الرئيسية

تحقيقات وملفات

مأساة "الوحيد" تتجسد فى بناء شخصيته.. أطباء: قليل الخبرات وعاطفى وعصبى.. ييحب العزلة رغما عنه.. يحارب من أجل استقلاليته دون أن ينالها.. والحل فى تقويمه سلوكيا ونفسيا منذ الصغر

الجمعة، 13 مارس 2015 03:18 م

شخص مكتئب - صورة أرشيفية

كتبت مروة محمود إلياس

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

الطفل الوحيد، غالبا ما يعانى من بعض المشكلات النفسية، أو الشعور بعدم الراحة والنقص والرغبة فى الحصول على المزيد من الإخوة والأخوات.

بعض أطباء النفس يربطون بين بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية، والطفل الوحيد، فهو الأقرب للإصابة بعقده العلاقة الوثيقة بينه وبين أحد والديه، وكثير من الاضطرابات السلوكية المختلفة التى لا تشيع بين الكثيرين.

الدكتورة رغدة أحمد، أخصائية النفسية، تحدثنا بشكل تفصيلى عن مشكلات الطفل الوحيد المحتملة، وعلى الرغم من أن لكل قاعدة شواذها، إلا أن أغلب الأطفال الذين يحيون حياتهم بلا إخوة وأخوات، يجمع بينهم رابط مشترك فى الاضطراب السلوكى والذى تختلف درجاته وخطورته.

جنة من غير ناس ما تنداس!

وفى بادئ الأمر تؤكد "د. رغدة" أن الإنسان بطبيعته وفطرته يحب العيش فى جماعة، فالمحيطون به هم وقود حياته، والسبب فى تجدد أهدافه، فالإنسان اجتماعى بطبعه خلقه الله تعالى عز وجل ليعمر الأرض، ويعيش فى جماعات، ولا يشعر بقيمته إلا فى وجود جماعة تؤمن بوجوده.

ووفقا لمقولة "جنة من غير ناس ما تنداس" فالإنسان بطبيعته النفسية وتكوينه الاجتماعى، يستمد شعوره بالأمان والطمأنينة من "الونس" أى ممن يحيطون به من أهل وأصدقاء وأناس آخرين، لذا فالوحدة فى قاموس الإنسان هى عذاب ومشكلة فى حد ذاتها، وشعور بانعدام الأمان والنقص.

واسترسلت رغدة شارحة أن الطفل الصغير الوحيد -إما لظروف خارجة عن إرادته أى بسبب والديه أو لأسباب مرضية أو حتى برغبة منهم- يعانى شعورا غامرا بالنقص، فهو يرى النماذج الشائعة حوله يزيد فيها عدد الإخوة عن الاثنين، وهو ما يشعره برغبة فى العيش فى مثل هذا النموذج السائد.

ولأن الطفل لا يعى الأسباب حول كونه وحيدا، فهو يلقى باللوم على الدوام وطوال فترة طفولته وقلة إدراكه على الأم والأب، فهما السبب الرئيسى أمامه والمسئولين عن أنه "وحيد" ودون إخوة.

اضطرابات نفسية وسلوكية واجتماعية

فيما يرى يذكر الدكتور محمد رمضان، الأخصائى والمعالج النفسى، أن مأساة الوحيد تتجسد فى بعض الاضطرابات النفسية والسلوكية التى يعانى منها طوال فترة طفولته، وغالبا ما تستمر طوال حياته إذا لم يتم علاجها والتخلص منها فى مراحل نمو شخصيته الأولى.

قليل الخبرات الحياتية

ويسترسل محمد مؤكدا أن الطفل الوحيد قد يعانى من قلة احتكاكه مع غيره من الأطفال فى جميع الأعمار، لعدم امتلاكه لإخوة، فيقلل ذلك من خبراته الحياتية بشكل ملحوظ، ويصبح منغلق الثقافة الاجتماعية، وقد يؤثر ذلك على علاقاته الاجتماعية فى المستقبل، حيث يشعر بالنقص المعلوماتى الحياتى على الدوام مقارنة بنظرائه فى مثل عمره.

اضطراب اجتماعى.. خجول أو متفتح

والطفل الوحيد قد تؤثر عليه الوحدة، إما بالخجل الاجتماعى الملحوظ فينشأ غير قادر على الاندماج مع مجتمعه نتيجة قلة تعاملاته ومحدودياتها، أو على النقيض يصبح متفتحا بإفراط نتيجة تعامله الزائد والمفرط – تعويضا للنقص الذى يعانيه – وهو ما قد يجعله شخصية متهورة اجتماعيا تقابل العديد من المصاعب فى المستقبل بسبب غياب الاتزان الاجتماعى.

عاطفى بإفراط

عدم اتزان العاطفة لدى الطفل الوحيد سمة ملحوظة، لأنه يعانى من عدم اتزان عاطفى بالمثل من الأبوين اللذين يغرقانه باهتمام مركز بشكل ملحوظ، وهو ما يؤثر على درجة اتزانه العاطفى ويصبح متقلب العاطفة.

عصبى و"مدّلع"

الدلال والعصبية من الصفات التى ارتبطت بالطفل الوحيد، نتيجة الدلال الزائد من الأبوين والذى يؤثر فى بناء شخصيته سلبا، ويؤثر على مزاجيته واتزانها، فيصبح أكثر عصبية وأكثر توترا، لأنها سبيله لتحقيق مطالبه منذ الصغر.

يعشق العزلة أو على النقيض يعشق الاختلاط

والطفل الوحيد قد يشب على حب الوحدة التى اعتادها – إلا بعض الحالات – وتعد وحدته طبيعة متأصلة فيه نتيجة قضائه لمعظم وقته وحيدا، فقد يشعر بأن السلام والراحة فى الجلوس منعزلا رغم كرهه لتلك الحال فى كثير من الأوقات، وعلى النقيض قد يحوّل الشعور بالضيق من الوحدة الطفل إلى شخص منفتح اجتماعيا عاشق للاختلاط بغيره من الأشخاص، وفى الحالتين إفراط وعدم اتزان مضر نفسيا فى المستقبل.

مرتبط بشكل مرضى بأحد والديه.. أو بكليهما

ولأنه يعيش وحيدا بين أبويه، فالوحيد يصبح محل التركيز والاهتمام الأسرى، وهو ما قد يجعله مرتبطا ارتباطا مرضيا بأحد والديه، نتيجة الخلل السلوكى والعاطفى بينهما بالتقارب الشديد، واختراق الخصوصية، وعدم بناء مساحة شخصية خاصة للطفل منذ الصغر تساعد فى بناء شخصيته المستقلة.

هذا الارتباط المرضى لا يشفى أغلب الوحيدين من تبعاته فى المستقبل، فتجد علاقته غير متزنة مع أحد والديه أو كليهما، ليتحولوا جميعا إلى مضطربين عاطفيا ونفسيا فى علاقتهم ببعضهم البعض.

يسعى للاستقلال دون أن يناله

الطفل الوحيد يبحث دائما عن الاستقلال دون أن يناله، وحتى يصل إلى مرحلة يأس، خاصة إذا ما كان الأهل يجهلون قواعد التربية الشخصية والنفسية السليمة التى تقوم على إعطاء الاتزان العاطفى، وهو ما يحوله لشخصية غير مستقلة، مرتكن على الدوام على غيره من الأشخاص فى أغلب الحالات.

الحل فى تثقيف الأبوين وتقويمهما للطفل

ويرى أخصائى النفسية، أن الحل الأمثل لاضطرابات الطفل الوحيد، فى تأهيله وتقويمه نفسيا وسلوكيا منذ الصغر مع إمكانية استشارة الأبوين لمختص نفسى خاص للأطفال، ومرحلة الطفولة هى المرحلة الأهم فى تقويمه وإمكانية تقويم شخصيته، من خلال تقنين الأبوين لمشاعرهما الفياضة تجاه طفلهما الوحيد، فلا خوف زائد ولا حب زائد ولا تدخل زائد، فهذه المشاعر الفياضة تدمر تكوينه المستقل وتضعف من شخصيته أمام ذاته.

وتابع ناصحا الأبوين بضرورة الاهتمام بخلق مساحة شخصية خاصة للطفل منذ نعومة أظافره، ليشب محترما خصوصيتهما ومحترما لذاته مساحته الشخصية الخاصة، ويفسحون له المجال فى التصرف فى هذه المساحة الخاصة دون تدخل أو تعقب، وعليهم التوقف عن تعقبه أو اشعاره بانعدام قدرته على حماية نفسه أو غيره.

وأضاف، عليهما تقويم اضطرابه السلوكى والاجتماعى، بدمجه مع غيره من الأطفال، وبالتحاقه بالحضانه منذ الصغر، وتقوية علاقته بأصدقائه، وترك المجال فى التصرف بحرية فى علاقته بغيره دون تعقب أو تقويم دائم، والاهتمام برأيه واحترامه والأخذ به، مع عدم التقليل من شأن أفكاره أو ابتكاراته.

التوقف عن اتخاذ القرارات نيابة عنه، وتركه ليعيش تجاربه القاسية وحده، بمساندة دائمة منهما، وعليهما التفاهم الدائم والاتفاق حول طريقة تربيته وتعليمه كى لا يتشتت ذهنه وعاطفته، ويصبح ممزقا بين أحد الطرفين، والاتفاق على وسائل عقابه ووسائل ترفيهه.

تجنب الدلال الزائد له، ومحاولة صنع شخصية قادرة على القيادة والتصرف دون ارتكان عليهما، مع الاهتمام بتوفير مناخ ترفيهى جيد له لملء وقت فراغه الدائم مع غيره من الأصدقاء فى ممارسة الرياضات المفيدة أو القراءة، ومحاولة تنمية مهاراته الخاصة التى يصبح بها غير شاعر بالنقص.