من الفضائل العظيمة التى اختص الله بها هذه الأمة المحمدية أن كثر ونوع لها سبل الخير وطرق الوصول إلى الله تبارك وتعالى، فلا تنسد الطرق أبدا إلا على من أغلق قلبه وسمعه وبصره واتبع هواه وكان أمره فرطا، ومن نعم الله علينا أيضا أن كثر لنا محطات الوقوف مع النفس، فالصلاة إلى الصلاة، والجمعة إلى الجمعة، ورمضان إلى رمضان، مكفرات لما بينهن إذا ما اجتنبت الكبائر، كما صح الحديث عن المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهذه الفضيلة العظيمة تجعل قلب المسلم دائما مرتحلا من عبادة مستقبلا أخرى، مودعا طاعة ومستقبلا أختها، فعلى مدار اليوم يخرج من صلاة إلى صلاة، وعلى مدار الشهر يخرج من جمعة إلى جمعة، وعلى مدار العام يخرج من صيام إلى صيام، وهو يستقبل الطاعة بفرح وشغف وسعادة ولهفة، لأنها باب الله سبحانه وتعالى، وسُلم الوصول إلى مرضاته، وفرصة لإظهار الدينونة والعبودية لله الملك المتعال، والمؤمن الصادق يستقبل رمضان وفى قلبه وعقله ووجدانه ما فاته وقصر فيه من طاعة ربه تبارك وتعالى فى رمضان الفائت، فإن كان خلط صيامه بشىء من اللغو أو اللهو أو الرفث، استغفر الله، تبارك وتعالى، وجدد العزم أن يكون فى رمضان المقبل أكثر همة وتشميرا وقياما بحقوق الله تبارك وتعالى، وهذا معنى مقام الإحسان، أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك.
والإحسان، كما يقولون، غاية لا تدرك نهايتها، لأنه ما من فعل حسن إلا وفى الإمكان على قدر التوفيق ما هو أحسن وأكمل منه، فتعبد إلى الله تبارك وتعالى على سنن عباد الله المحسنين، سترى نفسك مقصرا أبدا فى جنب الله تبارك وتعالى.
الصيام جُنة بضم الجيم، أى فيه وقاية وحصانة وتقوية وحماية للعبد من مزلات شياطين الإنس والجن، فلندخل فى حصون ربنا تبارك وتعالى مجددين العزم بإخلاص أن يكون صيامنا عبادة لا عادة، وأن يكون صيامنا ليس فقط عن الطعام والشراب بل هو صيام فى المقام الأول عن كل ما يغضب المولى تبارك وتعالى من قول أو فعل أو خلق أو حال ظاهر أو باطن.
فلندخل فى مدرسة الصيام نجلو فيها الأرواح من صدأ الجفوة، ونغسل فيها القلوب من ران الذنوب، ونهذب فيها الأنفس من حب الدنيا واتباع الشهوات واللهث خلف متاع الدنيا الفانية، فرمضان مدرسة روحية عظيمة تبنى الإنسان من جانبه الأسمى، جانب الروح والقلب، وتظهر للإنسان أن ثمة أسرارا عظيمة للروح المتصلة بالله تبارك وتعالى التى تطهرت وتجردت عن علائق الجسد الشهوانية، وأنه بقدر ما يسمو الإنسان عن دنايا الدنيا وسفاسفها وصغائرها بقدر ما تنجلى الروح وتسمو وتعلو ويعلو معها ذلك الإنسان.
علينا ونحن نستقبل هذا الشهر الفضيل أن نعلم أن قيمة العمل لا تتعارض مع عبادة الصيام، بل إن الصيام يشجع على العمل وعلى الجهاد فى سبيل الله تبارك وتعالى، وإن الانتصارات العظيمة التى أثمرت عنها شجرة الجهاد فى رمضان لا تعد ولا تحصى، وما نصر العاشر من رمضان منا ببعيد.
علينا أن نتخلى عن عادات الكسل وتعطيل الإنتاج والتهرب من العمل وتعطيل مصالح العباد بحجة الصيام والقيام وقراءة القرآن، فما أراد الله منا هذا.
علينا أن نصحح مفهومنا عن الصيام أنه مجرد امتناع عن الطعام والشراب فقط، بل جعله البعض موسم إقبال على الطعام والشراب، وبسبب اختلال المفاهيم يتحول رمضان من شهر روحانى إلى العكس من ذلك، اللهم ارزقنا تقواك فى رمضان وثبتنا عليها يا رب العالمين.
فى أول أيام الشهر الكريم.. الدكتور شوقى علام يكتب: كيف نستقبل شهر رمضان ؟ الوعى بأن قيمة العمل لا تتعارض مع عبادة الصيام أهم القواعد.. والانتصارات التاريخية فيه لا تعد ولا تحصى
الخميس، 18 يونيو 2015 12:26 م
الدكتور شوقى علام
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة