وشدد المرصد على أن الدولة فى شكلها الحديث تقوم على مبادئ المواطنة وسيادة القانون والعقد الاجتماعى، فلم تعد تفرق بين مسلم وغير مسلم، والجميع سواسية أمام القانون، وكذلك متساوون فى الحقوق والواجبات، لذلك لا فرق بين مسلم وغير مسلم فى تحمل الأعباء أو نيل الحقوق، ومن ثم فلا يجوز فرض "جزية" على غير المسلمين بحجة حمايتهم أو احتفاظهم بدينهم، فمبادئ الدولة الحديثة لا تفرق بين مواطنيها فى الخدمة العسكرية أو فى القضاء وغيرها من الأمور، كما أنها لا تُكرهِ الناس على اعتناق دين بعينه مصداقًا لقول الله تعالى: “لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى” "البقرة 256.
وأضاف مرصد الإفتاء أن مبدأ المواطنة وعدم التمييز بين المواطنين متسق مع مقاصد الشريعة العليا ولا يتعارض مع مبادئ الإسلام الحنيف فى شىء، بل يمكن القول أن الإسلام قد دعا إلى ما تدعوا إليه المواطنة الحديثة وأكثر من حب للوطن وانتماء له والذود عنه والحفاظ على النسيج الوطنى والاجتماعى وسلامته، فحب الأوطان والحفاظ عليها من الإيمان الذى حث الإسلام عليه ورغب فيه.
وشدد المرصد أن فرض الجزية على أهل الذمة فى بعض الحقب التاريخية كان مقابلة حماية أرواحهم وأموالهم وتأمينهم على ذلك، وقد كان الصحابة عندما يخافون الخطر على أهل الذمة يردون إليهم ذمتهم.
وحذر المرصد من إيذاء أهل الكتاب ومنهم المسيحيون، فقد أمرنا الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم بالإحسان لأهل الكتاب وحسن معاملتهم، وتحرم الشريعة أشد التحريم ظلمهم والبغى عليهم، فقد حثّ القرآن على البر والقسط بأهل الكتاب الذين لا يعتدون على المسلمين لقوله تعالى: “لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم فى الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم أن الله يحب المقسطين”، فالبر أعلى أنواع المعاملة، حيث أمر الله به فى باب التعامل مع الوالدين، وهو الذى وضحه رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قوله: "البر حسن الخلق".
وأضاف المرصد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من ظلم أهل الذمة وانتقاص حقوقهم فقال: "من ظلم معاهدًا أو انتقصه حقه أو كلفه فوق طاقته أو أخذ منه شيئًا بغير طيب نفس فأنا حجيجه يوم القيامة"، وقال صلى الله عليه وسلم: "من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها توجد من مسيرة أربعين عامًا".
وأورد المرصد بعض أقوال أهل العلم حين أساء بعض المسلمين معاملة أهل الجزية فكان موقف العلماء صارمًا، فقد مرّ هشام بن حكيم بن حزام على أناس من الأنباط بالشام قد أقيموا فى الشمس، فقال: ما شأنهم؟ قالوا: حبسوا فى الجزية، فقال هشام: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الله يعذب الذين يعذبون الناس فى الدنيا". قال: وأميرهم يومئذ عمير بن سعد على فلسطين، فدخل عليه، فحدثه، فأمر بهم فخُلوا".
واستدل المرصد بإرسال الخليفة عمر بن عبد العزيز إلى عامله على البصرة عدى بن أرطأة مكتوبا يوصيه فيه: "وانظر من قبلك من أهل الذمة، قد كبرت سنه وضعفت قوته، وولت عنه المكاسب، فأجرِ عليه من بيت مال المسلمين ما يصلحه".
وأوضح مرصد الإفتاء أن التيارات المتشددة وأصحاب الفتاوى التكفيرية يسعون دائما وأبدًا إلى لى عنق النصوص وتأويلها بغير ما تحتمل لتبرير ممارسات همجية وبربرية لا تمت لدين أو إنسانية بصلة، مؤكدًا أن ما يفعله التنظيم الإرهابى من إجبار للمواطنين المسيحيين على دفع "إتاوة" لضمان أمنهم وعدم الاعتداء عليهم هو بمثابة جريمة منظمة كتلك التى تقوم بها عصابات المخدرات والاتجار بالبشر والتى تقوم بإجبار الناس على دفع "إتاوات" لضمان أمنهم وعدم الاعتداء عليهم.
موضعات متعلقة..
مرصد الإفتاء: التصوف الصحيح خيار لمواجهة التطرف والإرهاب