نقلا عن اليومى
تعالوا نتحدث بشكل مجرد من الهوى، وبصوت عال، لإعلاء قيمة الحقيقة، عن إشكالية التسريبات الهاتفية، والأوراق والمستندات، فى وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية، بجانب ما يتم بثه على المواقع الإلتكرونية، والتواصل الاجتماعى «الفيس بوك وتويتر»، ونسأل عن الذين كان لهم السبق فى تدشين فقه التسريب..
بالأدلة والبراهين، أول من دشن لهذا الفقه هم ثوار ونشطاء يناير، والحركات والائتلافات التى ولدت من رحم الثورة، ضد إعلاميين ونجوم سياسة وفن ورياضة، وألصقوا الاتهامات والأباطيل بهم، وبارك كل المحيطين والمتعاطفين مع اتحاد ملاك ثورة يناير هذه التسريبات، وأقاموا لها الحفلات والأفراح والليالى الملاح، واعتبروها كنزا كبيرا لتعرية أعدائهم. إذن الثوار والنشطاء أول من دشنوا فقه التسريبات التى وصلت لذروتها عند اقتحام مقرات أمن الدولة وأخرجوا الوثائق والمستندات، وأغرقوا بها الفيسبوك وتويتر.
وفى سيناريو انقلاب السحر على الساحر، ظهرت تسريبات لنشطاء وثوار، وشخصيات عامة داعمة لثورة يناير، تكشف تورطهم فى العديد من الأحداث التى شهدتها مصر، وهنا «هاجت الدنيا وماجت الأرض تعاطفا مع غضب النشطاء»، وخرجت سهام الاتهامات لتوجهها ضد مؤسسات الدولة الأمنية، ولاتهامها بأنها وراء التسريبات، وتجنيد عدد من الإعلاميين لتشويه صورة شباب الثورة، واتهامهم بالخيانة والتآمر، ومطالبة كل من نشر أو أذاع هذه التسجيلات بتقديمهم لمحاكمة عاجلة، وإعدامهم فى ميادين الثورة ليكونوا عبرة وعظة فى المستقبل لكل من يقترب من شباب الثورة النقى والطاهر.
هنا تظهر سياسة الكيل بمكيالين، والانتقاء فى بناء المواقف، ما بين تأييد جارف للثوار والنشطاء للتسريبات ضد خصومهم، والتنديد والانزعاج بالتسريبات التى طالتهم، وطالت مثلهم الأعلى من عينة البرادعى وصباحى وممدوح حمزة وغيرهم، وهو خلل قيمى كبير، وازدواج فج للمعايير.
القيم العليا لا تعرف إلا مكيالا واحدا، إما الرفض الكلى، وإما القبول الكلى، بالمبدأ، ولكن أن تقبل التسريبات عندما تخص الخصوم، وترفضها عندما تخص فصيلك أو أصدقاءك، فهو أمر مشين.
ونأتى إلى العامل الجوهرى، وهو: ماذا تفعل أمام كنز معلوماتى، يتضمن تسجيلات لشخصيات عامة ونشطاء وسياسيين ونجوم مجتمع، هل تقف أمام شغف الانفراد وتذيعها أم تغلب القيم الأخلاقية بعدم الخوض فى حياة الناس الشخصية؟
الإجابة واضحة وجلية، أن الثوار وحلفاءهم أول الذين وقعوا تحت طائلة الشغف فى إذاعة التسريبات، ثم سار عدد كبير من الصحف والقنوات الفضائية خلفهم، بنشر التسريبات، من عينة «اليوم السابع» التى نشرت تسريب حوارات مبارك مع طبيبه، و«الوطن» التى أذاعت تسريبات لمبارك ومرسى، و«المصرى اليوم»، وغيرها من الصحف بجانب تسريبات برنامج الصندوق الأسود للإعلامى عبدالرحيم على.
وإذا سألتنى أنا شخصيا عن رأيى فى التسجيلات، فأنا أرفضها سواء التى ضد خصومى، أو أصدقائى، وتتفق أو تختلف مع انزعاج وسخط النشطاء والجماعات والحركات الثورية من التسجيلات، إلا أن من الضرورة الاعتراف بأن كل التسريبات «حرام» وخطيئة كبرى، وبما أن ذلك لم يحدث، والجميع دون استثناء تبارى فى نشر وإذاعة التسريبات، فالجميع يسدد نفس الفاتورة.
وتبقى الحقيقة المؤكدة، أن الجميع خضع لشبق الانفراد، أمام كنز المعلومات فى التسريبات الهاتفية، ولم يستطع فصيل أو إعلامى، أو ثائر، أو ناشط كبح جماح هذا الشغف فى إذاعة التسجيلات، إذن الجميع تطوله نار الاتهام، والجميع مدان، وليس عبدالرحيم على فقط.
موضوعات متعلقة
- أكرم القصاص يكتب: التسريبات والمستقبل..صراع بلا أدلة واستقطاب بلا قضية.. مزيد من الكشف أم مزيد الانتقام والاستقطاب؟.. الجدل حولها لم يتوقف طوال السنوات الأربع الماضية
- محمد الدسوقى رشدى يكتب: التسجيلات الحرام والتسريبات الحلال.. المجتمع فشل فى اختبار التسريبات.. الشباب رفضوها حينما ظهرت مكالماتهم وصمتوا عنها حينما أذاع الإخوان تسريبات سجن مرسى