نقلا عن اليومى..
مرة أخرى تعود انتخابات الرئاسة لعام 2012 إلى ساحة الحدث، تتصدره، وتثير أتربة جدله، وتخلق بين الجميع صراعًا بدا للبعض أنه انتهى، لكننا اليوم نكتشف أنه كان مؤجلًا فقط، وكأن الكل كان يجلس متربصًا فى انتظار أن يستخدم أحدهم دبوسه لتفجير بالونة سؤال يقول: هل تم تزوير انتخابات الرئاسة فى 2012 أم لا؟ ومتى تنتهى هذه القضية؟ ومن المسؤول عن كل هذا اللغط؟ ولماذا قرر الفريق أحمد شفيق أن يطلق تصريحاته المتهورة فى كل اتجاه، يرى أنه يدعم قضيته فى إثبات تزوير الانتخابات لصالح مرسى، بينما يقول الواقع إنه لا يدعم، بل يضر وطنًا بأكمله؟
الإثارة الكامنة فى قضية انتخابات الرئاسة لعام 2012 لا تكمن فقط فى تهمة التزوير، بل تستمد إثارتها من أبطال القضية، أو تحديدًا مجموعة الأسماء التى رددها الفريق أحمد شفيق بصفتها شاهدة على نجاحه، أو تمتلك معلومات عن نجاحه، على رأسهم المشير طنطاوى، وزير الدفاع فى ذلك الوقت، والفريق سامى عنان، رئيس الأركان السابق، واللواء مراد موافى، رئيس جهاز المخابرات فى حينها، والمستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية سابقًا، والمستشار عبدالمعز إبراهيم، رئيس اللجنة العليا للانتخابات، والمستشار حاتم بجاتو، أمين اللجنة سابقًا، كل هؤلاء وردت أسماؤهم فى تصريحات شفيق، بعضهم قال الفريق إنه أبلغه صراحة بفوزه، وبعضهم قال الفريق إنه ألمح إلى خبر نجاحه. ومن بين هذه القائمة المتخمة بشخصيات مهمة فى الحياة السياسية المصرية خرج ثلاثة للرد على تصريحات شفيق، وقضية تزوير الانتخابات الرئاسية فى 2012، أولهم كان المستشار عبدالمعز إبراهيم الذى أشار فى حديث له إلى بعض التجاوزات، لكنه لم يصرح بشىء، ثم اللواء مراد موافى الذى نفى تمامًا حدوث أى اتصالات بينه وبين الفريق شفيق، ثم جاء الرد الأكثر صخبًا على لسان الفريق سامى عنان الذى نفى تصريحات شفيق جملة وتفصيلًا، ليبقى ثلاثة آخرون صامتين، على رأسهم المشير طنطاوى، وحاتم بجاتو، والمستشار فاروق سلطان، والكل الآن ينتظر كلمتهم، وحتى يقرر الثلاثة الباقون الحديث والرد على كلمات شفيق، تعال نعرف أن اللغط حول انتخابات 2012 بدأ فى أثناء إجرائها، وقبل إعلان النتيجة وبعدها، فتردد أن قيادات إخوانية كبيرة تورطت فى تسويد بطاقات اقتراع بالمطبعة الأميرية لصالح مرشحهم محمد مرسى، إضافة إلى ما سمعناه خلال تلك الأثناء عن منع أقباط من التصويت بعدد من المحافظات، فضلاً على معلومات أخرى متناثرة تفيد بأن خيرت الشاطر، النائب الأول لمرشد الإخوان فى ذلك الوقت، عقد صفقات مع جهات خارجية وداخلية لتتدخل فى النتائج النهائية للانتخابات لإعلان مرشحهم «مرسى» فائزًا، مقابل حزمة تنازلات، وإلا سيحولون الشارع إلى ساحات دماء.
انتهى الجزء الأول من الجدل بإعلان المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية فى ذلك الوقت، فوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية فى أول انتخابات رئاسية عقب ثورة 25 يناير، بمؤتمر صحفى عالمى فى مايو 2012، وخسارة منافسه الفريق أحمد شفيق، مؤكدًا أن مرسى حصل على 13230181 صوتًا، فيما حصل الفريق شفيق على 12347380 صوتًا، ليغادر الفريق أحمد شفيق بعد الهزيمة فى جولة الإعادة بعدة أيام إلى الإمارات.
لم يصمت الفريق عقب مغادرته للبلاد، وتقدم محاميه بطعن فى مايو 2013 تإلى المحكمة الدستورية العليا، واللجنة العليا المشرفة على الانتخابات على قرار اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية بفوز محمد مرسى بمنصب رئيس الجمهورية، وذكر المحامى فى طعنه أن الانتخابات الرئاسية تخللها تزوير، ومخالفات عارمة تعصف بنزاهة العملية الانتخابية، لكن اللجنة العليا للانتخابات برئاسة المستشار أنور العاصى رفضت الطعن فى يونيو 2014، بعد تنحى عدد من القضاة عن النظر فى القضية.
إرادة الشعب فى 30 يونيو عزلت محمد مرسى، وأُجريت انتخابات رئاسية جديدة فاز فيها الرئيس الحالى عبدالفتاح السيسى، ومازالت محاولات «شفيق» مستمرة للعودة إلى المشهد السياسى عبر التلميح دومًا إلى شرعية وجوده السياسى كمرشح مظلوم نزع منه حقه فى الانتخابات الرئاسية.
استمرت الأمور على وتيرة التصريحات المتضاربة بين الحين والآخر، إلى أن نشرت إحدى الصحف معلومات تفيد بأن أجهزة الأمن وجهت رسالة لـ «شفيق» مفادها أنه «لا عودة ولا سياسة»، بعدما رصدت اجتماعات برعايته تهدف إلى السيطرة على البرلمان، وفى تلك الأثناء سافر الإعلامى عبدالرحيم على، وأجرى حوارًا مع الفريق شفيق، لكنّ أمورًا ما أخرت بثه، الأمر الذى أغضب الفريق، وجعله يصرح فى مداخلة مع الإعلامى عمرو أديب بعدة أمور، أهمها أن إحدى الجهات منعت لقاءه مع عبدالرحيم، وأن الفريق سامى عنان اتصل به ليلة إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة، حينما كان نائبًا للمجس الأعلى للقوات المسلحة، وقال له: « مبروك يا فندم بس ابقى افتكرنا».
وأشار «شفيق» إلى أن رئيس المخابرات العامة حينها، وهو اللواء مراد موافى، أبلغ الأجهزة المناظرة بفوزه ليلة إعلان النتيجة، وأن المستشار عبدالمعز إبراهيم، عضو لجنة الانتخابات الرئاسية، أقر برفضه التوقيع على النتيجة لأنها مزورة، وأن مساعد المشير طنطاوى اتصل بصديق له كان يزوره بالمنزل، وقال له: «شفيق فاز بالانتخابات»، إضافة إلى أنه كشف لقاء تم بينه وبين المشير طنطاوى بعد إعلان النتيجة بيومين، وسأله المشير: ماذا يقول الشارع؟، فرد «شفيق»: يتساءل ماذا حدث داخل لجنة الانتخابات؟ فسأله المشير مرة أخرى: «إذن هم يرون أن اللجنة أخطأت؟»، فرد «شفيق»: «هذا ما يُقال»، على حد قوله.
ثم عاود الفريق أحمد شفيق، المرشح الأسبق لرئاسة الجمهورية، الحديث مرة أخرى مع الإعلامى وائل الإبراشى، ليكشف فى تلك المرة تفاصيل جديدة فى الانتخابات الرئاسية، من بينها تزوير ما يقرب من مليونى صوت انتخابى لصالح المرشح المنافس له فى جولة الإعادة، ليثير الجدل من جديد داخل الأوساط السياسية المصرية حول السؤال: «من الفائز إذن فى الانتخابات؟».
لكن الفريق سامى عنان، رئيس أركان القوات المسلحة الأسبق، رد فى أول ظهور له من خلال مداخلة هاتفية مع الإعلامى خالد صلاح ببرنامج «آخر النهار» مؤخرًا على الفريق أحمد شفيق، المرشح الرئاسى الأسبق، مُكذبًا «شفيق» فى كل ما قال، موضحًا: «لم أقل للفريق شفيق إنه الفائز فى الانتخابات، وعلمت بنتيجة انتخابات 2012 من خلال المؤتمر الصحفى الذى عقده المستشار فاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية آنذاك»، متابعًًا: «فيما يخص ما قلته مبروك وابقى افتكرنى، فكيف لى وأنا لا أعلم بنتيجة الانتخابات إلا من خلال المؤتمر الصحفى، شأن كل المصريين».
لم يتوقف الأمر عند نفى «عنان» لما قاله «شفيق»، لكن مراد موافى، رئيس المخابرات المصرية الأسبق، نفى أيضًا ما تردد حول أنه أبلغ جهات خارجية بفوز الفريق أحمد شفيق بانتخابات 2012 التى كانت بينه وبين المعزول محمد مرسى، متابعًا فى تصريحات تليفزيونية: «كيف لرئيس المخابرات المصرية فى هذا الوقت أن يبلغ أجهزة وحكومات بلاد أخرى بنتيجة الانتخابات الرئاسية قبل إعلانها، ومن أين له أن يأتى بهذه النتيجة قبل إعلان اللجنة الانتخابية عنها».
ليتبقى بذلك الجدل كما هو، وتظل الإجابة عن السؤال الصعب تائهة بين التصريحات المتضاربة لكبار جنرالات القوات المسلحة، ويظل التاريخ أيضًا فى أشد الحاجة إلى سماع شهادات واضحة من أشخاص بعينهم حول ذلك الأمر، أهمهم المشير طنطاوى، رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى ذلك التوقيت، وفاروق سلطان، رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية حينئذ، والمستشار حاتم بجاتو.