لا مكان اليوم للمنظرين السياسيين والإعلاميين.. إما مدافعا عن الوطن أو ضده
فجأة، وبدون مقدمات، ووسط الحديث عن مؤشرات لموسم سياحى جيد، ومفاوضات مكثفة مع صندوق النقد الدولى، ومؤتمرات كبيرة منعقدة فى شرم الشيخ، واحتفالات مصرية صاخبة بذكرى انتصارات أكتوبر، ومنتخب مصر لكرة القدم يخوض غمار تصفيات كأس العالم، والاستعداد لافتتاح عدد من المشروعات المهمة والحيوية من مطارات وموانئ وغيرها من الأحداث والفاعليات، خرجت السفارة الأمريكية ببيان تحذر رعاياها بعدم الوجود فى الأماكن العامة والمزدحمة اليوم الأحد 9 أكتوبر.
ولم تمر ساعات على صدور هذا البيان المريب، حتى فوجئنا بالسفارة الكندية ثم البريطانية تصدران بيانات وكأنها مستنسخة من بيان السفارة الأمريكية، أو صورة طبق الأصل، وهنا من حقنا كمصريين أن نشك وتملكنا كل أدوات الريبة عن الأسباب الحقيقية وراء هذه البيانات التحذيرية، خاصة أنه وبجرة قلم وبمنتهى الأريحية، هذه السفارات الثلاث، تصدر بيانات تحذيرية عن الأوضاع الأمنية، تؤثر تأثيرا بالغ السوء على الوضع الأمنى والسياسى والاقتصادى للبلاد، ويسدد الشعب فاتورة باهظة الثمن من مستقبله واستقراره.
هذا من جانب، لكن الجانب الأهم أن السفارات الثلاث تعاملت من خلال البيانات على أنها دولة فوق الدولة المصرية، وأن لديها أجهزتها الأمنية القوية التى رصدت من المخاطر والتهديدات الأمنية الكثير التى يمكن أن تهدد حياة جالياتها، وبدلا من إبلاغ الأجهزة المعنية والرسمية للدولة بهذه المخاطر من باب التعاون والقيم الأخلاقية لاتخاذ الإجراءات الأمنية لحماية مواطنيها أسرعت وأصدرت بيانات تزيد من «الطين بلة»، وتثير البلبلة، والرعب فى قلوب البسطاء من المصريين.
أيضا من حقنا أن نسأل عن المعلومات التى حصلت عليها السفارة الأمريكية وذيولها البريطانية والكندية، وما هى مصادرها، وهل هذه السفارات على تواصل مع الجماعات المتطرفة والتكفيرية، خاصة جماعة الإخوان الإرهابية وأيضا الحركات الفوضوية؟ لأنه لا يوجد أى تفسير من أى نوع يقبله العقل، إلا أن هذه السفارات على اتصال برؤوس الجماعات المتطرفة، وأن هناك تنسيقا كاملا بينهم.
أيضا توقيت البيانات مريب للغاية وله أهداف خطيرة، من حيث إن مصر مقبلة على موسم سياحى مهم، وهناك تهديدات وأزمات خارجية، بجانب دعوات تقودها جماعة الإخوان الإرهابية وحركة 6 إبريل والاشتراكيين الثوريين واتحاد ملاك يناير، لثورة باسم «الجياع» 11/11، وكأن بيانات السفارات هدفها سكب البنزين على النار، وضرب الموسم السياحى فى مقتل لتزداد مشكلة العملة الصعبة تفاقما.
أيضا تأتى هذه البيانات بعد الإعلان الصريح عن موقف مصر الداعم والمساند لأشقائها فى الخليج، ضد التهديدات الإيرانية، ويمكن تفسيرها بأن هذا الدعم القوى لا يعجب أمريكا التى استعدت السعودية وتدعم إيران بطريقة فجة وخطيرة، ولا بد لنا كمصريين أن نوسع دوائر شكنا حول نوايا إصدار البيانات الكارثية، ونعتبرها تأكيدا على مسلسل المؤامرة الوقحة ضد بلادنا وبشكل علنى.
الوضع جل خطير، ويكشف بجلاء للأعمياء قبل المبصرين أن مصر تتعرض لكل المؤامرات، وتعتبر بيانات هذه السفارات بمثابة عدوانا ثلاثيا جديدا ضد مصر، وأن الذين ينادون بثورات وزعزعة الاستقرار ويسفهون من هذه المؤامرات، من جماعات وحركات ونخب فى الداخل، إنما يمثلون رقما صحيحا وفاعلا فى معادلة المؤامرة الوقحة لإسقاط البلاد فى بحور الفوضى، والتقسيم والانهيار، وهى جريمة خيانة عظمى.
اليوم لا مكان للمحايد، والمنظر السياسى والإعلامى، وأصحاب المواقف المايعة، اليوم إما أن تكون فى خندق الوطن مدافعا عن مقدراته وأمنه القومى، أو أن تكون فى معسكر الأعداء والخونة الباحثين عن إزالة اسم مصر من فوق الخريطة الجغرافية.