ويقول "ابن القيم" فى المقدمة إن كل ما أحاول فعله إنما هو شرح عباراته.. على قدر ما يفتح الله لى وتاويلها، والشيخ الهروى الحنبلى الصوفى قسم مقامات الإيمان كل مقام إلى ثلاث درجات، درجة للعامة، ودرجة للخاصة، ودرجة لخاصة الخاصة، وعلى نفس الوتيرة والمنهاج، قام ابن القيم بالشرح.
وقد اعترض البعض على ما فعله ابن القيم وسمحوا لأنفسهم بأن يرتكبوا جريمة تخريج كتاب سموه (تهذيب مدارج السالكين) حيث حرفوا الكتاب الأصلى، وحذفوا ما لايروق لهم من عبارات.
يقول ابن قيم الجوزية فى "فصل منزلة الفراسة"، ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الفراسة، قال الله تعالى: إن فى ذلك لآيات للمتوسمين، قال مجاهد رحمه الله: المتفرسين. وقال ابن عباس رضى الله عنهما: للناظرين، وقال قتادة: للمعتبرين. وقال مقاتل: للمتفكرين، ولا تنافى بين هذه الأقوال، فإن الناظر متى نظر فى آثار ديار المكذبين ومنازلهم، وما آل إليه أمرهم: أورثه فراسة وعبرة وفكرة. وقال تعالى فى حق المنافقين: ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم فى لحن القول، فالأول: فراسة النظر والعين. والثانى: فراسة الأذن والسمع.
وتقول الدكتورة رقية طه جابر الحلوانى، امتاز ابن قيم ر?ه ا? ? سائر كتاباته بأسلوب إص?حى، يدعو إ? التفكر و التدبر فى أعمال الإنسان وسلوكياته القلبية والظاهرة، كما قام بطرح قضية إص?ح الذات، من خ?ل نظر الإنسان لذاته والبحث عن سيئاته و إعوجاجه فى السلوك، ومن ?ّ تلمس أسباب الفساد والا?راف فى الذات ومعالجتها بحكمة وروية تستأصل تلك الأمراض والأدواء بالكلية.
يقول ابن القيم فى (فصل منزلة الخلق) ما نصه: (الدين كله خلق، فمن زاد عليك فى الخلق زاد عليك فى الدين وكذالك التصوف، قال: الكتاني: التصوف هو الخلق فمن زاد عيلك فى الخلق، فقد زاد عليك فى التصوف)، كما يفصح ابن القيم فى (فصل قال: صاحب المنازل)-وهو أبو إساعيل الهروى فى منازل السائرين-ذلك الكتاب كان كتاب ( مدارج السالكين) شرحا له،قال: "واجتمعت كلمة الناطقين فى هذا العلم أن التصوف هو الخلق،وجميع الكلام فيه يدور على قطب واحد،وهو بذل المعروف وكف الأذى"
الشيخ الهروى "وإنما يدرك إمكان ذلك فى ثلاثة أشياء:فى العلم، والجود،والصبر" ويقول ابن القيم شارحا لهذا الكلام: (فالعلم)يرشده إلى بذل المعروف،والفرق بينه وبين المنكر،وترتيبه فى وضعه مواضعه.فلا يضع الغضب موضع الحلم،ولا بالعكس،ولا الإمساك موضع البذل،ولابالعكس.بل يعرف مواقع الخير والشرومراتبها،وموضع كل خلق:أين يضعه،وأين يحسن استعماله، و"الجود" يبعثه على المسامحة بحقوق نفسه،والاستقصاء منها بحقوق غيره.فالجود هوقائد جيوش الخير، و"الصبر"يحفظ عليه استدامة ذلك.ويحمله على الاحتمال،وكظم الغيظ،وكف الأذي، وعدم المقابلة.وعلى كل خير,كما تقدم.وهو أكبر العون على نيل كل مطلوب من خير الدنيا والأخرة.قال تعالي:"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين".
فهذه الثلاثة أشياء: بها يدرك التصوف،والتصوف: زاوية من زوايا السلوك الحقيقي،وتزكية النفس وتهذيبها.لتستعد لسيرها إلى صحبة الرفيق الأعلي،ومعية من تحبه. فإن المرء مع من أحب. كما قال سحنون: ذهب المحبون بشرف الدنيا والآخرة. فإن المرء مع من أحب. والله أعلم).
موضوعات متعلقة..
"الرسالة القشيرية" للإمام عبد الكريم القشيرى.. حكاية 80 صوفيا مع "معرفة الله"
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة