أهالى عزبة الصفيح بعد شفائهم من «الجذام»: ارحمونا من نظرات «الاشمئزاز» فنحن «بشر مثلكم»..المرضى لم يستطيعوا مواجهة المجتمع بعد خروجهم من «مستعمرة أبوزعبل» فعاشوا جوارها يشتكون من العزلة ونقص الخدمات

الثلاثاء، 10 فبراير 2015 09:49 ص
أهالى عزبة الصفيح بعد شفائهم من «الجذام»: ارحمونا من نظرات «الاشمئزاز» فنحن «بشر مثلكم»..المرضى لم يستطيعوا مواجهة المجتمع بعد خروجهم من «مستعمرة أبوزعبل» فعاشوا جوارها يشتكون من العزلة ونقص الخدمات محمود فقد ساقه لكنه لم يفقد الأمل يصمم الملابس للإنفاق على أولاده
تحقيق: هدى زكريا - تصوير:عصام الشامى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
- سكان العزبة للمجتمع: «الله رضى عنا وشفانا» وأنتم تتجاهلوننا.. وبيننا مهندسون وأطباء.. وأبناؤنا «طبيعيون»

أسوارٌ وأبوابٌ وشبابيكُ موصدةٌ، تفصلهم عن العالم الخارجى، وواجهة تعلوها لافتة «مستعمرة الجذام بأبوزعبل»، ووجوه متناثرة فى أراضٍ شاسعة تتجاوز مساحتها الألف فدان، وأعين تتوسل وأياد ترحب بك، بمجرد اقترابك من المكان، وإحساس بالألفة يحاولون إحاطتك به، لتشاركهم عالمهم الحزين والملىء بالعزلة والأمل فى ذات الوقت.

«اتفضلوا» وغيرها من الكلمات المرحبة بك تتلقاها أذنك على مشارف بوابة مستعمرة «الجذام» التى تبعد عن القاهرة بـ20 كيلومترا، حيث يجلس المرضى متفرقين على أطراف الطريق الرئيسى فى المكان الذى خصصته لهم وزارة الصحة عام 1933 بمنطقة أبوزعبل، ليستوعب ما يقرب من 700 حالة وفقا للأرقام المعلنة من قبل منظمة الصحة العالمية، وتقع على يمينها عنابر السيدات وعلى يسارها عنابر الرجال، وفى المنتصف القسم المخصص للإدارة والمخازن.

فى هذا المكان يقضى المرضى الساعات والأيام المخصصة لرعايتهم، فإذا كانت الحالة تستدعى المكوث فى الداخل وفقا لتشخيص الأطباء يلازم المريض سريره هناك، أما إذا كانت قاصرة فقط على المتابعة بين الحين والآخر، فبإمكانه أن يتوسط أقرانه فى المكان الذى اختاروا العيش فيه بعد تعافيهم، وهو عزبة «الشهيد عبد المنعم رياض» أو «عزبة الصفيح» كما يطلقون عليها.

فعلى بعد أمتار قليلة من أسوار المستعمرة، قرر المرضى المتعافون وأبناؤهم أن يقضوا ما تبقى من عمرهم فى تلك العزبة التى تعد بمثابة عالمهم الخاص، بسبب خوفهم الدائم من النظرة الخارجية لهم، فكانت النتيجة أن يعيشوا فى عزلة مضاعفة، الأولى بسبب المرض والثانية لعيشهم فى مكان يفتقر لأبسط الخدمات الأساسية كشبكات الصرف الصحى والكهرباء، لكن بالرغم من ذلك يحاولون أن يثبتوا للجميع أنهم قادرون على العمل والإنتاج والتعايش مع الظروف المحيطة بهم لتوفير لقمة العيش، حسبما أكدوا لـ«اليوم السابع»، التى قضت بعض الوقت، بينهم، للاطلاع على أحوالهم وحياتهم، والتعرف على مشاكلهم. تحلم أسر العزبة من المرضى وأبنائهم بأن يحصلوا على أبسط حقوقهم فى الحياة، كغيرهم، فعلى الرغم من التأكيدات الطبية المستمرة بأنهم بشر عاديون، ولا خطر من مخالطتهم للناس، فإن الواقع الذى يعيشونه يؤكد غير ذلك.

الحياة بجوار المستعمرة «اعتيادية»، فالكل هنا يبحث عما يستر حياته، فهناك من يذهب لعمله بورشة تصنيع الأحذية أو حياكة الملابس، وهناك أيضا من يذهب لجنى ثمار «مزرعة مرضى الجذام» التى تبعد عن المستعمرة قرابة المائة متر وتتنوع ثمارها ما بين التين الشوكى، والمانجو، واليوسفى، والليمون، والزيتون، ولا تزيد «يومية المريض» من العمل فيها على 7 جنيهات.

التعليق - 2015-02 - اليوم السابع

«ضياء» تزوج «رضا» وأنجبا «فتحى» طفل طبيعى

داخل غرفة متواضعة لا تتجاوز مساحتها بضعة أمتار، يعيش ضياء ابن الثلاثين عاما، برفقة رضا زوجته التى اختارها من بين نساء المستعمرة، لتشاركه رحلته منذ خمسة أعوام.

«نفسى الناس تغير نظرتها تجاه مريض الجذام، فبيننا أطباء ومهندسون وأصحاب شهادات عليا» بهذه الكلمات بدأ ضياء حديثه معبرا عن أمنيته تجاه المجتمع الخارجى بشأن هذا المرض الذى تسببه بكتيريا عضوية تصيب اليد والعينين، وفقا لتعريف منظمة الصحة العالمية له، ولكنه قليل العدوى، فلا يسرى بسهولة من شخص لآخر ويمكن الشفاء التام منه بشرط الاكتشاف والعلاج المبكر.

وسط غرفة لم تُلون جدرانها ولم تعرف شكل الطلاء، جلس ضياء مداعبًا ابنه فتحى «الطبيعى»، كما يراه دائما، متخذه دليلا للرد على كل من يهاجم المرضى، أو يظن أن ما هم عليه نتيجة أسباب وراثية، ساردا قصة زواجه من «رضا»، مؤكدا أنه «تعرف عليها خلال عمله داخل المستعمرة، وفى أحد الأيام رآها برفقة مجموعة نساء لتحضر الطعام للمرضى، فقرر الزواج منها، وذهب للأم المسؤولة عنها (الممرضة التى تتابع حالتها)، وطلب يدها، وبعد موافقتها كان عليه إخبار أهلها فى منطقة القناطر، وتزوجها بعد شهر داخل هذه الغرفة فى العزبة».

«التوك توك» هو مصدر رزق ضياء الوحيد، بجانب عمله داخل المستعمرة، حيث يعتمد عليه لنقل المرضى من مكان لمكان داخل أو خارج المستعمرة، خاصة الحالات التى لا تقوى على الحركة، وكل ما يتمناه، حسب قوله، «هو استكمال بناء الغرفة التى يقيم بها.

التعليق - 2015-02 - اليوم السابع

«محمود» يحلم بتملك أرض العزبة
بجوار المستعمرة يعيش «محمود» البالغ من العمر56 عاما، ولا يمل من سرد طريقة إصابته بالمرض وأول لحظة شعر فيها بتغير يحدث لجسده وظهور بقع حمراء على ذراعه، وقتها تردد على أطباء محافظته بأسيوط ولكن لم تستجب حالته للعلاج فجاء للقاهرة، ليخبره أحد الأطباء أنه مصاب بالجذام وهناك مكان مخصص لكل من هو فى حالته، فجاء للمستعمرة وقضى بها حوالى 25 عاما.

يضيف «محمود» أنه رفض العودة لقريته بعد شفائه أو السفر إليها فى المناسبات والأعياد، خاصة بعدما لاحظ فى أعين أقاربه تجاهلا ونفورا منه، وفضل البقاء طوال حياته بالمستعمرة، وعندما أراد أن يتزوج وافقت أسرته على زواجه من ابنة عمه «الطبيعية» فقط بعد علمهم أنه أصبح موظفا بإحدى المصالح الحكومية، وعندما تقدم للعمل أخفى على رؤسائه أنه مريض بالجذام حتى يتم قبوله والموافقة عليه، وساعده على ذلك أنه لم يفقد أحد أطرافه أو تسوء حالته بشكل يجعل كل من يقترب منه يرتاب فيه، وظل هكذا لمدة 5 سنوات يتلقى العلاج بالمستعمرة فى المساء ويذهب لعمله الحكومى فى الصباح، حتى أحيل إلى المعاش واكتفى بالعمل فى عزبة المزرعة.

كل ما يتمناه «محمود» هو أن يحصل على حقه فى شرب مياه نظيفة، وأن يتم إنشاء شبكات خاصة للصرف الصحى، بدلا من الاعتماد على الطرنشات، وتملك قطعة الأرض التى يعيش عليها، مؤكدًا أن السكان قاموا بالعديد من المحاولات للحصول على الأرض، وتم تشكيل لجنة من قبل الإدارة العامة لحماية أملاك الدولة لمعاينتها، دون جدوى لمطالبهم.

وأوضح «محمود» أن المساحة التى يعيشون فيها تقدر بـ12 فدانا، عبارة عن منازل متعددة الطوابق، بعضها بالخرسانة المسلحة وأخرى مكونة من طابق واحد ومقامة بمعرفة سكان القرية، ومقام عليها ناد اجتماعى على مساحة فدان واحد وحضانة خاصة بالقرية.

التعليق - 2015-02 - اليوم السابع

«رشيدى» يزرع فى أرض المستعمرة
مع كل فجر جديد، يخرج رشيدى الذى تجاوز الـ45 عاما، حاملا فأسه متجها للمساحات الصغيرة الواقعة بالطريق الرئيسى المؤدى للعزبة التابعة لإدارة المستعمرة لجنى ثمار المحاصيل التى قرر زراعتها لتكون مصدر رزقه ويلبى احتياجات أسرته يقول: «مع نهاية اليوم أذهب هناك لأتقاضى اليومية التى لا تتجاوز بضعة جنيهات، والمعاش الذى أتقاضاه ولا يزيد على 380 جنيها فقط شهريا».

لم تختلف أمنيات رشيدى كثيرا عن سابقيه وبقية أهالى العزبة تجاه نظرة المجتمع لهم، فحسب قوله، «فإن المعاملة السيئة تؤثر سلبا فى نفسية المريض وتؤدى لزيادة الألم الذى لا يكون عضويا فقط ولكن معنويا أيضا، فيكتئب المريض».

يضيف «رشيدى»: «نحن أناس قادرون على العمل والإنتاج، ولما ينظر إلينا الناس هكذا، فحسبى الله ونعم الوكيل فى كل إنسان ينظر لمريض الجذام بنظرة اشمئزاز، فالمريض حتى وإن فقد الإحساس فى أطرافه، فهو لم يفقده فى نفسه.

التعليق - 2015-02 - اليوم السابع

«محمود» «أسطى» فى تصمم ملابس ويتمنى بيع ملابسه
خلف ماكينة حياكة يقضى «محمود» ذو الأربعين عاما، غالبية ساعات يومه، فهو، وفقا لشهادة نساء ورجال العزبة، «مصمم ملابس 10/10»، وأمام الماكينة يعرض الرجل الذى أضعف المرض صحته وأدى إلى بتر ساقه، أحدث التصميمات التى انتهى منها أخيرا، متمنيا أن تجد لها رواجا خارج حدود العزبة.

يحكى الأب لثلاثة أولاد، قصة زواجه من ابنة عمه حاملة المرض أيضا، التى قضى معها أحلى وأصعب لحظات عمره قائلاً: «دى بنت عمى تربينا فى بيت العائلة وحصل نصيب وتزوجنا.. وهى دخلت المستعمرة بعد زواجنا فى العزبة منذ عشرين عاما ورزقنا بمحمد وأحمد وإسلام»، مؤكدا أنهم «أولاد طبيعيون» وهو ما يثبت أن فكرة كون المرض معديا أو مخيفا مغلوطة تماما، وكل ما أتمناه هو أن يعيننى الله على تربيتهم.

«محمود» ويتمنى إجراء عملية جراحية فى أصابعه ليقوى على حمل معدات الحياكة، خاصة أنه يعانى من تحجر بعض أنامله.

التعليق - 2015-02 - اليوم السابع


التعليق - 2015-02 - اليوم السابع









مشاركة



الرجوع الى أعلى الصفحة