لم يقف "السمرى" عند حدود سرد ما مر به، بل غاص بعمق وحكمة، مستغلًا لغته الشاعرية، دون أن يغفل وضع لمسته الإنسانية الحانية التى تراها بوضوح، عبر صفحات كتابه الممتع "ابنى يعلمنى"، الذى صدر عن الدار المصرية اللبنانية منذ أسابيع قليلة.
وإذا ما كان المبدعون فى الأغلب، يلجأون لتجربة الموت أو فكرة الخلود، ليدوروا حولها، من خلال الشعر والرواية والقصة القصيرة، إلا أن السمرى، اختار بثقة لحظة الميلاد، لمحاولة الوصول إلى بُعد فلسفى هو ما بعد الوجود من خلال أجمل ما فيه ألا وهو "أطفالنا".
مُنذ أكثر من عام، بدأ السمرى كتابة مقاطع صغيرة، لا تتعدى بضعة سطور على صفحته الخاصة عبر موقع "الفيسبوك"، وأزعم أننى كنت من المتحمسين لها ومن الحريصين على متابعتها.
سألته، لماذا لا تنشرها فى كتاب إذا ما اكتملت؟ كانت إجابته مترددة، فهو بحس الشاعر، لم يكن يهدف إلى نشر خواطره وأحاسيسه، ولم يشغله هذا الأمر كثيرًا.
إنما هى كانت دفقة شعورية ولدت بداخله، ونمت حتى بدأت تخرج تباعًا وربما كان لا يملك السيطرة عليها، فقد تولّد لديه نهم شديد، ورغبة عارمة لرؤية ابنه ومن ثم معايشة تجربة الميلاد بكل دقائقها بعد ذلك، فانسابت حروفه تقطر إبداعًا.
يضعك الكتاب، مُنذ صفحاته الأولى، فى حالة صوفية تليق بالنص، وروحه وتأسرك تمامًا حتى تنتهى منه، ويملك السمرى المقدرة، على إدهاشك أثناء القراءة، ليتركك فى حالة من النشوة ستستمر معك، لفترة طويلة، بعدما تفرغ من تلك الصفحات البديعة.
ولعل مؤلف "ابنى يعلمني" لم يكن يدرك حجم هذه الخبرة الشعورية النادرة على وجه اليقين إلا حينما رأى ابنه الأول، فعلم أن كل ما يقال عن هذه التجربة لا يستطيع أن يصف هذا الإحساس.
وربما كان هذا المخزون بداخله هو الذى فاض فجأة، عندما صافحت عيناه مولوده الأول، وانتفض الشاعر بداخله ليسجل تلك اللحظة وما تلاها، لكن نثرًا لا شعرًا، لكن من المؤكد أن تلك الوسيلة من الإبداع هنا، فى تقديرى كانت أجمل وأعظم أثرًا.
ورغم أن تجربة الميلاد، أغنى من تجربة الموت، وأكثر إلهامًا إلا أن الكثيرين لم يلتفتوا لها، ولعل ذلك أهم ما يميز هذا الكتاب ويجعله متفردًا.
كما أن السمرى لم يقف عند حدود لحظة الميلاد فحسب، بل اعتبر ابنه معجزة تكبر أمامه كل يوم، مختتمًا كتابه، بأنه تحول إلى درويش أو مريد عاشق لشيخه الملهم والمعلم ألا وهو الابن الصغير.
نقلا عن الأهرام
موضوعات متعلقة..
عمار علىّ حسن يكتب عن "ابنى يعلمنى"