بشموخ وكبرياء وضحكة تتحدى العجز، وقف وديع الصافى بعد تجاوزه الـ 80 عامًا على أحد مسارح لبنان يتغنى رائعته الشهيرة "دار يا دار يا دار.. راحوا فين حبايب الدار"، مداعبًا جمهوره تارة بضحكة وأخرى بإشارة، وكما استقبل الجمهور هذه الأغنية بحب كبير عندما شدا بها وهو شابًا، استقبلها أيضًا بالتصفيق الشديد عندما تغنى بها وهو يقف على حافة الغروب.
وديع الصافى على المسرح
لم يتغير صوت وديع الصافى حتى بعد تقدمه فى العمر أثناء أداءه للأغنية.. فالمطرب الكبير يتميز بمساحات صوت قوية يجيد توظيفها مع الآلات الموسيقية، خامة صوته لا يضاهيه فيها أحد إلا النجم السورى صباح فخرى، لكن عندما وقف لغناء "دار يا دار" ظهر العجز على ملامحه وحاول الفنان الكبير التغلب على العجز بتعبيرات وجهه ونظرات عيونه أثناء الأداء وحركات أصابعه وإشاراته للفرقة الموسيقية، فالمطرب كان يتمنى الموت على خشبة المسرح لكنها أمنية لم تتحقق.
وديع الصافى _الذى تمر ذكرى ميلاده اليوم_ ربما يكون النجم الأشهر فى لبنان بعد السيدة فيروز، ولم يستطع مطرب لبنانى احتلال مساحة الشهرة التى احتلها الراحل الكبير فى الوطن العربى، والذى ظل يتغنى لأكثر من نصف قرن، حتى صنع هيبة الأغنية اللبنانية مع فيروز.
وديع الصافى
وديع الصافى كثيراً ما وقف أمام اسم مصر، التى شهدت بداية انطلاقه الفنى سينمائيا مع نجيب الريحانى، حيث ظهر معه بفيلم "غزل البنات"، وظل حب مصر يراوده وقال عنها: "إنها ضمير الأمة العربية وعاصمة الفن"، وتغنى بإحدى حفلاته بدار الأوبرا لمصر بأغنيته "إذا مصر قالت نعم فأتبعوها وان قالت لا، فأسمعوها"، من أغنية "عظيمة يا مصر يا أرض النعم"، حبا فى القاهرة.
فى تاريخ الفنان اللبنانى الكبير الكثير من الروائع مثل "على رمش عيونها"، لكن تبقى رائعة "دار يا دار يا دار" كلمات حسين السيد وألحان بليغ حمدى حالة خاصة فى تاريخه الغنائى، حيث عبر بها عن ألمه تجاه وطنه لبنان وغربته بعدما هاجر منها مع بداية الحرب اللبنانية، وكان يتغنى كل حرف بأعصابه وقلبه وكأنه يرى مخلفات الحرب من قتل ودمار ويخاطب الشوارع والديار قائلا: "راحوا فين حبايب الدار فين فين قولى يادار"، ويعود يتذكر لبنان فى الأغنية قائلا "لياليك كانت نور.. يسبح فى ضيه بحور.. صرخة صدى مهجور مرسوم فى كل جدار"، والمفارقة أن الراحل بليغ حمدى كان يتغنى بنفس الأغنية فى أواخر حياته عندما غادر مصر.
طاف وديع الصافى بلداناً كثيرة وحصل على الجنسية المصرية والفرنسية والبرازيلية، إلا أنه دائما كان يفتخر بلنانيته ويقول: "لا شىء أعز من الولد الا البلد"، ولم يتوقف عن العطاء لها طوال حياته، حيث تأثر بطبيعة القرية الهادئة التى نشأ فيها وسط جبال لبنان، التى منحته الإلهام والتعبيرات الصادقة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة