ما فعله إيهاب الملاح وإن لم يكن جديدا، فقد كان للعقاد وطه حسين وغيرهما من المثقفين الكبار، كتبا تحدثوا فيما عما قرأوه أو حتى فيما يجب أن يقرأه غيرهم من الباحثين عن الثقافة، وما زال فى البلاد الأوروبية وأمريكا يقترحون قائمة كتب يجب على الطالب قبل التحاقه بالجامعة أن يكون قد قرأها، منها الأدبى ومنها العلمى، وغير ذلك، لكن لا نجد شيئا من ذلك فى مراحل تعليمنا ولا حتى فى مؤسساتنا الثقافية، إذن ما فعله "إيهاب الملاح" فى كتابه "المهم" شىء مختلف فى ثقافتنا العربية الآن، ويحمل نقاطا تحسب له، منها:
النقطة الأولى، تتعلق بإعادة إحياء سنة حميدة، فى ظل ثورة التكنولوجيا، والتى عادة ما تأخذنا فى اتجاه "السريع والبسيط" لكن إيهاب الملاح يحدثنا عن "الكتاب" وقيمته و"القراءة" وأثرها، معتبرا أنها هى فقط الأمر الحقيقى الذى يعيد تشكيل أراوحنا، والتى يمكن من خلالها إعادة رسم خريطة للعالم، حيث يتتبع "الملاح" المشروعات السابقة التى قام بها الكتاب الكبار، ويطرح الأثر الكبير الذى تركته هذه الأفكار مثل "اقرأ" التى أصدرتها دار المعارف 1943، وتاريخ القراءة لـ"ألبرتو مانغويل".
كما يتوقف "الملاح" عند بعض المحطات المهمة التى تتعلق بطريقة تفكير العقل العالمى ومن ذلك "تكوين العقل الحديث" للمفكر ومؤرخ الفلسفة المعاصر "راندال" و"سحر الواقع" لـ"ريتشارد دوكنز"، ويؤكد "إيهاب الملاح" أن المكتبة العربية بها أيضا كتب تتعلق بطرق التفكير ومنهجية الإبداع ويضرب مثلا بـ"ما وراء الكتابة.. تجربتى فى الإبداع" لإبراهيم عبد المجيد.
النقطة الثانية، التى تحسب لـ"إيهاب الملاح"، هى أنه أدرك متطلبات اللحظة الراهنة التى يطالب فيها الكاتب بالقراءة، فقد اختار الرواية، لأنه يعرف أننا فى "زمن الرواية" على حد قول جابر عصفور، لذا لفت انتباهنا إليها، واختار عددا من "الروايات" التى تملك "روحا كتابية" أى تملك سلطة تأثيرية على القارئ، ولم يسقط فى فخ "الأكثر مبيعا" مع أنه يدرك تماما أن "شباب القراء" يسعون خلف "الأكثر مبيعا" لذا رأى من واجبه أن يصدر مجموعة مختلفة من الروايات، التى بالتأكيد "دسمة" وستفتح شهية القارئ لعالم أكثر اتساعا، فتحدث عن مشروع "محمد ناجى" و"مليم الأكبر" لعادل كامل، الذى ندم فى أخريات حياته على هجره الأدب والإبداع، و"زوربا" التحفة الحاضرة تماما فى روح "الكتابة" و"القراءة" و"ساق البامبو" لـ"سعود السنعوسي" و"جبل الزمرد" لـ"منصورة عز الدين" حيث راهن على شباب مبدع لم يسقط فى فخ الاستسهال والتداعى.
النقطة الثالثة، اعتماده على كتب مترجمة للعربية، ولم يحدثنا عن "كتب" قرأها فى لغاتها الأصلية، حتى لا تصبح لدينا حجة أن هذه الكتب تحتاج لمن يجيدون لغات أجنبية، فـ"الملاح" تنوع بين الكتب العربية والكتب المترجمة، أى أنه حدثنا فى الثقافة المتاحة التى يمكن الوصول إليها.
النقطة الرابعة، طريقة التعليق على الكتب، فهو لا يحكى الحكاية لكنه يضعك على أول الخط، ويراهن على أنك ستصل، لا يشرح الكتاب ولا يلخصه، ولا يقدمه فى شكل مبسط يخل به، هو يصل لجوهر الكتاب، ويحوم بك حوله، ويقدم مقالات غنية، لا يقصد بكتابته أن "يغنيك" عن قراءة الكتاب، لكنه يفتح شهيتك له، ويمنحك أول الطرف وعليك أنت أن تجيب عن الأسئلة التى ينتجها "مقاله" عن الكتاب وذلك بأن تقوم بقراءته، كما فعل فى الكتب التى تتعلق بثورة الخامس والعشرين من يناير، والتى حظيت بقسط وافر من الكتاب، نظرا لكم الكتب التى صدرت فى هذه الفترة التى لا تتجاوز الأربع سنوات، وقد تتبعها الملاح تاريخيا، وعرض لطبيعتها وأثرها وطريقة تأليفها، لكنه لم يحكم عليها، ولم يفسرها، فقط أشار إليها وترك للقارئ قضية التشابك والاتفاق والاختلاف معها.
أيها القارئ العزيز، كل الذى عليك، أن تقرأ كتاب"مشاغبات مع الكتب" لإيهاب الملاح، وستجد نفسك بعدها شغوفا بالبحث عن هذه الكتب التى تحدث عنها الكتاب، ستسعى لاقتنائها أو استعارتها أو البحث عنها على "جوجل" ثم ستبحث عن غيرها شاكرا لـ"إيهاب الملاح" صنيعه.
موضوعات متعلقة..
غدا.. إيهاب الملاح يوقع كتابه "مشاغبات مع الكتب" فى "ديوان"