخل للتأكد من الدخل المادى لأصحابها بحيث اشترطت الوزارة فى مستحقى هذه الشقق ألا يقل دخل الفرد عن 1000 جنيه ولا يزيد على 2250 جنيها». وحول احتمالية التلاعب فى هذه الأوراق قالت: «أعتقد أن الموضوع بعيد عن التلاعب خاصة أن الوزارة احتاطت لذلك الأمر بضرورة الحصول على هذه الشهادة من أحد مكاتب المحاسبين القانونيين المعتمدين لدى وزارة المالية» مضيفة: «الموضوع يعتمد بالأساس على نية الفرد وبعدين إحنا احترنا نعمل إيه علشان نرضى الناس نصعب الإجراءات تزعلوا نسهلها تقولوا فيه تلاعب».
موضوعات متعلقة...
- مؤسسة الوليد توقع بروتوكولا مع "مصر الخير" والتضامن والإسكان لبناء 10 آلاف وحدة